الأغلبية الساحقة للتماثيل البرونزية في اليمن محلية الطابع والصناعة كما هو حاصل في العديد من التماثيل المكتشفة ولكي يتسنى لنا التعرف على الطراز المحلي للتماثيل نلقي نظرة سريعة على التماثيل الحجرية التي بقيت محافظة على تقليد صارم نادرا ما يخالفه الصانع خلافا للتماثيل البرونزية التي خرجت تدريجيا عن الطابع التقليدي وأخذت بالأساليب الأجنبية.
التجانس بين التماثيل الحجرية واضح والاختلاف فيما بينها طفيف أكثر ما يشد الانتباه فيها هو الجمود وعدم وجود تناسب بين حجم الرأس والجسم وكأنها مضغوطة التركيز يقع على الرأس المصور بدقة وعناية والذي يبلغ ارتفاعه ثلث ارتفاع الجسم البرونزي وفي أحسن الأحوال ربع ارتفاع الجسم الرقبة قصيرة غالبا الجسم مسطح عولج بشكل مبسط (الصدر لا يبرز بوضوح في التماثيل النسائية) الأكتاف عريضة تشكل مع الأذرع زاوية قائمة الأذرع ملصقة بالجسم مثنية إلى الأمام والأيدي مضمومة ربما تحمل شيئا ما الحركة جامدة وثابتة لكل التماثيل, وقليلا ما نرى فيها تصفيف الشعر (أحيانا الرأس مقطوع الهامة) الزي عبارة عن ثوب طويل يلتصق بالبدن أو إزارا (يلتف حول الخصر والفخذين) والصدر عار أحيانا في التماثيل الرجالية مسطح وغير مهذب.
الاختلاف الأساسي بين التماثيل الحجرية وتلك المصنوعة من البرونز هو التناسب بين حجم الرأس والجسم وإن ظل الاهتمام منصبا على الرأس إلا أننا نلاحظ ظهور الرقبة وابتعاد الأذرع عن البدن ونرى أنواعا من تصفيف الشعر للتماثيل الرجالية والنسائية (شعر جعد ضفائر وتيجان وكعكعة الشعر في الخلف) كذلك تحرك الأرجل في بعض التماثيل حيث تتقدم قدم على الأخرى كالتماثيل المصرية والإغريقية التي ستحدث أنواعا جديدة للتماثيل على البرونز لا نعرفها على الحجر كالتماثيل العارية وتماثيل الأطفال ويقول كتاب البرونز في اليمن القديم الجزء الأول لمؤلفه الدكتور عزت علي عقيل بن يحيى: إنه بالرغم من هذه الاختلافات تبقى الصبغة المحلية هي الطاغية على التماثيل البرونزية وتشابه الحجرية في اللباس وفي تصوير الوجه وفي إهمال الظهر وجمود الجسم.
قد يعود الاختلاف في تناسق حجم الرأس بالنسبة للجسم بين التماثيل الحجرية والبرونزية إلى طبيعة المادة التي صنعت منها التماثيل فنحات الحجر يحاول أمام اللوح الحجري المحدود الحجم إبراز أهم ما يمثل الشخص فيعطي للرأس أكبر مساحة ممكنة ويعتني به أما صانع تمثال البرونز فهو الذي يحدد حجم التمثال على الصلصال (النواة).
الاختلاف الرئيسي بين تماثيل الحجر والبرونز يرجع إلى وظيفة التمثال فالتماثيل الحجرية جنائزية أصولها تعود للنصب الجنائزية التي كانت تكتفي بتصوير العينين وتتطور تدريجيا لتبرز الملامح ثم الرأس والجسم أما التماثيل البرونزية فهي نذرية كرست للآلهة كما تشهد على ذلك الكمية الهائلة من النقوش التي تتحدث عن تقديم تمثال من البرونز للإلة (صلم ذو ذهب).
ويعود الاختلاف أيضا لتأثر التماثيل البرونزية بالأساليب الخارجية بحكم العلاقات التجارية واستيراد التماثيل البرونزية (كالمحارب الإغريقي) والتماثيل وكلها قطع صغيرة الحجم خفيفة الوزن سهلة الحمل والنقل وبالتعرف على الفنون الأخرى استمدوا ما يناسبهم إذ يبدو أن العالم التعبدي النذري القديم له حرية أكبر في اختيار الصور والأشكال الأجنبية وكانت رمزية الصورة هي الأهم.
المصدر:
كتاب البرونز في اليمن القديم الجزء الأول للمؤلف الدكتور عزت علي عقيل بن يحيى والصادر عن وحدة التراث بالصندوق الاجتماعي للتنمية.