مدوّنة السلوك الوظيفي.. المسؤولية أمانة والوظيفة خدمة للناس
افتتاحية الثورة
شهد مجلس الوزراء في العاصمة صنعاء يوم أمس، تدشينا لمدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة، حضره قادة الدولة من رئيس المجلس السياسي الأعلى إلى رؤساء الحكومة والنواب والقضاء والشورى والوزراء وقادة العمل المؤسسي، وجاء تدشين المدونة بعدما أصدر الرئيس المشاط قرارا رئاسيا بها.
تحتوي المدونة السلوكية على مبادئ وقيم ملزمة لجميع المسؤولين في مواقع المسؤولية، وهي خطوة مهمة نحو بناء دولة تقدم الخدمة للمواطن وتكرس المعنى الحقيقي للمسؤولية في أنها أمانة وخدمة للناس، وما تتميز به مدونة السلوك الوظيفي أنها انبثقت من هوية إيمانية ومن المبادئ القرآنية والهدي النبوي، ومن المراجع الوطنية الدستور والقوانين النافذة، ولا شك أن هذه المدونة إنجاز واستحقاق ثوري مهم، والأهم تطبيقها في الواقع، كما هو مؤمل ومنشود.
منذ قامت الدولة وتعاقبت الحكومات في اليمن لم تكن هناك قيم وظيفية ملزمة للمسؤول والموظف، فكان الفساد والابتزاز والانفلات هو السائد في المؤسسات خلال العقود والعهود الماضية، ولا يخفى على أحد ما كان عليه الوضع المؤسسي سابقا وحالة المجاهرة بالفساد التي كانت قائمة، حتى صنفت اليمن في العام 2013م في المرتبة الحادية عشرة عالميا في الفساد، بل وصار الفساد والانفلات وهبر المال العام والتسيب في الوظيفة العامة سيمة بارزة في كل مؤسسات الدولة.
بما تضمنته المدونة السلوكية من التزامات وقيم وأخلاق وسلوكيات يجب أن يلتزم بها المسؤول تجاه موظفيه والموظف تجاه المواطنين، فإنها تضع التزامات على عاتق المسؤولين والموظفين تجاه العامة وأي إخلال بتلك الالتزامات هو إخلال بالمسؤولية تستلزم المحاسبة والعقاب، وحتى لا يزايد البعض على هذه الخطوة ويضع ألف فرضية وافتراض بما كان يجب، عليه أولا أن يقنع الناس أولا بفوائد الرشاوى والفساد والنهب والهبر والتسيب والانفلات الوظيفي التي كانت سائدة في السابق، حين كانت الوظيفة مغنما ومصدرا للربح والتجارة والأموال وشراء العقارات والسيارات والاستثمارات وحال المسؤولين في السابق لا يخفى على أحد.
وحتى لا يزايد البعض اليوم ويطلق العنان لأمراضه عليه أن يعدد للناس أسماء المسؤولين الذي نهبوا وفسدوا وأكلوا الرشاوى وأحيلوا إلى المحاسبة القانونية على رغم كثرة الفاسدين والناهبين، بل لم تكن هناك مبادئ للمسؤولية وقيم وأخلاقيات ملزمة للمسؤول والموظف ليتم محاسبته على ضوئها، واليوم خطونا الخطوة الأولى نحو ذلك بإقرار هذه المدونة المهمة.
قوض الفساد والتسيب والانفلات الوظيفي في وحدات الدولة ومؤسسات عملية بناء مؤسسات حقيقية تقدم الخدمة للمواطنين، كانت القلة تحصل على عقود النفط والتجارة والمناقصات والمزادات بل وكانت الدولة برمتها في خدمة مجموعات ناهبة وفاسدة تبني البنايات وتشتري العقارات وتعبث بالموارد، وكان المواطن عرضة للابتزاز والنهب ومقابل كل خدمة يريدها عليه أن يدفع مقابلها للمسؤول والموظف.
اليوم بات لدينا إطار قانوني ملزم ومؤسسي لمحاسبة الفاسد والمهمل، ولدينا مبادئ وقيم ملزمة تنطلق من تعاليم ديننا الحنيف وهويتنا الإيمانية تجعل من المسؤول خادما للشعب ومن الوظيفة خدمة وأمانة، وهذه المدونة تصحح النظرة إلى الوظيفة التي كانت مغنما إلى اعتبارها خدمة للناس، وإحسانا اليهم وبما يجسد من خلالها العبودية لله سعيا لرضا الله عز وجل، وقد تم وضع هذه المدونة انطلاقا من الثقافة القرآنية والهوية الإيمانية وهي ضابطة للمسؤوليات والوظائف في وحدات الخدمة العامة.
في كل العهود الماضية والسلطات التي مضت لم تكن هناك أي التزامات وظيفية ولا قيم سلوكية تضبط عمل الموظف والمسؤول وتنظم أعمالهم وتحتم عليهم تقديم الخدمة للناس، فجاءت هذه الوثيقة لتترجم المعنى الحقيقي في بناء دولة لخدمة الشعب، وقد جاءت كإنجاز من إنجازات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، ولتواكب تطورات العالم في بناء الدول فكل المؤسسات العامة في كل الدول والسلطات لديها مدونات سلوكية وأخلاقية وظيفية تضبط النظام الوظيفي والمسؤوليات العامة، غير أن الأنظمة السابقة في اليمن عملت على تغييب تلك الالتزامات حتى لا يدان الفاسدون بفساد ولا يحاسبوا على إهمال أو انفلات.