سليمان سعد أبوستة

ثورتنا المتأججة في الضفة .. ماذا بعد؟

 

 

يتصاعد الفعل الفلسطيني المقاوم في الضفة الغربية، وقد بيّن تقرير مركز معطى أن ألفي عمل مقاوم تم في الضفة والقدس، خلال شهر أكتوبر المنصرم، وهذا العدد ضعف ما جرى من أعمال مقاومة خلال الشهر الذي سبقه، وهو ما يشير إلى تصاعد واضح في هذا المسار الذي يتطور أساسا منذ عملية أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل عام 2014م، ولكن المقاومة كأي عمل إنساني بحاجة إلى تطوير مستمر؛ من أجل أن تكون قادرة على تحقيق أهدافها المرحلية، بردع الاحتلال عن جرائمه، واستنزافه وصولا إلى هروبه من الضفة والقدس، متى وصل إلى قناعة أن ثمن بقائه فيهما أكبر من ثمن انسحابه منهما.
ولكي نطور ثورتنا الوطنية المشتعلة في الضفة؛ لابد من مجموعة من الإجراءات التي ينبغي أن نتفاكر فيها، ونطورها، ونعمل على تحويلها إلى واقع عملي، ومن هذه الأفكار:
العمل على تطوير الفعل الشعبي الجماهيري المقاوم في الضفة؛ ليكون أكثر إيلاما للعدو، حيث تتميز الانتفاضة الحالية بمشاركة جماهيرية واسعة، وتأييد شعبي عارم، يظهر ذلك من أعداد الفعاليات الشعبية التي ترصدها التقارير الدورية، ومن مشاهدة أعداد المشاركين في مواجهة قوات الاحتلال عند اقتحامها المدن والبلدات والقرى والمخيمات، والمطلوب أن نعمل عقولنا في كيفية الاستفادة من هذا الدور المهم ليكون أكثر إيلاما للاحتلال، كيف يمكن توظيف هذه المشاركة الواسعة في إغلاق أكبر كم ممكن من الطرق، وإشعال أكبر كم ممكن من الحرائق في المستوطنات، وفي وضع أجسام وهمية مشبوهة تشغل الاحتلال وتستنزفه، وهكذا في عشرات الأعمال التي يمكن أن يبتكرها أهل كل قرية، دون أن تكون لها تكلفة بشرية كبيرة من طرفنا كفلسطينيين.
كذلك من المهم العمل على تطوير العمل الفردي، فلم يعد مقبولا أن يبادر شاب بطل بعد مرور كل هذا الوقت على اشتعال هذه الهبة؛ لمهاجمة جندي محصن بسكين أو بسيارة صغيرة، يجب التفكير في سبل تطوير العمل الفردي ليكون أكثر إيلاما للعدو، وأكثر إرباكا لجنوده، وأكثر دفعا لإجباره على وضع أدوات حماية جديدة تواصل استنزافه وإرهاقه ومطاردته ماديا ومعنويا.
وهذا يدفع الجميع في الضفة والقدس لضرورة أن نواصل البحث عن نقاط ضعف الاحتلال، فهذا الاحتلال مهما كان كانت لديه من نقاط قوة إلا أن لديه نقاط ضعف، وكلما كان تركيز هجماتنا على نقاط الضعف كلما كانت الضربات أكثر قوة، وأكثر إيلاما للعدو، ولن يتم اكتشاف نقاط ضعف العدو إلا من خلال إعمال العقول المبدعة، وزيادة تأملها للواقع هناك.
وهنا لابد أن يتذكر المقاومون أن أعداد القتلى في صفوف العدو على أهميتها في كسر إراداته، إلا أن النجاح في إرهاق الاحتلال وتشتيته ودفعه لنشر جزء كبير من جيشه في أنحاء الضفة والقدس نجاح كبير، ولا يقل أهمية، لأنه سيكبد هذا المحتل على المدى البعيد ثمنا كبيرا، ويؤثر على مستوى لياقته، ويدفعه للتراجع استراتيجيا، ومن هنا لابد أن نستثمر كل وسيلة ممكنة لجعل الاحتلال في حالة استنفار دائم، وقلق مستمر، وترقب لا يتوقف.
ولكي يتحقق هذا لابد من تصعيب مهمة العدو في مواجهة المقاومين، عبر زيادة وعيهم الأمني، وخبرتهم في التعامل مع وسائل الاتصال والتواصل، فليس من المعقول أن يحمل مجاهد مطلوب هاتفا حديثا، أو يتحدث بالقرب منه، وهو يعلم أن المحتل قادر على اختراقه والتنصت عليه، واستخدام الكاميرات الخاصة به، وليس من المعقول أن ينشر مجاهد صوره في بث مباشر على مواقع التواصل، أو أن يستخدمها بالطريقة التي تمت خلال المرحلة الأخيرة، وليس معقولا أن يكون مكشوف الحركة، بسيره في مناطق محددة في أوقات محددة، ينبغي وقف هذه السلوكيات، وترسيخ عادات جديدة تجعل مهمة العدو أكثر صعوبة، وإرهاقا.
كما أن من أهم الأعمال التي ينبغي أن نضعها هدفا قريبا للمقاومة في الضفة والقدس؛ أن تكون لديها القدرة على صناعة أماكن آمنة، يصعب على العدو الوصول إليها بيسر، وفيها يمكن أن تتطور الخبرات، وتتراكم المعرفة، وتُصنع أدوات المقاومة الأكثر فتكا، ولا شك أن هذه مهمة ليست يسيرة، لكنها في غاية الأهمية على المدى القريب في تطوير قدرات المقاومة، وحمايتها، وتراكمها، وانتقالها من مرحلة إلى مرحلة.
كاتب وباحث فلسطيني

قد يعجبك ايضا