يسّروا الزواج وخفِّفوا الأثقال والأغلال

عبدالرحمن الأهنومي

 

 

أقيم العرس الجماعي الثالث والأكبر الذي زف عشرة آلاف وأربعة وأربعين عريساً وعروساً برعاية الزكاة تحت شعار “معا لتيسير الزواج وتخفيض المهور” ، وقد زوجت هيئة الزكاة الآلاف من العرسان وأدخلت الفرحة والسرور إلى ديار الفقراء والمعوزين والمعاقين واليتامى والمحرومين في كل أرجاء اليمن، وذلك ترجمة لمقاصد الزكاة العظيمة، وتعزيزاً للصمود الاجتماعي، وفيه تكريس لقيمة إنسانية وأخلاقية وإيمانية ، والأهم من ذلك فإن العرس الجماعي يضعنا أمام مسؤولية جماعية في تيسير الزواج وتخفيف تكاليفه ونفقاته الباهظة التي أعجزت الآلاف بل مئات الآلاف عن الزواج وحرمت شبابنا وبناتنا من إكمال نصف دينهم وحياتهم.
وقد سطّر العرس الجماعي الأكبر مشهداً فرائحياً بهيجاً يتفرد فيه الشعب اليمني ويمتاز عن غيره من الشعوب بهذه الأفراح التي جمعت الفقير والمسكين واليتيم والعاجز والمحروم، غير أنها أفراح ستكتمل حينما يتجه الجميع لتخفيف الأثقال عن كاهل الجميع بتيسير الزواج وتخفيف تكاليفه ونفقاته وتخفيض المهور، تجسيداً للهوية الإيمانية التي شهد بها رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم بقوله “الإيمان يمان والحكمة يمانية” ، ومن الإيمان ومن الحكمة أن يكون قدوتنا رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم الذي يسر وسهّل زواج سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ، بل وأمر بتسهيل وتيسير الزواج وجعل من ذلك سنة يجب التزامها.
مما لا شك فيه أن مئات الآلاف لم يتمكنوا من الزواج بسبب المغالاة والمبالغة الفاحشة في تكاليف ونفقات الزواج ، ولو بحثنا قليلا لوجدنا أن مشكلة المغالاة والمبالغة في المهور علاوة على التكاليف الكبيرة التي يفرضها الآباء لزواج بناتهم قد حالت بين الآلاف من الشباب وبين الزواج، وحالت كذلك بين الآلاف من البنات والزواج ، وتركت مجتمعاً كاملاً يعيش العنوسة، وفي ذلك تعريض الشباب والفتيات للخطر والفتنة والفساد ولاستهداف الأعداء بحربهم الشيطانية، ولأجل ذلك فلنتق الله جميعا في أولادنا وبناتنا ، ولنبادر إلى تزويجهم بما تيسر ، فأعظم النكاح بركة أيسره مؤونة .
إذا كانت هيئة الزكاة -بعون الله- تمكنت من تزويج أكثر من عشرة آلاف عريس وعروس ظلوا محرومين طويلا من الزواج فإن الآلاف المؤلفة ما زالوا محرومين أيضا بسبب المبالغة في تكاليف الزواج والمغالاة في المهور، والآلاف المؤلفة من الناس اليوم لم يتمكنوا من الزواج بسبب غلاء المهور والإسراف في حفلات الزواج والمبالغة في تكاليفها، وهذه المشكلة في الحقيقة قد أضرت بالمجتمع وحصل بسببها من الظلم الكبير والكثير، وهي مخالفة لشريعة الله ومنهج نبيه صلوات الله عليه وآله وسلم الذي قال : “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، والفساد الذي يحصل بسبب المغالاة كبير لا يمكن حصره.
ليس من الحكمة ولا من الإيمان ولا من المصلحة لأحد المبالغة والمغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج ورفع التكاليف وطلب الأولياء من طالبي الزواج الأموال الباهظة التي تعجز الكثير من الناس عن الزواج، كما أنها تجعل الزوجة كأنها سلعة تباع وتشترى مما يخل بالمروءة وينافي الشيم ومكارم الأخلاق، وبما يترك المجتمع عرضة للاستهداف الشيطاني من الأعداء الذين ينشرون الفساد والخلاعة ليفسدوا المجتمع ويسقطوه في براثن التردي والانحطاط.
لا قدرة لدى أغلب اليمنيين ، ولا يُسْر لدى معظمهم فالمعاناة التي سببتها الحرب العدوانية والحصار شملت الجميع دون استثناء، ومع انخفاض الدخل بل وانعدامه لدى الكثير نجد ظواهر المبالغة في حفلات الزواج وتكاليفه والمبالغة في المهور تتصاعد فترة بعد أخرى، بل وأصبحت المباهاة بتلك المظاهر الدخيلة على مجتمعنا عادة مقبولة ، حتى أصبح لدينا ملايين العانسين والعوانس بسبب هذا الجهل العميق الذي إن لم نضع له حدا سينخر مجتمعنا ويقضي عليه.
هل نستوعب اليوم أن أعداءنا من اليهود والنصارى يريدون أن يكون هناك جيش ملاييني من النساء بلا رجال، ليعملوا على الإفساد من خلال حربهم الشيطانية، وإذا كنا نستوعب ذلك فإن ما طرحه قائد الثورة في كلمته التي ألقاها بالعرس الجماعي معالجة لذلك، والمطلوب هو العمل من الجهات المعنية لإطلاق المواثيق المكتوبة التي تلزم الجميع بالتيسير وإذا ما اتجهنا لذلك فسنشهد أعراسا وأفراحا لمئات الآلاف من الشباب وستعم هذه الأفراح كل ديارنا ومناطقنا ، وسنقدم نموذجا إيمانيا يتصدر العالم.
لا نحتاج اليوم لتزويج عشرة آلاف أو مائة ألف عريس وعروس مليارات تدفعها هيئة الزكاة، نحتاج فقط إلى وقفة جادة ومسؤولة وموقفاً إيمانياً صادقاً في تيسير الزواج، وإذا كان العدوان قد حرص منذ اليوم الأول على استهداف مظاهر الحياة بالقتل والتجويع واستهداف الأعراس والمناسبات وتحويلها إلى أحزان، فإن من يرفع تكاليف زواج ابنته ويبالغ في مطالبه يشاركه الجرم نفسه، فلماذا لا نصبح جميعا هيئة زكاة نزوّج الآلاف من خلال تيسير المهور وتخفيف نفقات وتكاليف الزواج..ولتكن أيامنا كلها أفراحاً وأعراساً ويحل السرور على الجميع.

قد يعجبك ايضا