بمجرد أن يبكي الطفل الرضيع تسارع الأم إلى إسكاته عبر إلقامه الثدي في رد فعل عفوي وتلقائي، هذا السلوك الطبيعي في وجهة نظر كثير من اخصائيي علم النفس الاجتماعي يولّد لدى الطفل شعورا مبكرا بالرضا والأمان.
سلام واستقرار هذا العالم من حولنا يبدأ من محطة صغيرة هي البيت ومنه ينطلق كل شيء إلى الخارج بغثّه وسمينه. ويؤكد استشاريو التربية الإيجابية أن التجارب والأحداث في كل بقاع الأرض أثبتت أن استقرار البيوت وتماسك الأسر وانتشار أجواء من الحب والتفاهم بين الوالدين أهم لبنة أساسية في تحقيق السلام للمجتمع والعالم.الأسرة/ زهور السعيدي
وتشير الإحصائيات والدراسات العلمية إلى أن انحراف الأطفال والتحاقهم في سن مبكرة بعالم الجريمة سببه الرئيس تفكك العائلات ويؤكد المختصون بأن تورط الأطفال والقصّر في الجرائم الجنائية ازداد في المجتمعات العربية خلال السنوات الماضية بصورة مخيفة وأصبحت تشكّل خطراً على تماسك واستقرار النظام الاجتماعي بشكل عام والسبب في ذلك خلل واضح في التنشئة الأسرية السليمة واضطراب العلاقات الأسرية .
ويجمع المختصون على أن ظاهرة ارتفاع جرائم الأطفال مرتبطة بالظروف والمآسي والأحوال الفردية والجماعية والخلل الذي أصاب التنشئة الاجتماعية وجعلت الصغار فرائس سهلة للجماعات المتطرفة وعصابات الإجرام.
في دار رعاية الأحداث هناك عشرات القتلة والمتهمين بارتكاب أعمال جنائية وهم من الأطفال دون سن الـ18ومعظم هؤلاء كما توضح وفاء العوامي وهي أخصائية نفسية ومستشارة أسرية كانوا ضحايا للإهمال الأسري والخلل الكبير في التنشئة الاجتماعية سواء بغياب الوعي السليم من قبل الأبوين في كيفية التربية السليمة أو بسبب سلوكيات وممارسات غير سوية تعرض لها الأطفال في إطار الأسرة ناهيك عن عوامل خارجية مثل انتشار النزاعات وتردي الأوضاع العامة في البلد نتيجة لذلك الواقع فقاد الصغار إلى الانحراف المبكر وإذا لم يتم إصلاح هذا الخلل بطرق تربوية صحيحة قد تتطور هذه الأمراض لتشمل بآثارها المجتمع بأسره.
تربية إيجابية
توضح آزال الثور وهي استشارية تحفيز ومدربة تربية إيجابية بأن هذا الخلل الاجتماعي على مستوى البيت الصغير والذي قد يصبح خطراً يهدد أمن واستقرار المجتمع برمته يبدأ بأخطاء صغيرة قد لا تبدو مهمة في نظر الكثير من الآباء والأمهات وتشير إلى أن ردود أفعالنا السلبية تجاه سلوكيات أطفالنا السلبية تزيد من حدة السلوك السلبي عند الأطفال مثل المشاجرة أو ردة الفعل السلبية أو الصراخ والعقاب.
وتضيف الثور في حديثها لـ”الأسرة” أن التربية الإيجابية تتطلب تحلّي أولياء الأمور بقدر كاف من الوعي في التعامل مع سلوكيات الأطفال إذ عليهم التركيز على ردود أفعالهم إزاء أي خطأ يقترفه الآبناء وعدم القيام بأي تصرف إلا بعد الهدوء وتوجيه أسئلة لأنفسهم قبل أطفالهم عن سبب تصرف الطفل وما الهدف من وراء سلوكه وماهي الرسالة التي أراد توجيهها وكيف يمكن تعليمه من هذا العمل الذي قام به وعند ذلك ستتحول ردود أفعالهم السلبية إلى أفعال واعية مدروسة وتشجيعية تؤدي بأولياء الأمور إلى فهم أطفالهم والتفكير بعقولهم ودخول عالمهم بكل تفاصيله وربما نكتشف أن ما ظهر لنا على أنه قلة تهذيب من هذا التصرف أو ذاك إنما كان احتياجاَ للحب وما فهمناه عناداً هو حاجة من الطفل للشعور بأنه مهم .
وتنصح مدربة التربية الإيجابية إيناس عبدالحليم جميع الأمهات بتقبل أبنائهن في كل الأحوال والتوقف عن مقارنته بالآخرين ومحاولة إخراج وتنمية مهاراته وإمكانياته بوسائل تربوية هادفة وإيصال الأفكار الإيجابية للصغار عن طريق القصص التعليمية وإغداق الحب والحنان على الأطفال ومشاركتهم كل همومهم ومتابعة احتياجاتهم وفق المراحل العمرية من خلال الاطلاع الدائم على طرق التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة لأن هذه التفاصيل الصغيرة هي ما تشكل وعيه وتحدد مستقبله ودوره في المجتمع سلبا أو إيجابا.
وسيلة الحوار
يعد الحوار مع الأطفال من أهّم المهارات التي تساعد الطفل على تنمية مهارة التفكير التعاطف وحل المشكلات، كما أنها كما يقول محمد عبد الله – أخصائي علم النفس التربوي – طريقة متميزة لتعليم الطفل دروس كثيرة عن الأخلاق والقيم وغيرها من المفاهيم التي لا يدركها الطفل إلا بالممارسة والنقاش أو الوقوع في الخطأ وتعلم الدروس من الخطأ.
وتكمن أهمية الحوار بحسب الباحث الاجتماعي عبدالله في أنه يعزز من ثقة الطفل بنفسه وأنه قادر على الحديث والنقاش بأمان و بالتالي يحسّن من جودة علاقة الطفل بوالديه ومحيطه الأسري مما يشجعه على الحديث دون حرج التعبير عن مشاعره وأفكاره وتطلعاته وبناء علاقة متينة مع أبويه لتكون أساساً في فترة المراهقة فإنّ تعلم طفلك الحوار مع والديه في صغره يجعله قادراً على التحدث معهم في مراهقة بأريحية ودون خوف. وبهذه التنشئة السليمة يكون المدخل الحقيقي لتحقيق السلام في المجتمع وعلى المستوى الوطني وحتى إلى العالم كله.