في الصباح كان البحر يرفل بالأمواج..السماء الملبدة بالغيوم تهمى على الشاطئ..الطيور المتراقصة على صفحة الماء انتهت للتو من تناول وجبتها الصباحية التي يقذفها البحر يوميا قبل شروق الشمس.. على بعد كل عشرين مترا توجد سمكة تتجمع عليها عددا من الطيور على مدى شاطئ ساحل أبين كما يسمى تكون هذه التشكيلة.. وفي الرمل المبلل بقطرات البحر الممزوجة بحبات المطر ترسم الطيور بأقدامها تشكيلات بديعة.. كل ما في الشاطئ من صبا ح يوم السبت قبل الماضي يريح النفس.. كانت تلك اللحظات هي الأخيرة في وادع البحر.. إنه الوداع الثالث بعد العام 2005م والعام 2010م في عدن المدينة النائمة على الأمواج لم يعد فيه ما يجذبك سوى البحر وبساطة الناس.. الطبيعة هناك تتجلى بأجمل الصور الربانية.
ما هو من صنع البشر لا تسأل عنه لقد ذهب إلى غير رجعة حتى اللحظة رغم أن المرأة الجميلة لا تحتاج للكثير من الزينة يكفيها القليل منها لكي تبدو أجمل من المعتاد. عدن أيضا لا تحتاج للكثير من الاهتمام لكي تبدو أجمل لكن ما يؤسف عن القليل من الاهتمام غائب بالكلية الجميل في عالم القبح هي الطبيعة كما أسلفت البحر وأمطار كانون وشباط والإنسان الذي مل السياسة وبدأ يمارس هوايته الصباحية المسائية على الشاطئ وهي كرة القدم.
من نافذة الفندق المطل على ساحل أبين أرى البحر يمد عنقه إلى اللا نهاية وفي المقابل أرى الأيادي العابثة التي صعدت بعد حرب صيف 1994م بعد أن استحوذت على الجزء الأكبر من الساحل وبنت مشاريعها الخاصة على حساب المنتزهات التي لم يعد لها أثر بالمعنى الممتع لرواد البحر مساء.
(ساحل أبين) كان حتى بداية العام 2009م المتنزه الوحيد الذي يستقطب الكثير من السياح المحليين في السماء كان يبدو مكتظا بالبشر حتى وقت متأخر من الليل والناس يرفضون مغادرة الجمال الناضح من أقاصي البحر.
وعلى بعد القليل من الأمتار تجد البوفيات ومطاعم الوجبات السريعة وتجد في العموم الباعة المتجولين.. بالفعل كان الأطفال يملأون المكان فئات عمرية مختلفة تهوي الجلوس على الكورنيش الذي لم يتبق منه اليوم سوى الاسم.
من النافذة أنظر ما شئت من البحر.. متجاوزا بنظراتك ما يسمى بالكورنيش لأنه اليوم لشيء مقرف جراء الإهمال اليومي له في حضرة البحر والمطر.
ومن النافذة ستأخذك الحسرة إلى الحد الذي توقفت معه حركة السباحة في المدينة.
على بعد حزن من المدينة وضعت مائدة ممتدة من الإحباط وعلى بعد نظرة من البحر ألقيت بهموم اللحظة جانبا.. محاولة نسيان ما تراه من عبث في غاية الصعوبة لكن لحظة المتعة تتطلب ذلك لا سيما إذا كانت برفقتك طفلتك الصغيرة التي ترى المستقبل من نافذة البحر وتتطلع إلى الغد من بوابة الأمل الذي يبرق في عين أباها.
ليكن الأمواج هو الطاقة التي تفتقدها إلا في القضاء على كل ما هو جميل في هذه المدينة التي تعاقب يوميا ونعاقب نحن بالضرورة عندما نراها مع كل زيارة تتراجع في السياحة والاقتصاد والحركة اليومية للمنشآت السياحية.
في كورنيش (ساحل أبين) بل في بقايا كورنيش مدينة لا تجد الناس بـ(1%) عما كان في السابق.. هجران أدى إلى تصحره.. حتى أشجار الزينة العشب الذي كان يزين المكان لم يعد له وجود استبدل هذا كله بإحراق المخلفات منذ الصباح الباكر.
لا مشكلة إن اختلط الموج والمطر مع دخان حرق المخلفات ولا مشكلة إن غادر القليل من رواد البحر في يوم الخميس الكورنيش باكرا فهذا ضروري في القاموس الأمني. فقدان هذا الأمر حضر معه خوف الناس على قلتهم يغادرون الكورنيش قبل حلول (الساعة العاشرة) مساء.. الجميع ينتابه الخوف وإن كان هذا الخوف مبالغا فيه حاليا.
على الأقل هذا ما لاحظته خلال ثلاث ليال قضيتها في فندق على ساحل أبين غير أن تصحر الكورنيش وإحلال الرمل مجددا على الكتلة الأسمنتية الممتدة آخر نقطة من العريش باتجاه خور مكسر حتى بداية مبنى جامعة عدن.
فيما المسافة الممتدة من مبنى الجامعة حتى عدن مول بداية مدينة كريتر كلها نصبت فيها أعمال إنشائية استثمارية تعاني اليوم كثيرا من الوضع العام الذي تعيشه المدينة اقتصاديا.
المدينة بشواطئها في التواهي وخور مكسر والمعلا وكريتر وعدن الصغرى والبريقة كلها تعيش الوضع ذاته لا مكان للمتعة إلا البحر.
البحر وحده يمثل الجمال في المدينة وما عداه القبح ينشره الإنسان في كل مكان وتباركه الجهات الرسمية وتزيد عليه حكما بالإعدام لكل متنفس كان يمثل رئة المدينة يرتع البشر في قيض الحر.