في شهر ربيع الأول الميمون من كل عام هجري قمري.. تلتئم قلوب أمة الملياري مسلم ومشاعرهم وأرواحهم، مع اختلاجات ومشاعر كل حر ومنصف وواع من أبناء هذا الكوكب البشري الممتد.. في لُحمة احتفائية استبشارية استلهامية كبرى مع المناسبة النورية الكونية العظمى.. المناسبة التي قُدر لليوم الثاني عشر الأغر من هذا الشهر المبارك والمؤتلق – في غُرر التقاويم والتواريخ والأزمنة – أن يحمل شرفها المنيف، وهي مناسبة مولد سيد الخلق وإمام الأنبياء والرسل وخاتمهم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..
وأضحت هذه المناسبة الفواحة العطرة، منذ انبلاج النور المحمدي البهي لوَّاحا بتمام رسالات السماء إلى الأرض قبل أكثر من 1444سنة..أضحت ميسمَ الضوء المشع في جبين التاريخ الإنساني برمته..
إنه مولد الروح الوثابة في سِماك الأعالي، ومخاض النور الذي تجددت في إرساله الوهاج أسمى القيم الراكزة في هذا الوجود الشاسع، وعرس الخلائق التي لا تنفك عن حتمية الارتباط المصيري بخالقها..
إنه العرس الأبهج الذي ترسخت تقاليده ونواطقه الدالة في صميم مَحْيا أمة الإسلام بشتى أقطارها وشعوبها ومجتمعاتها..
هذا هو شأن هذه المناسبة العظيمة المباركة، مناسبة المولد النبوي الشريف، في سائر البلدان المسلمة بما فيها بلادنا اليمن، التي تكتسي المناسبة فيها ولدى شعبها المشهود له بالإيمان والحكمة زخما مميزا وهالات مضاعفة تترجمها المناشط والفعاليات والمبادرات الاحتفائية على كل مستوى ومن كل فج مجتمعي ورسمي وعلمائي وثقافي ..
والأمر في مجمله، لا يقبل تلك النظرة المبتسرة والاختزالية القاصرة والغافلة في بعض واقعها، و”غير البريئة” في معظمه ! والتي تحشر المعنى الاحتفائي في زوايا وشرانق موضوعية بعيدة عن هذا المعنى ومجافية لحقائقه الناصعة..
فالعلاقة المصيرية الوثقى للأمة بنبيها الأكرم (ص) – وما يتصل بها من أبعاد وجودية واقعية – يتداخل في منظومتها الإيماني والثقافي والتربوي والجهادي.. بالحضاري والسياسي والفكري والاقتصادي.. هذه العلاقة القطبية والمركزية هي الجذر المتين الذي تنبثق منه كل أشكال وتجليات الموقف العاطفي العقلي النفسي الوجداني للمسلم، بل للإنسان الحر المنصف عموما..من هذا النبي العظيم ..
وأبسط نظرة موضوعية متحررة من التعصب المُعمى والانحياز الأناني، على هذا الصعيد، تُرينا كم إن الإنسانية التي تتلمس الخطى في واقع تتراكم فيه ظلمات الجور والطغيان ويتنمر فيه المستكبرون العنصريون على المستضعفين في أرجاء الأرض.. تجد في (محمد) الرمزية العظمى والمثلى لكل ما تتعطش إليه من قيم ومبادئ ومخارج من مآزقها المتفاقمة المؤلمة..!
وهذا واقع لا تنحصر شواهده على ساحتنا الإسلامية، بل تحضر دون مواربة حتى في مواقف «الآخر» المتخفف من أثقال «الأنا» العنصرية العدوانية المستكبرة المقيتة..! ويكفي أن نشير لدى منعطف الختام إلى واحد فحسب من تراجم هذا الموقف العاقل والمنصف .. وهو قول الشاعر الألماني الأشهر «غوته» : « إننا أهلَ أوروبا، بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد.. ولقد بحثتُ في التاريخ عن مثل أعلى للإنسان، فوجدتُه في النبي محمد»، (صلى الله عليه وآله وسلم ).