كان العرض العسكري للوحدات الأمنية مهيباً، وترك أثراً في نفوس الكثير من الذين ساندوا العدوان فوجدوا أنفسهم بلا كيان، وبلا دولة، وبلا كرامة، وبلا سيادة، وبلا هُــوِيَّة، وليس لديهم أي شيء من مقومات الدولة، مُجَـرّد ضياع وتيه وتشدق بالتحرير دون أن يكون هناك تحريرٌ فعلي من أدوات الاستعمار.
الكثير اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن وجود دولة في صنعاء وغيابها الكلي في المحافظات المحرّرة -حسب تعبيرهم طبعاً أما نحن فلا نرى المحافظات الجنوبية إلا محتلّة– انفلات أمني، ونهب ممتلكات، وضياع حقوق المواطنين، واغتيالات واسعة النطاق تنال رموزاً بعينها، لم يسلم حتى أعضاء مجلس القيادة الذي شكله العدوان، فقد غادر سلطان العرادة عدن؛ بسَببِ المضايقات الأمنية، وغادرها طارق عفاش لذات السبب، ولا يكاد يستقر في عدن من أحد سوى الموالين للإمارات فقط من الشركات الأمنية والعسكرية الذين يلتزمون بتنفيذ ما يراد منهم مقابل ثمن بخس دراهم معدودات.
رغم كُـلّ ما حدث من قصفٍ ومن عدوانٍ غاشم لم يسلم منه حجر ولا شجر ولا بشر في صنعاء وفي عموم اليمن إلا أن صنعاء ظلت عصية على الانكسار، وما يزال الأمن مستتباً، وَإذَا حدثت جريمة لا تمضي 24 ساعة إلا والفاعل في قبضة رجال الأمن، كما أن مستوى الخدمات التي تقدم للمواطن ما تزال بخير رغم شح الإمْكَانات والحصار، ورغم الاستهداف، ولذلك تجد الكثير من أبناء المحافظات المحتلّة يزورون صنعاء بحثاً عن الخدمات الصحية والتعليمية وبحثاً عن الاستقرار والاطمئنان والشعور بالحياة، وبالكرامة وبالعزة، وهو شعور مفقود في المحافظات الجنوبية المحتلّة، مهما تشدقوا وزايدوا وأرعدوا وأزبدوا زيفاً وتضليلاً وزوراً، فالحال يفصح عن نفسه، وقد تكتشفه من خلال حديثٍ عابر مع زائر لصنعاء من الجنوب أَو الشرق اليمني أَو عبر اتصال هاتفي مع صديق من سكان المناطق المحتلّة، وتكتشفه حتى من الذين يذهبون إلى المناطق المحتلّة من سكان صنعاء يقولون لك بحال الانفلات والضياع والتيه الذي وصلت إليه المناطق المحتلّة، فلا يكاد أحد يشعر بقليلٍ من السكينة والاستقرار هناك.
ولذلك كان صدى العرض العسكري للوحدات الأمنية ذا أثر واضح، تجلى في الحالة التفاعلية على شبكة التواصل الاجتماعي، فالكثير منهم قال: شئنا أم أبينا هناك في صنعاء دولة، وليس في عدن من دولة، تلك خلاصة ما وصل إليه التفاعل، وكاد أن يكون شعوراً عاماً عند الكثير من الذين ضاق بهم الحال فخرجوا عن صمتهم وقالوا ما يجب عليهم قوله، ونأمل أن يتبعوا أقوالهم مواقف مشرفة من الاحتلال، ومن أذيال الاحتلال، ومن الشركات العسكرية والأمنية التي وضعت نفسها موضع الأجير فتعيث في أرضها وفي بلادها فساداً ودماراً وقتلاً.
ما الذي يفعله المقاولون من الشركات العسكرية والأمنية في عدن وما جاورها من محافظات؟ يمهدون وينوبون المستعمر في حربه مع القوى التحرّرية الرافضة لثنائية الهيمنة والخضوع، فيضع المستعمر يده على مقدرات البلد وينهب ثرواتها، ويرمي للكلاب – التي تملأ الأصقاع والأسماع ضجيجاً ونباحاً – العظام الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
بعد كُـلّ هذا الشتات والانهيار الذي حدث في المنظومة الدولية التي تحكم العالم أصبح الواقع يكشف عن النوايا بصورة جلية وبدون مساحيق، ولذلك عادت شركة توتال إلى الإنتاج دون سابق إنذار لحاجة فرنسا اليوم إلى الطاقة، وسوف يتم استنزاف ثروات البلاد بمساعدة الشركات العسكرية التي تمتهن الحرب في أرضها لصالح المستعمر ومثل ذلك ظاهرة لم يعهدها البشر منذ بدء الخليقة إلى اليوم، وهي من سمات الحرب الحديثة التي يساهم فيها أبناء البلدان أنفسهم فينوبون المستعمر في مهماته العسكرية في احتلال الأوطان مقابل دراهم معدودات، ويمكنوّه من ثروات البلاد.
نحن اليوم في محك التجارب، فالحال الذي وصل اليمن إليه في المحافظات الجنوبية المحتلّة له مماثل تاريخي وقد يطول كما طال زمنه في الماضي، لكن خاصية الحرية أصيلة في الذات الوطنية ولذلك لا نظن أن يهنأ المستعمر بما أقدم عليه اليوم، إذ ثم متغير تاريخي في المسار سوف يقطع عليهم أمل الاستمرار، فالجيش اليمني في كُـلّ عروضه العسكرية التي أعلن عنها أرسل رسائله الواضحة والجلية للمستعمر، مفادها أن اليمن بلد ذو سيادة ومستقلة وحرة ولن يدخر الجيش جهداً في الحفاظ على خصائص الحرية والسيادة والاستقلال.