سياحة وتراث / عادل شلي
يروي صاحب كتاب (نشر العرف في أخبار نبلاء اليمن بعد الألف)، قصة النهاية المأساوية التي تعرض لها هذا السوق الشهير ومدينة الصلبة.
بدأت الرحلة في السادسة صباحا ولم نصل إلى هدفنا إلا في الساعة التاسعة، وعلى طول المسافة وانا أتخيل قوافل التجارة القادمة من ميناء اللحية وفيها من كل ما تهفو اليه الأنفس، والقوافل المحملة بالبن من وديان محافظة حجة ورائحة البن الزكية التي تعبق في الأرجاء وتتسلل من على ظهور الجمال، تكاد تغني عن صناعة قهوته وارتشافه، ولكنها تضاعف شوق الناس إليه.. أتخيل قوافل لا يستطيع الناس إحصاء عدد جمالها وأحمالها.
اتجهنا إلى الصلبة من مغربة بينين والتي تعتبر تصحيفا لمصطلح بانيان الذي أطلق على التجار الأجانب والهنود على وجه الخصوص.. وتصعد عبر طريق ترابي إلى بساط أخضر طرزت سندس جماله الخلاب سنابل وأعذاق الذرة والدخن والدجرة والكشري وأشجار القوع والتمار.
انتعشت أرواحنا لرؤية هذا البساط الأخضر وتنفسنا هواء نقيا وامتلأت أرواحنا برائحة الحقول.. صعدنا إلى منطقة أعلى من ذلك السفح الذي يصعد من الوادي باتجاه الشمال بامتداد واسع من الشرق للغرب، ثم إلى سطح خزان الماء الخاص بمنطقة صلبة عبر سلم حديدي وخاطرنا بالصعود رغم اهتزاز درجاته، لنحظى بمشاهدة منظر البساط الأخضر من أعلى نقطة.
ثم نزلنا متوجهين لالتقاط الصور وخلفنا السفح الأخضر المطرز بالأشجار الخضراء وأكواز الدخن والذرة كي نلتقط صورة على تلك الخلفية.. لم نتردد عن السير إلى المنطقة التي تقع تحت الخزان والأشواك التي تغطيها.
كانت الخطة أن نتناول طعام الفطور تحت شجرة التامور المعمرة بالصلبة، ثم جرى استبدالها بالتبة فوق بركة الحاج عبده دليل.
توجهنا بعد الإفطار إلى البركة التاريخية الفريدة التي يرجح الأهالي أنها تعود للقرون الأولى للهجرة وأظن أنها شُيدت بالتزامن مع فترة إنشاء السوق وهي القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر.
وقد شُيدت البركة على أرض مستوية بأسفل المنحدر الصخري القادم قلعة حميد وبيت الحاكم في الغرب والجنوب، وهي على شكل دائري وتبلغ استدارة قطرها حوالي 75 مترا تقريبا، وعمقها حوالي 15 مترا تقريبا حسب إفادة الأهالي، ولها حامية شمالية معرضة للخراب اذا لم يتم تداركها بشكل عاجل ولها حاميات من جهة الجنوب الغربي وذلك للتخفيف من حدة انحدار السيول وللحيلولة دون كبس البركة بالتراب تمت مضاعفة منشآتها إلى 3 .
وللبركة بابان من الشمال وهناك مبنيان ملاصقان لها من الشرق أحدهما لحارس البركة والآخر لضريح بانيها الحاج عبده دليل، وقد تكفل بالمراجعة لإصلاحها الاستاذ أحمد الضلعي قائد رحلتنا الذي يدعوه أغلب أبناء الصلبة بلقب الشيخ أحمد، والذي أفنى العقدين الأخيرين من عمره من أجل توفير المصالح لأبناء العزلة، فهو وراء مشروع المياه ورص الطريق، كما كان برفقتنا الشيخ مهيوب سراع – مدير عام مديرية الشغادرة، الشاب الخدوم والمحبوب لدى أغلب أبناء المديرية، والإعلامي المتألق عبدالسلام الاعور، والشاب المتميز راجح عادل.
خطتنا كانت أن نمر على سوق الصلبة ثم قلعة حميد وبعدها مركز المديرية، دخلنا إلى السوق من جوار مقبرة السالمية ووصلنا إلى الباب الشمالي والمسمى باب النوبة والاسم مشتق من المناوبة وشاهدنا أبراج الحراسة التي تقع بجواره ومخازن السلاح، وقال أحد رفاق الرحلة أين ذهبت هذه الأبراج والاحتياطات الأمنية، ومررنا من الخط الذي شق السوق إلى نصفين وكأنه لم يكتف الدهر بتدمير هذا السوق مرة واحدة وإنما قام مجاذيب جدد باسم التنمية وقاموا بشق الطريق من وسط السوق، وهو طريق مهمل ربما تأمل من شقه من وسط السوق بأنه ستسهم في إحيائه دون أن يدري انه ساهم في تحويل السوق إلى ضحية للسيول وما تبقى من آثار السوق إلى ضحية.. ظللنا نطوف في السوق حتى اقترب الظهر غير مبالين بالشمس والنباتات الشوكية التي نمت في كل مكان فيه.
ويعتبر السوق من أكبر الأسواق حيث يمتد من الشرق للغرب بمساحة تقدر بـ200 متر تقريبا ومن الشمال إلى الجنوب بحوالي 20 مترا تقريبا .
أقرب وصف للسوق
بدأنا من جهة الشمال حيث باب النوبة وتقع فيه نوب الحراسة وأبراج مرتفعة مبنية بأحجار صلبة كبيرة تم تلبيسها بمادة القضاض، ويوجد إلى الشرق من البوابة الشمالية المجلاب الخاص بالمواشي، ويتكون الجزء الشمالي المحيط بباب النوبة من النوب ومخازن الأسلحة والخطوط الدفاعية، ومن أهم ما يميزه أن من يدخل من البوابة يعبر إلى ساحة ثم يعبر منها عبر ممر ضيق لا يسمح إلا بمرور شخص واحد، وتعلوه نوبة ارتفاعها أكثر من 4 أدوار لمراقبة الساحة والمدخل والمخازن.
وهناك الباب الشرقي ويقع في الجهة الشرقية من السوق وهو الذي يفضي لداخل السوق مباشرة، وتوجد فيه شوارع السوق المختلفة، شارع الزبيب والقماش والحبوب والبن والقشر والحبال والقاز وووالخ، ويقع أعلى السوق في الجهة الجنوبية الباب الجنوبي ويقوم فيه مبنى الجمارك وملحقاته المكونة من الساحة الخاصة بالجمالة وتقع شمال الجمرك ومرابط الجمال التي تقع شرق الجمرك والخدمات مثل المقهى وسمسرة المبيت والطعام، وأعلى الجمرك باتجاه بيت الحاكم تقع البركة الخاصة بالسوق، ومن جهة الغرب يقع جامع السوق وهو مكون من جامع مخصص للرجال وجامع للنساء، كما يصف دليل رحلتنا الشيخ أحمد الضلعي ، وأمام الجامع بركة بديعة وفيها حمامات مفتوحة وحمامات مغطاة بسواتر..
فهل آن الأوان لبعث الحياة لسوق الصلبة التاريخي؟.. أم أن لعنة الساحر تطارده لقرون طويلة؟.