
” ان التزمت الهدوء فسوف اقرأ لكم من هذا الكتاب” تنتقل هذه العبارة بين طلاب الصف الثالث والرابع الأساسي فيضم كل واحد منهم يديه إلى صدره ويصغي منتظرا تنفيذ وعد المعلمة – تقول فوزية الشرجبي موجهة صفوف أساسية في منطقة الوحدة أمانة العاصمة ” لقد لمسنا أن طلابنا الصغار يمتلكون مطالب بسيطة أن تمنحهم كتاباٍ مختلفاٍ عن المقرر فيه حكايات أو موضوع شيق عن العلوم أو الحيوانات وهم يمنحونك الإصغاء والهدوء في الفصل ” .
في البداية لم تتحمس زمزم وهي معلمة رابع ابتدائي في مدرسة تقع ضمن المنطقة التعليمية (الوحدة) إلا أنها تغيرت وهي تشاهد الطلاب الصغار يتحلقون حول كرتون ممتلئ بالكتب القصصية محاولين نقله إلى فصلهم الدراسي بكل ما أوتوا من قوة .
دفعها التصرف الإيجابي للصغار إلى التخلي عن وجهة نظرها السابقة ” هناك ما يمكنه تحريك عقول وقلوب الطلاب غير ما نعرف” إنها الآن واحدة من أهم المتجاوبين مع مشروع القراءة للجميع والذي يسعى لجعل القراءة وسيلة للاستمتاع وليس إجبارا عبر توفير مكتبة داخل الفصل الدراسي الثالث والرابع في عدد من المدارس .
تقول منسقة المشروع في المنظمة اليمنية للقراءة حنان أحمد القدسي ” حتى نحن لم نكن نتوقع هذا التفاعل الإيجابي ولم نكن نعلم أننا سنواجه كل هذه الطلبات من المدارس التي تريد جعل تلاميذها أكثر حرصا على التعلم” .
داخل الفصل الرابع في مدرسة القدس يمكن رؤية اختلاف النظرة التي توجهها الطالبات نحو إحدى الزوايا – يعود السر إلى أن الصندوق الموجود في المكان ممتلئ بكتب ليست ضمن المقرر وإنما كتب حكايات وقصص للأطفال تزينها الصور الملونة والرسومات الجميلة – ” لا نستطيع إلا أن نخصص لهم حصة واحدة بالأسبوع , نظرا لازدحام وكثافة المقرر المدرسي ” تقول فوزية الشرجبي .
من بين عشرة تلاميذ في الثالث الابتدائي اختار تسعة منهم حصة قراءة القصص كأفضل حصة طوال الأسبوع وربما طوال العام والطالب الذي لم يوافقهم الرأي تراجع قبل أن أتركهم وعاد لمناداتي ليعلمني أنه معهم في أن هذه الحصة الأقرب إليه .
ترى منسقة المشروع الذى استهدف 15 من مدارس العاصمة و105 من مدارس تعز أن الهدف ليس حصة الأسبوع بل هناك هدف أكثر فائدة وهو نظام استعارة الكتاب فمن حق كل طالب أن يستعير الكتاب الذي يريد من المكتبة الموجودة داخل الصف الدراسي وبعد أن يقرأة يعيده وتتولى المعلمة مهمة معرفة الاستفادة التي خرج بها الطالب ”
تحتفظ حنان القدسي بمجموعة رسومات بسيطة لطلاب من الثالث والرابع الأساسي قاموا بعملها بعد أن قرأوا القصة ” يكمل الطفل القراءة وقد وضع في مخيلته شخصيات وأشكال معينة فيقوم برسمها ببساطة كما لو أنه يراها ” وتستمر بحديثها مبدية تفاؤلها بالأمر ” لأن الطالب يريد أن يفهم كل تفاصيل القصة يحاول بكل الوسائل ان يقرأ الكلمات بصورة جيدة وهو ما نسعى إليه أن يصبحوا قادرين على القراءة في المراحل المبكرة من أعمارهم والتي تبقى معاهم طوال حياتهم “.
تؤيدها فوزية الشرجبي بسرد تفاصيل قديمة منذ كانت تعمل معلمة في إحدى المدارس ” كنت كلما أريد الطلاب أن يسكتوا ويركزوا مع الدرس لا أجد إلا أن أعدهم بحكاية نهاية اليوم الدراسي ولأنه ليس لدينا مكتبة صف فيها قصص نضطر لتأليف حكاية تتوافق مع عمرهم وخيالهم , مكتبة الصف شيء أساسي لهذه المرحلة ” .
لبنة أولى
في إحدى المدارس القريبة من شارع الجزائر وسط العاصمة لا وجود لمكتبة الصف والكتب الموجودة في مكتبة المدرسة تتحدث عن تاريخ الطب وتاريخ التاريخ وغيرها من كتب لا تتفق مع أعمار الطلاب ولا مع ميولاتهم قال مرب في المدرسة أنه يتمنى وجود مثل هذه الكتب كي تساعده في مهمته العسيرة ” بصراحة لا أحفظ قصصاٍ تتناسب مع سنهم وكلما طلبوا مني أن أتحدث معهم أطلب من أحدهم إخراج مقرر دراسي ويقرأ منه وأعرف أنهم لا يتحمسون “.
تقول حنان القدسي أن المشروع يضع لبنة أولى في مبنى التعليم وكل مدرسة يجب عليها أن تستمر في هذا وأن تعتمد على ذاتها في توفير كتب تنمي خيال الطفل وتبعث لديه السؤال والنقد ونحن قمنا باختيار المدارس جميعها حكومية حسب تفاعلها وتعهداتها أن تحافظ على الكتب وتعلم الطلاب نظام استعارة الكتاب من طفولته وتعلمه كيف يحافظ على الأشياء الثمينة وهي الكتب وأنه كلما أعاد الكتاب حصل على كتاب آخر وهكذا يدور العام ويكون قد أكمل المكتبة الصغيرة في فصله وأصبح جاهزا للانتقال إلى مرحلة دراسية أخرى بروح عالية ” .
وبالنسبة للعدد الكبير لمدارس تعز فتقول حنان إن السبب يعود إلى التفاعل الكبير من قبل إدارة المدارس وتنافسها لطلب هذه الكتب المجانية وكثافة أعدادها والمستفيدين منها وكان من الصعب علينا تجاهل تلك الطلبات تحت أي مبرر وقد جاءت النتائج بصورة لا تصدق “.
تقول فوزية الشرجبي ” إنها أمنية تتحقق للصغار أن يتعلموا القراءة في ميدان يحبونه وهو ميدان الحكاية كل المعلمات التي أقوم بتقييم أدائهن أجد تحسنا وهن أيضا يجدن تحسنا في مستوى الطلاب رغم الكثافة العددية في جانب القراءة فكلما زاد استعارة الطالب للكتب زاد نهمه للقراءة التي يتقنها أثناء تسليته بالأحداث الشيقة للقصة , نتمنى فعلا أن تنظر التربية إلى هذا الجانب وتفعله “.
محتوى
بالنظر إلى مضمون هذه الكتب المطبوعة في أشهر دار نشر متخصص بكتب الأطفال عالميا “اسكول استيك ” فهي ذات مضمون قصصي في معظمها حتى أن المعلومات تقدم بصيغة قصصية كتبها محترفون أمثال كارولين اوبو جوي ما سوف وغيرهم من المختصين بالكتابة للطفل وهو الأدب الذي نفتقر إليه .
كما أنها كتب لا تتزاحم الكلمات فيها والمعلومات بل تعمل الكلمة إلى جانب الصورة والرسوم ذات الألوان الزاهية ودائما تظهر الأسئلة من وقت إلى آخر وتطرح الإجابات بصورة مرنة وكأنها تتدفق من نبع ماء مثلا : ما الذي كانت تنتظره الحيوانات في الغابة¿ يبقى السؤال شيقا والطفل يبحث له عن الإجابة متنقلا بين الحيوانات حتى يصل إلى أنها لم تكن تنتظر غير الماء .
تحمل الأسئلة كثيراٍ من الاحترام للطفل وتخاطبه باعتباره صاحب القرار في قراءة الكتاب ومعرفة النتائج وهو ما يجعله مؤمنا بأهمية احترام الشخص الآخر الذي تخاطبه وتحاوره .
وكتاب في مغامرة في القطب الشمالي ولن يتم ذلك إلا عبر الحافلة المدرسية العجيبة وتتم الرحلة بصورة ممتعة للطفل ولا ينتهي منها إلا ويعود إليها عبر قراءة الكتاب مجددا لا أتذكر أنني خلال طفولتي أردت العودة لقراءة الكتاب من جديد .
أهداف
هناك كتب ذات أهداف غاية في الأهمية فهي تسعى إلى الإيمان باختلافنا عن بعض وكيف أن هذا الاختلاف هو سر سعادة الحياة وجمالها ففي أحد هذه الكتب توضع 128 صورة شخصية لأناس مختلفين من أنحاء العالم ذوي بشرة بيضاء وقمحية وسوداء وغيرها وتحت هذه الصور حقيقة هناك ملايين الملايين من الناس ومع ذلك لا يوجد وجه يشبه وجهك تماما – ثم توضع صور لأشخاص لديهم أنوف رفيعة وآخرين أنوفهم مفلطحة وغيرها من الاختلافات في العيون والفم وغيرها – والرسالة واضحة أن نقبل الاختلاف مهما يكن في الشكل أو بالفكرة .
وتأتي المفاجأة للطفل حين يجد تكرار صورة طفل 128 مرة في ذات الصفحة وتحتها عبارتان فقط –سوف نرى الوجه نفسه مرارا وتكرارا , إلى ان نتمنى تغييره ألسنا بحاجة إلى الكتب التي تبسط اختلافاتنا ولا تجعلها مصدرا للموت بأيدي بعضنا عندما نختلف في مسائل عادية. الآن فقط بدأت أعرف السر الذي يجعل الشعوب الأخرى تتقبل اختلافاتها وتجعله مصدرا لتفوقها ذلك لأنهم يفهمونه أطفالا ويتعلمونه في صفوفهم الأساسية التي نجعلها نحن فصولاٍ لكتب تؤسس لحرب وليس لسلام.
