الهدنة.. ما لها وما عليها
يكتبها اليوم / علي الدرواني
الإنهاء التام للعدوان والرفع الكامل للحصار هو ما يطلبه الشعب اليمني ويقاتل في سبيل تحقيقه منذ بدء العدوان 26مارس 2015م، إلا أن الرياض وواشنطن، ومن معهما في تحالف العدوان، ظلوا يلحقون خلف الأوهام والسراب على أمل لم يتحقق بهزيمة الشعب اليمني، وإخضاعه، بعد أن مارسوا أبشع الجرائم والمجازر وانتهكوا القوانين والأعراف الدولية، وداسوا على مبادئ حقوق الإنسان، تحت صمت المجتمع الدولي وموت الضمير العالمي.
سبع سنوات مرت بكل ما خلفته من جراح ومآس وأزمة إنسانية هي الأشد في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، صنعتها أيادي الإجرام السعودية والأمريكية، مستخدمة افتك أنواع الأسلحة، واحدث التقنيات العسكرية والتكنولوجيا الحربية، صنع خلالها الشعب اليمني، في ظل قيادته الحكيمة والشجاعة، وبسالة مجاهدي الجيش واللجان الشعبية، وصمود المجتمع الصابر والمؤمن، وعدم استكانة الشعب أمام صلف العدوان، وصل خلالها إلى أن يدك بصواريخه الباليستية وطائراته المسيرة، عمق العدو ومواقعه الحساسة في الرياض وأبو ظبي، في عدد من عمليات توازن الردع، وعمليات إعصار اليمن، وما بينهما من عمليات عسكرية نوعية، كان آخرها عمليات كسر الحصار الثالثة، وما نتج عنها من حرائق كبرى في خزانات أرامكو جدة، استمرت اكثر من 24 ساعة قبل أن تتمكن السلطات السعودية من إخماد الحرائق.
كانت تلك العملية بتوقيتها ونوعيتها بالإضافة إلى الفشل السعودي وانسداد الآفاق أمامم عملياته العسكرية، وانعدام فرص الربح، وترجيح الخسارة في حربهم العدوانية، إلى جانب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتداعياتها على أسواق الطاقة، مثلت هذه العوامل مجتمعة، سببا كافيا لتراجع الرياض حساباتها، وتعيد واشنطن التفكير في دعم الحرب والذهاب نحو صيغة أخرى، اقل تكلفة من استمرار التصعيد بلا أفق، فكانت الهدنة التي اقترحتها الأمم المتحدة، هي المخرج الوحيد لتقليل الخسائر، وتجميد الهزيمة.
بالنسبة لصنعاء، تمثل الهدنة بشروطها المتفق عليها لحظة إعلانها، محطة لحقن الدماء اليمنية، بما فيها دماء المرتزقة التي تسيل خدمة لمشاريع الوصاية السعودية والهيمنة الأمريكية، وتساهم في تخفيف وطأة الحصار الذي وصل ذروته في الشهور التي سبقت الهدنة، لدرجة منعت سفن الوقود بشكل كامل من الوصول إلى ميناء الحديدة، وفاقمت معاناة اليمنيين، وهددت المستشفيات ومضخات المياه بالتوقف، بل توقفت كثير من المراكز الصحية والمستشفيات، وتأثرت حركة التنقل للمسافرين والبضائع، وتضاعفت أسعار الوقود، والسلع، وهددت الوضع الصحي والمعيشي بكارثة كبرى، حتى جاءت عملية كسر الحصار الثالثة، وفرضت شروط صنعاء، وأعادت تدفق الوقود، وفتحت المحطات من جديد، وتحسنت حركة المواطنين والمركبات ونقل البضائع، وتراجعت الأسعار بشكل ملموس.
قبلت صنعاء بالهدنة وشروطها لشهرين فقط، بينما كانت قوى العدوان تسعى لهدنة 6 اشهر، إلا أن القيادة من خلال معرفتها بتلكؤ العدوان، وعدم وفائهم بالتزاماتهم، وتعهدهاتهم، فرضت مدة شهرين، لاختبار الجدية، وتقييم مستويات التنفيذ، وبالفعل فقد جاءت النتيجة المتوقعة بعدم الوفاء، والنكوص من قبل العدوان، وجاءت الصورة واضحة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وقبلها للشعب اليمني.
لا تزال صنعاء ووفدها المفاوض، تسعى لتحسين شروط الهدنة، وتضغط من أجل توسيع فوائدها الإنسانية، وانتزاع حقوق الشعب اليمني من بين أنياب ذئاب العدوان الخبيث، وقد كان رئيس الحكومة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور واضحا، عندما أشار إلى أن الموافقة على الهدنة جاء ((في إطار الرفع التدريجي للحصار، وإذا لم تكن الهدنة مرتبطة بتحقيق مصالح مباشرة للمواطنين فلا حاجة لنا فيها)).
إذن التدريج في الهدنة هو المدخل الصحيح، ولذلك جاء الضغط من قبل الوفد الوطني بتوجيهات من القيادة، بعدم التمديد الثالث إلا بعد أخذ تعهدات من الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين والاقليميين، بتوسيع الرحلات الجوية، وعدم الاكتفاء بوجهة واحدة للأردن، وكذلك صرف مرتبات الموظفين، المنقطعة منذ ست سنوات، وحصلت الموافقة على أن تكون مدة التمديد الحالية، لمناقشة شفافة لتلك المواضيع، لتكون جزءا من شروط الهدنة القادمة، أن صدقت نوايا العدوان بالتحديد واشنطن والرياض.
لا يمكن الاستهانة بما تحقق خلال الهدنة، وإن كان طموح اليمنيين هو إنهاء العدوان ورفع الحصار وخروج قوات الغزو والاحتلال من البلاد، لكن مع الأخذ بمبدأ التدرج، يبدو الأمر منطقيا، وأكثر قبولا، لا سيما من قبل عدو لا يستسيغ ولا يتقبل مرارة الهزيمة، إلا بالتقسيط، ولو لم يكن في الهدنة إلا حقن الدماء اليمنية، وتخفيف الحصار، وفتح المطار.
ما حصل من ردود فعل وجدل مع التمديد الثالث للهدنة، بين الترحيب والرفض، وان كان الترحيب يعبر عن ثقة بالقيادة، ويتشارك معها وجهة النظر بالتدرج، وإلزام الحجة للخصم، والاستجابة للوساطة العمانية الصادقة، فإن الرفض يعتبر أمرا صحيا، بل على العدو أن يفهم مزاج الشعب اليمني، وانه لا يخشى الحرب، ومستعد لتقديم التضحيات، حتى إزالة غمته، وإعادة الأمن والاستقرار، مهما كانت الاثمان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن الشعب لا يزال يقف خلف قيادته عندما تتخذ خيار فض الهدنة اذا لم تحقق أهدافها، ولم تصل فوائدها المرجوة، أو أن تصبح عبئا اكثر منها نفعا، لا سيما في حال استمرار العدو بالتكلؤ في تنفيذ بنودها، وهي أدنى درجات الحقوق اليمنية الأصلية والمكتسبة.
يبقى هنا أن نشير إلى بعض ردود الفعل الرافضة للهدنة، والمتشنجة، والحانقة، جاءت للأسف موافقة لتوجه العدوان نحو خلخلة الجبهة الداخلية، سواء بقصد أو بغير قصد، وخصوصا تلك المشككة في قرار القيادة، والتي شغلها الشاغل هو توجيه السهام نحو الداخل، والملاحظ أن تلك الأصوات النشاز، وإن تدثرت بالوطنية، وأظهرت تمسكها بالحقوق اليمنية، والسيادة، إلا أنها تستخدم كلمة الحق بهدف الباطل، ولهذا كان الوعي الشعبي الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي والرافض لتلك المواقف والأصوات، صخرة تكسرت عليها قرون الفتنة، كما عودنا الشعب اليمني على الوعي والبصيرة، إلى جانب الصبر والروية، ودعم القيادة والثقة بها.
كرة التمديد الحالي أصبحت في ملعب المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لإلزام تحالف العدوان بالتدرج اللازم، للوصول إلى وقف العدوان وإنهاء الحرب والحصار، وتحقيق السلام الدائم، وبدون صرف مرتبات الموظفين، فإن حظوظ التمديد القادمة ستكون في أدنى مستوياتها، وعلى تحالف العدوان أن يتحمل العواقب، في حال النكوص أو التراجع، وما يوم خريص وجدة ببعيد.