الحرب البيولوجية.. آثارها وتداعياتها

إبراهيم محمد الهمداني

 

 

تعرف الحرب البيولوجية أنها الاستخدام المتعمد للجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية وسمومها، التي تؤدي إلى نشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، وتعرِّض حياة المجتمعات البشرية وما يحيط بها للأخطار والموت، ولهذا النوع من الحرب عدة أسماء، منها؛ الحرب البكتيرية، الحرب الجرثومية، الحرب الفيروسية، غير أن تسميتها بالحرب البيولوجية، أكثر دقة وشمولية.
عُرفت الحرب البيولوجية منذ القدم، وكثيراً ما استخدم المحاربون القدماء، اسلحتها في حروبهم العسكرية وكانت ضمن استراتيجياتهم الحربية، ومن أهم مظاهرها؛ تسميم مياة الشرب وغيرها من المشروبات والمأكولات، وكذلك قصف معسكرات ومدن الأعداء بجثث الجنود المصابين بتلك الأوبئة والحيوانات الحاملة للأوبئة كالفئران، وخاصة مرض الطاعون، وكانت هذه الأسلحة هي الوسيلة المثلى لهزيمة جيوش العدو، والنيل من صموده أمام الحصار، وجعله يعلن هزيمته واستسلامه، بأقل تكلفة.
وقد استمر استخدام الإنسان للأسلحة البيولوجية عبر التاريخ، وتزايد الاهتمام به والعمل على تطويرها، بالتزامن مع تطور العلوم وتعاقب الحضارات، ونظراً لما تتطلبه الحرب العسكرية التقليدية، وما ينتج عنها من كلفة باهظة مادياً وبشرياً، فقد ظلت الحرب البيولوجية وأسلحتها، حلماً وهاجساً ملازماً لأمراء الحروب وتجارها، وعشاق التسلط والنفوذ، على مستوى العالم، حيث كانت الأسلحة البيولوجية جزءاً لا يتجزأ من السياق الحضاري لكل أمة، وكل حضارة بشرية، نظراً لارتباطها بمجال التطور الطبي والصحي، الذي يُقاس بمدى قدرة أمة من الأمم أو شعب من الشعوب، على اكتشاف عقاقير أو وسائل وقاية، تمنع أو تحد من انتشار مرض معين أو وباء محدد، ولن يتسنى لها ذلك إلا إذا امتلكت وسائل البحث العلمي اللازمة لمعرفة ماهية المرض أو الوباء، وكيفية حدوثه وآليات اشتغاله في جسم الإنسان، وبالتالي يتمكن المختصون من صناعة الأدوية والعقاقير الخاصة، بإبطال مفعول ذلك المرض، وشل قدرته ومضاعفاته، وإيقاف آليات اشتغاله في الجسم، وتحفيز المضادات الداخلية والخارجية لذلك.
وبمعرفة خصائص الداء، استطاع الإنسان الوصول الى الدواء، وإذا كانت مهمة الأطباء قد انتهت عند هذا الحد، كما يقضي بذلك الدين وأخلاق المهنة وقسم أبقراط، فإن أمراء الحروب قد سعوا جاهدين لاستغلال ذلك المنجز العلمي المعرفي الطبي، لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم التسلطية، عبر أطباء مرتزقة تم شراء ذممهم، بالإصافة إلى عسكريين مختصين، تم تجنيدهم وتعليمهم وإعدادهم، ضمن مراكز أبحاث وفرق بحثية متخصصة في مجال تطوير الأسلحة البيولوجية، ورغم حالة الرفض الجمعي الكلي المطلق، بين أبناء المجتمع الإنساني، واستهجان الفطرة الإنسانية السوية، لمنطق الحروب عامة، والحرب البيولوجية وأسلحتها المدمرة الفتاكة خاصة، نظرا لما تحمله طبيعة استخدامها، من دلالات التوحش ومعاني الإجرام والسقوط القيمي والإنساني والأخلاقي، وما ينتج عنها من تداعيات ومخاطر بحق الحياة الإنسانية عامة، إلا أن هناك حالة من السباق المحموم في مجال امتلاك وتطوير الأسلحة البيولوجية، بين مختلف الأنظمة والحكومات في العالم، حتى مع وجود الأسلحة الذرية والنووية، إلا أن حضور هاجس التسلح البيولوجي مازال طاغيا ومهيمنا على سياسات ومشاريع معظم الحكومات، وخاصة القوى الاستعمارية الكبرى، مثل أمريكا وبريطانيا وأخواتهما.
حيث تنقل كتب التاريخ عن استخدام امريكا وبريطانيا الأمراض والأوبئة، أسلحة بيولوجية، في جنوب شرق آسيا، ضد من أسمتهم قوات العصابات، وقامت بتدمير المحاصيل والغابات، إضافة إلى نشر الأوبئة الفتاكة.
تصنف الأسلحة البيولوجية إلى خمس مجموعات، هي على النحو التالي:-
١- الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات وغيرها
٢- السموم الجرثومية الحيوانية والنباتية
٣- ناقلات العدوى مثل الحشرات المفصلية
٤- الحشرات والنباتات المؤذية
٥- المركبات الكيماوية المضادة للمزروعات (وتندرج هذه ضمن الحرب الكيماوية أيضا).
ومن أهم طرق نشر وانتقال الفيروسات، نشرها عبر الهواء، حيث تعتبر أكثر الطرق فاعلية، ويمكن تنفيذها باستخدام الطائرات والسفن والقنابل والصواريخ، بعد حشوها بالفيروسات وحاملات الأوبئة، ثم قصف الأماكن المستهدفة بها مباسرة .
ونظرا لما يترتب على استخدام تلك الأسلحة البيولوجية من مخاطر وتداعيات كارثية على الحياة الإنسانية، وتنذر بالقضاء على كل مظهر من مظاهر الحياة على الأرض، وتهدد بانقراض النوع الإنساني ذاته، وبذلك يصبح الإنسان مجرد رقم في فاتورة الدمار الباهظة.
لذلك وقعت الدول الكبرى اتفاقية جنيف عام 1952م، التي تمنع وتحرِّم وتجرِّم استخدام الأسلحة البيولوجية في الحروب، أو اللجوء إلى استخدامها تحت أي ذريعة أو مبرر، أو تطويرها لأغراض عسكرية حربية، وقد أقرت هذه الاتفاقية ووقعت عليها 29 دولة، وامتنعت أمريكا عن التوقيع، بينما لم تنضم إسرائيل إلى مجموعة اتفاقية جنيف.

قد يعجبك ايضا