كشف الحجاب عن تطبيع الحكام وتطويع الشعوب

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي


من يتأمل سلوكيات أغلب أنظمة الخليج وفي المقدمة المملكة السعودية وبعض الأنظمة العربية الأخرى ومنها الأردن والمغرب يلاحظ أن المملكة السعودية والإمارات تربطهما بالكيان الصهيوني علاقة تبعية مطلقة منذ نشأتهما بإشراف بريطاني وجميعها كيانات لا يتجاوز عمر أقدمها عمرا ثمانين عاماً, والفرق واضح بين علاقة تبعية المتبوع للتابع وبين علاقة الشراكة بين طرفين أو أطراف تمتلك قرارها وسيادتها ولها نفس القدر والمستوى من الحرية في الاختيار واتخاذ القرار, ولذلك فإن استخدام كلمة التطبيع على ما يجري من تسريع في الكشف عن حقيقة الاندماج والتبعية بين السعودية والإمارات وغيرهما ممن تربطه بالكيان الصهيوني نفس الرابطة استخدام يوحي بوجود علاقة متوترة أو صراع ومقاومة للتطبيع في مرحلة سابقة يجري تحويلها اليوم إلى علاقة طبيعية وهذه أكذوبة نتج وينتج عنها وقوع الإعلام العربي في مطب إطلاق مصطلح التطبيع على ما تقوم به هذه الأنظمة ، ومن المؤسف أن هناك الكثير من الوقائع تؤكد أن الشعوب لا تختلف كثيراً عن الأنظمة الحاكمة على الأقل في الحاضر؛ وعلى سبيل المثال فإن توظيف النظام السعودي لفريضة الحج أحد أركان الإسلام في خدمة السياسة الصهيونية وصل إلى حد تحويل هذه الفريضة إلى أداة ضمن أدوات الكشف عن العلاقة الطبيعية التي تربط الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بهذه الأنظمة وتطويع الوعي الشعبي العربي باستخدام الخطاب الديني باتجاه ترسيخ علاقة حميمية بينهما !! ومن مظاهر ذلك تعيين خطيب خاص بخطبة عيد الأضحى محمد العيسى لهذا العام 1443ه بأمر ملكي وهذا التوظيف ليس بالأمر الجديد سواء في آلية عمل النظام السعودي المعلنة أو غير المعلنة، فقد تم إفراغ الحج كمؤتمر للمسلمين من محتواه منذ زمن فالمنافع المذكورة في القرآن الكريم (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) يترجم فيها ضمير الغائب (لهم) على أرض الواقع إلى منافع للدول والشركات الغربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني المسير للسياسة السعودية والخليجية منذ وجد ووجدت معه هذه الأنظمة.
ومن يستمع لخطبة الخطيب المعين الذي وصفته وسائل الإعلام السعودية بالعالم الوسطي يدرك أن المقصود بالوسطية أن يكون أداة لكشف الحجاب عن هذه العلاقة الحميمية بين الكيان الصهيوني والسعودي , ويأتي تعيين العيسى بعد لقائه بعدد من الشخصيات اليهودية الصهيونية اليمينية المتطرفة في أوروبا وزيارته معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية حسب ترويج الإعلام الصهيوني وإحياء ذكرى محرقة (الهولوكوست) وهي دعوى يكذبها كثير من المؤرخين والعديد من التقارير والكتابات التاريخية العلمية والجادة لعلماء وفلاسفة مثل العالم والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي 1913- 2012 وكبيرة صحفيي البيت الأبيض هيلين توماس 1920- 2013 ، ومن المفارقات أن يصوت المؤتمر العام لمنظمة الكنائس المشيخية الأمريكية في الجمعة 8/ 7/ 2022 أي قبل عيد الأضحى بيوم واحد فقط لصالح اعتبار دولة الاحتلال الصهيوني ( إسرائيل ) دولة فصل عنصري بغالبية 70% بواقع (266) عضو مؤتمر مع ومعارضة 30% بواقع (116) صوتا ضد.
وهذا يوضح أن التوظيف السياسي الانتقائي للدين ومحاربة كل دعوة لقيام الدول على أسس علمية من خلال مثل هؤلاء الخطباء الساعين لتبييض تأريخ الصهيونية بكل صلافة وصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية الممنهجة التي يمارسها بحق هذا الشعب.
الوسطية والاعتدال والتسامح بنظر هذا العالم الوسطي شرعنة مد مملكة الخير يدها للقتلة علناً ودون مواربة، وتجنيد ذبابها الإلكتروني ضد المقاومة الفلسطينية والإسلامية عموماً.
وهذا يؤكد أن أي توظيف للأديان والمذاهب للسياسة عمل خطير أيا كان من يقوم به لأن هدفه سلب إرادة الشعوب وتدجينها وجعلها تسبح بحمد الحكام والملوك بدلا عن التسبيح بحمد الله ومحاولة جعل الحكم وراثة عائلية وحرمان الشعوب من حقها في اختيار الحكام وتحويل الدين إلى رافعة ووسيلة للاستعباد المقيت سواء باسم السنة أو الشيعة أو تحت أي مسمى.
كالصعود يكون الهبوط
وإن خالجتك الظنون
والأماني تحرك أوهامهم يا صديقي
فهيئ طريق الإياب
من رحلة في الفضاء الكسيح

قد يعجبك ايضا