عبادة الأصنام لا تصنع دولة قابلة للبقاء
يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي
الهدف الأساس لأي ثورة أو حركة هو التغيير إلى الأفضل والأكثر قبولاً وأثراً إيجابياً في حياة الشعب مصدر الشرعية لأي نظام سياسي وسر بقائه ، ولا شرعية لأي نظام سياسي تصنع في الخارج بعيداً عن إرادة الشعب ، أو تعتمد على العشوائية والولاء الشخصي ، وأكثر الحكام فشلا من يجهلون أو يتجاهلون أهمية بناء المؤسسات ويعمدون لشخصنة الدولة وتحويلها إلى ميراث عائلي ، وهذا ليس عملا غير مقبول فحسب ولكنه جريمة انحراف بالسلطة وإساءة في استعمالها وجريمة فساد كبرى وخيانة أمانة إلى غير ذلك من الجرائم التي اعتاد الحكام على ارتكابها بوعي أو بجهل والثورة عليهم مشروعة ومن يتأمل تأريخ اليمن السياسي والإداري يجد أن بناء دولة المؤسسات ما تزال عند نقطة البدايات والأحلام ما يجعل اليمن مثالا صارخا للدولة المعاقة ، وتبدأ الثورات وحركات التصحيح بالدعوة لبناء دولة المؤسسات ، ومن ذلك حركة 13 يونيو1974 التي نعيش اليوم ذكراها الـ48، ومن الواضح أن قائدها الشهيد إبراهيم الحمدي كان يحمل مشروعاً وطنياً ويدرك أن حكم الفرد يشكل خطراً على هذا المشروع وعليه وأن من الضروري سرعة التحرك للبدء في بناء دولة المؤسسات ولأن قوى العدوان وفي المقدمة السعودية ومن يوجهها يدركون أن دولة وثورة الفرد يهدمها وينهيها فرد آخر بسهولة ودولة المؤسسات يصعب هدمها فقد كانوا أسرع في تحركهم ضد أي توجه لتحقيق وحدة حقيقية تقوم على المؤسسات و التخلص من الشهيد إبراهيم الحمدي والشهيد سالم ربيع علي، اللذان بنيا علاقتهما على الصدق والنقاء وليس على الغدر والخيانة لهذا سارع حلف الإجرام إلى ارتكاب أوقح وأبشع جريمة اغتيال رئيس دولة في التاريخ أشرف على تنفيذها الملحق العسكري السعودي صالح الهديان في ظل انكشاف أمني يمني فاضح وبمشاركة المخابرات الفرنسية بالفعل أو بالسكوت على جريمة إحضار فتاتين فرنسيتين استُخدمتا لإضفاء الصبغة اللاأخلاقية على الجريمة بهدف تشويه سمعة أفضل رئيس عرفته اليمن المحكوم عليها بالبقاء في أسر القبيلة البريئة مما فعلوا ويفعلون ، معتمدين على قاعدة (السياسة مصالح) وهي قاعدة يتم من خلالها تبرير كل وسائل الإجرام ، وقد تضمن التقرير الذي نشره التوجيه المعنوي للقوات المسلحة العام قبل الماضي مادة عملية الاغتيال الأساسية وما زالت الحاجة ماسة وضرورية لإجراء تحقيق قضائي على ضوئه قبل أن ينتهي من تبقى من المشاركين في الجريمة والشهود وهذه مسؤولية قانونية ووطنية وإنسانية وهو ما أؤكده باستمرار.
وتؤكد كثير من الروايات أن قرار الاغتيال اتخذ وبشكل حازم وجازم لقطع الطريق على لقاء مرتقب بين الرئيسين الحمدي وسالمين في اليوم التالي ليوم الاغتيال في عدن كان المتوقع أن تتخذ فيه قرارات هامة بشأن الوحدة، ولهذا حددت سيناريوهات ثلاثة للاغتيال:
1 – في المنزل الذي أقيمت فيه مأدُبة الغداء على شرف عبد العزيز عبد الغني وفي إحدى منازل أحمد الغشمي بالخط الدائري بصنعاء.
2 – مداهمة منزله بالليل والقضاء عليه.
3 – إسقاط الطائرة التي ستقله إلى عدن.
ولأن حراسة الحمدي الشخصية كانت بسيطة فقد نجح السيناريو الأول حسب ما رواه أخوه الأستاذ/ محمد محمد صالح الحمدي.
تجمع الحمدي وسالمين صفات عديدة منها البساطة والحرص على تحقيق الوحدة وأن يبتعد المشروع الوطني عن المزايدة باسم الدين واستغلال النزعات القبلية لمصالح شخصية، ولهذا كانت غالبية خطاباتهما مسكونة بهمِّ البحث عن بناء دولة المؤسسات ، فرغم ما قيل عن وجود نزعات فردية لديهما إلا أن من الواضح حرصهما على توظيف ما يتمتعان به من شعبية في خدمة المشروع الوطني وحماية اليمن الموحد المنشود والقضاء على مراكز القوى ومنع عودتها للسيطرة والتحكم في مصير اليمن.
وكان الشهيد الحمدي يعد لعقد مؤتمر شعبي في الحديدة يجري على قدم وساق، ومدلول ذلك أن تكون الخطوات الشعبية نحو تحقيق الوحدة مواكبة للخطوات الرسمية ما يجعلها مُحصنة ضد أي اختراق من الداخل أو الخارج.
في 11/أكتوبر/1977 تم اغتيال الشهيد الحمدي وفي 26/يونيو/1978 أي بعد حوالي سبعة أشهر فقط تم اغتيال سالمين ، وفي هذا التحرك السريع إشارة واضحة إلى أن المضي نحو الوحدة اليمنية المؤسسية ممنوع ما لم توجد إرادة شعبية قوية تفرضها كواقع غير قابل للمساومة أو للتراجع أو المناورات أو الزعامات الرعناء ، فوحدة الزعماء يمكن أن تمر بل وأن يستفيد منها المتاجرون بالدماء واللصوص ومتقاسمو السلطة المتوحشة التي تنفصل فيها أقوال الزعماء وخطاباتهم ومواعظهم عن العمل في الميدان ، وتلمّس هموم الناس وآلامهم بالأفعال لا بالأقوال .
يمكن للفرد أن يكون وسيلة ورافعة لمؤسسة حقيقية لكن ليس الفرد الديكتاتور المشغول بهموم الزعامة والاستعلاء على خلق الله انطلاقاً من أي دعوى وطبقاً لأي نظرية، الفرد المخلص يعمل وفق رؤية واضحة ولفترة زمنية قصيرة يعِد فيها العدة لحكم مؤسسي كي لا تتمكن النزعة الفردية من نفسه فتحوله إلى ديكتاتور ، وإنجازات إبراهيم الحمدي خلال مدة لم تكمل الثلاث سنوات أثبتت مستوى حبه لليمن وشعبه ولهذا سارعت السعودية وموجهوها وعملاؤها في اغتياله فالزعيم الفرد الذي يتحالف مع الفاسدين ويشاركهم الحكم هو المطلوب لقيام حكمه على استباحة خيرات البلد الذي يحكمه وهذه هي البيئة الصالحة لاستمرار التدخل في شئون اليمن واختراق سيادتها والتلاعب بسياستها والمتدخل تسيره قوى ومصالح دولية أخرى ، فهل آن الأوان كي يدرك اليمنيون أهمية بناء دولة المؤسسات في تغيير مجرى حياتهم واستعادة سيادة دولتهم واستقلالها ؟!.
(وعبيد الأحجار أشرفُ ممن *** يجعلُ السيفَ ربهَ ونبيه )
(محمد محمود الزبيري)