" الحلقة الأولى "

رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني يحيى منصور أبو أصبع اتفقت مع الغشمي أن نسيطر على الشمال والجنوب ونبني دولة القبائل !

المصالحة بين الجمهوريين والملكيين عام 1970م كانت بوابة التغلغل السعودي في اليمن

»الجبهة الإسلامية « أضطلعت بمواجهة »الجبهة الوطنية« بتمويل وتدريب سعودي

إغتيال الرئيس الحمدي خطط لها في الرياض كمال أدهم وأشرف على تنفيذها في صنعاء صالح الهديان

الهديان أعطى صالح الإشارة لأطلاق النار على الرئيس الحمدي

بعض القوى التقليدية المشيخية والقبلية كانوا بمثابة »المخلب السعودي «

السعوديون كانوا يخشون صعود البدر ويسمونه «الأمير الأحمر»

الغشمي لـ أبوأصبع : الحمدي أكثر عمالة مني للسعودية !!

في مثل هذا اليوم من العام 1974م، تسلم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي مقاليد السلطة في ” الجمهورية العربية اليمنية ” وباتت ذكرى الـ 13 من يونيو ذكرى وطنية بالنسبة لليمنيين، ولا تزال كذلك حتى الآن، وإحياؤها نوع من الوفاء والتخليد لزعيم وطني نذر حياته من أجل خدمة اليمن واليمنيين وإخراج اليمن من عباءة الوصاية السعودية .
وبهذه المناسبة، تنشر ” الثورة ” حواراً شاملاً وهاماً مع رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني الأخ يحيى منصور أبوأصبع، أجراه رئيس التحرير عبدالرحمن الأهنومي، وبثته قناة المسيرة، في برنامجها ” ساعة للتاريخ ” تطرق فيه إلى العديد من المحطات السياسية التاريخية التي مرت بها اليمن خلال عقود ، وسلط الضوء على الكثير من الموضوعات والقضايا المنسية والمغيبة عن ذاكرة الأجيال، بما فيها تفاصيل التدخلات السعودية في اليمن وتحكمها بالقرار اليمني قبل ثورة 26 سبتمبر وما بعدها، مرورا بمؤامرة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، والدور الذي اضطلع به الإخوان في اليمن، وصولا إلى فترة رئاسة علي عبدالله صالح . ويكتسب الحوار أهميته من كون السياسي يحيى أبوأصبع كان قريبا من تلك الأحداث ومشاركا في بعضها ..
ونظرا لأهمية الحوار ومساهمة منها في تعميم الفائدة ونشر الحقيقة، تنشر ” الثورة ” ما جاء في الحوار:
حاوره/ رئيس التحرير

* رئيس التحرير: مرحبا بك أستاذ يحيى، لنبدأ من التدخل السعودي في اليمن .. متى بدأ هذا التدخل، وكيف استطاعت السعودية التدخل في القرار السياسي والعسكري والأمني ؟
– أبو أصبع: أولا شكرا كثيرا وأنا سعيد جدا على إتاحة هذه الفرصة، والحديث عن التدخل السعودي يقودنا إلى البدايات الأولى والتي كانت عبر احتلال الأرض اليمنية “المخلاف السليماني” نجران وجيزان وعسير، يعني بمساحة كلية تزيد عن 120 الف كيلو متر مربع، في حرب 1934م، كان التدخل الفج لاحتلال الأرض اليمنية بالقوة العسكرية . التدخل الثاني كان أيضا في حركة 1948م، في حركة الثورة التي أودت بحياة الإمام الشهيد يحيى وعبدالله الوزير.. وبالرغم من العلاقة بين عبدالله الوزير ـ الإمام الجديد ـ والملك عبدالعزيز، كانت علاقتهما قوية جدًّا أكثر من علاقة عبدالعزيز بالإمام يحيى، إلّا أن الملك عبدالعزيز وقف ضد هذه الحركة لأنها تكلمت عن ” الدستور”، هذه قضية بالنسبة للنظام السعودي الذي فسر عملية قتل الإمام يحيى بأنها مجرد ذريعة لتغطية السبب الأساسي، وهو ” الثورة الدستورية “، والسعودية آنذاك، بل وحتى الآن لا يوجد عندهم دستور وضد الدستور، وما زالت تحكم بالطريقة الأسرية والعائلية .

* رئيس التحرير: وكيف كان الموقف السعودي من حركة الثلايا عام 1955م؟.
– أبوأصبع: في حركة 55 م، التي قادها الثلايا بالتنسيق مع سيف الإسلام عبدالله شقيق الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، تدخلت السعودية مع الإمام أحمد، لأن أخاه السيف عبدالله كان يعيش في الخارج، وكان لديه تطلعات لتطوير اليمن، والسعودية لا تريد أي تطور أو تغيير للأوضاع التقليدية في اليمن.. وحين قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، تدخلت السعودية منذ اليوم الأول وخاصة بعد مجيئ المصريين، دخلت ضد الثورة اليمنية . وأذكر عبارة كان يتناقلها الكثير من الناس، وهي أن الأمير فيصل بن عبدالعزيز أقسم أنه ” سيوفي بالعقال للقضاء على الثورة اليمنية ” كانت المملكة لا تريد نظاما جمهوريا لليمن .
هذه التدخلات السعودية لم تكن وحيدة أو معزولة، فقد كان لها أطماعها الأساسية وتتشكل في قضيتين أساسيتين :
السيطرة على الأرض واحتلال الأرض اليمنية، والهيمنة والوصاية على أي نظام موجود في صنعاء .
ولهذا وقفت بقوة ضد الإمام البدر الذي خلف أباه عام 1962م ، وهم من أطلقوا عليه ” الأمير الأحمق ” لأنه عنده توجهات لتطوير السياسة الخارجية وإحداث تنمية في اليمن، إذ عقد اتفاقيات مع الصين لبناء طريق الحديدة صنعاء وكذلك مع روسيا لبناء ميناء الحديدة وطريق صنعاء الحديدة . ويبدو أن وصفهم له بـ ” الأمير الأحمق ” كانت على خلفية مساعيه لتوطيد علاقته بعبدالناصر، وهم لا يريدون تقدما ولا تطورا لليمن، يريدون أن يبقى اليمن حديقة خلفية لهم .

التدخلات السعودية في العهد الجمهوري
* رئيس التحرير: تحدثتم عن الدور السلبي للنظام السعودي في العهد الملكي أو عهد الإمامة، ننتقل الآن إلى التدخلات السعودية في العهد الجمهوري، ماهي أبرز ملامح ذلك التدخل ؟!
– أبوأصبع: في بداية 26 سبتمبر برزت كثير من الأحداث التي كانت السعودية طرفا فيها، بدأ بالصراع الذي حصل بين الجمهوريين، واستطاعت من خلاله السعودية أن تنفذ إلى داخل الصف الجمهوري، وتجيير الجمهورية لصالحها .

* رئيس التحرير: إذا ما تحدثنا عن نقطة اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي، هل كان البوابة الواسعة التي دخلت منها السعودية إلى اليمن واستطاعت أن تسيطر عليها ؟
– أبوأصبع: البوابة السعودية تبدأ من اتفاقية المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين التي تمت عام 1970م ، كانت بالنسبة للسعودية بمثابة بوابة لها، تلاها اتفاقية اعتراف السعودية بالجمهورية في اليمن سنة 1972م، خلال عهد الرئيس عبدالرحمن الإرياني، مكنت الاتفاقية السعودية من ” الإشراف “على نظام الحكم في صنعاء، وذلك من خلال القوة التقليدية المشيخية والقبلية . وهذا ما جاء في اعتراف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته، مثلوا هم المخلب السعودي، القوى التنفيذية الأساسية لتنفيذ مخططات وسياسات السعودية.
ولهذا طوال حكم الرئيس عبدالرحمن الارياني، لم تستقر الأوضاع أبدا، نتيجة للتدخل السعودي ونتيجة لهيمنة المشايخ والقبائل على القرار السياسي .

* رئيس التحرير: ذكرت في مذكراتك أن في مرحلة من المراحل أصبحت وزارة الدفاع مقرا لصالح الهديان ” الملحق العسكري السعودي”.. نود أن توضحوا لنا أكثر تفاصيل هذه المرحلة ؟
– أبو أصبع : مجيء إبراهيم الحمدي، وقيام حركة 13 يونيو عام 1974م، التي قادها إبراهيم الحمدي لم يكن أمرا سهلا، كان الحمدي نائب رئيس الوزراء و نائب القائد العام، وكان لديه خلفية وفهم للواقع اليمني والتدخل الأجنبي وخاصة السعودي، ولهذا كان تكتيكه للوصول إلى السلطة بالتعاون مع جهتين : مع المشايخ، بالذات الشيخ عبدالله الأحمر، على أساس أنهم يمثلون هذا الامتداد السعودي، ومع حزب البعث ومع الشيخ سنان أبو لحوم الذي كان إخوانه يسيطرون على القوات المسلحة، يعني نسبة 60 من القوات المسلحة كانت بيد ” أبو لحوم ” . وبذلك، عمل الحمدي على إرضاء الجميع، ووافقوا كلهم على صعود إبراهيم الحمدي، لكن الحمدي، وبعد مرور نحو خمسة أشهر، بدأ يتخلص من مراكز القوى المرتبطة بالسعودية بالدرجة الأولى، مراكز القوى التي خلقتها السعودية، ثم عمل من خلال تعليق الدستور وتجميد مجلس الشورى على تعطيل الشيخ عبدالله عن الحركة . فيما كانت السعودية تطلب منه أن يسحق الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى وأن يعتقل القوى الوطنية داخل صنعاء، حاول هو أن يعمل له بعض الشيء في هذا الجانب، وأرسل حملة وحملات عسكرية إلى المناطق الوسطى وإلى غيرها، لكن السعودية لم تقتنع بهذا .
كان إبراهيم الحمدي يرى أنه لا فائدة من العلاقة والاستماع للسعودية، لأنه في هذه الحالة لا يستطيع أن يقدم لليمن أي شيء، وهو كان في عقله وفي ذهنه أن يبني دولة تقوم على النظام والقانون، كان يسميها مركزية بحيث أنه تشمل كل المناطق التي تحت مسؤولية القبائل والمشايخ التي تحكمها السعودية، يعني كانت مناطق الجوف ومناطق صعدة، ومناطق عمران، تتداول فيها العملة السعودية قبل الريال اليمني، الدولة اليمنية غائبة والسوق السعودية هي المتواجدة في مثل هذه المحافظات القريبة من الحدود وحتى قريبا من صنعاء، لهذا إبراهيم الحمدي تكلم عن دولة مركزية تسيطر على كل مناطق اليمن، بما في ذلك المناطق النائية، لم يكن لديه مجال إلا أن يفتح علاقات مع البلدان الاشتراكية وأن يحسن العلاقات مع النظام في عدن، وبدأ في تحسين العلاقات مع النظام في الشطر الجنوبي الذي كان يرأسه سالم ربيع علي، وهذا أزعج السعودية إلى أبعد الحدود، كما أزعج الأمريكان أيضا، في ظل الصراع الدولي والحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي .
لكن كان انزعاج السعودي قائماً على أساس أن هذه الرجل خطير، خطير لأنه يريد أن يبني دولة ولأنه بدأ يقيم علاقات مع النظام الذي كانوا يسموه النظام الشيوعي، في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كانت السعودية تتصرف مع النظام في عدن على أنه نظام شيوعي وكافر وتابع للاتحاد السوفيتي .. الخ، لكن إبراهيم الحمدي كان قد وصل إلى قناعة أنه لا بد من بناء علاقات بعيدا عن الهيمنة السعودية، مع الاحتفاظ بعلاقته مع السعودية .
أذكر مثلا، عندما بدأت السعودية تفرض على المهاجرين اليمنيين شروطا معينة، ذهب إلى هناك وقال للملك خالد أنا جئت لكي تتراجعوا عن هذه الإجراءات أو أن اسحب اليمنيين كلهم، والسعودية قامت على اليد العاملة اليمنية، طبعًا، ألغوا تلك الإجراءات التي بدأوها، وهم بدأوها كضغط على إبراهيم الحمدي .
قبل 48 ساعة من ذهابه إلى عدن بدأت الخطة، لا يجوز أن يذهب إلى عدن، فقد كانوا يتوقعون أن يتم في عدن توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية، وعلى مراحل، فقتلوا إبراهيم الحمدي عشية اليوم الذي كان سيذهب فيه إلى عدن .

* رئيس التحرير: كما ورد في مذكراتك، بمجرد أن تحرك الحمدي من أجل اللقاء باخيه سالم ربيع علي ذبحوه هو وأخوه عبدالله وبتلك الصورة البشعة وقتلوا فرنسيتين بدم بارد وألقوا بهما فوق بعض في منزل ناءٍ حتى تظهر القضية وكأنها دعارة، ما الذي دفعهم لخلق مثل هذا السيناريو القبيح للجريمة ؟
وهل فعلا الهديان -الملحق العسكري السعودي – كان مشرفاً وحاضراً في الجريمة ؟
– أبو أصبع: في تلك الأيام، وصلت لنا في الحزب الديمقراطي معلومات، وقد كان الحزب حينها قويا .. كان عبدالوارث عبدالكريم ضابط أمن وطني وكان يحصل على كل المعلومات رغم أنه متخف وطارئ، فجاءت لنا معلومات أن صالح الهديان قبل الاغتيال بأسبوع، يخطط لقتل واغتيال إبراهيم الحمدي.. المعلومات جاءت لنا مفصلة، وإبراهيم الحمدي اتخذ منا في تلك الأيام موقفا ..
التقيت بإبراهيم الحمدي على ضوء المعلومات، اتخذ منا موقف ما كان يقدر أي واحد من الحزب الاشتراكي يشوفه، كان يشوفه عبدالحميد حيدر ” بطل منه ” .
الذي حصل أنهم اتصلوا بي وانا في إب لأني خرجت ” بوجه” إبراهيم الحمدي، أو بضمانة منه، قبلها كنت متخفياً طوال خمس سنوات، الحمدي عفا عني أنا وعبدالوارث وعبدالكريم في وقت واحد، فاستدعوني لأنني أعرف إبراهيم الحمدي من زمان، أخي كان صديقه جداً، فقد جاء إلى بيتنا إلى جبلة، أيام الحزب الديمقراطي الثوري، لهذا قالوا لي تعال أنت تستطيع أن تلتقي إبراهيم الحمدي بسرعة، بلغوه أن صالح الهديان مشرف على خطة سينفذها أحمد حسين الغشمي لقتله، وهي تقوم على “واحد اثنين ثلاثة ” .
كان التركيز على أحمد الغشمي، و علي صالح هو المنفذ .. ذهبت أنا لإبراهيم الحمدي بواسطة الأخ محمد سري شايع، كان مدير الكلية الحربية، أوصلّني إلى عند إبراهيم على أساس أن المسألة مستعجلة جدا و أخذ لنا موعداً بعد الظهر .
وصلنا إلى بيته بدأت أخزن أنا ومحمد سري شايع وهو كان مريضاً جداً، وعنده نزول شديد، قال لي ما باسلم عليك لا عاد أعديك .. والله شاهد.. وكان لابس فوطة وفانيله بيضاء ومنشفى فوقه . لا زلت اتذكر المشهد و اتمثله قدامي.

جلس إبراهيم الحمدي، وسألني.. ما عندك يا يحيى منصور، شغلتني ما تشتي ؟!
قلنا له الموضوع واحد اثنين ثلاثة أربعة .. انت في خطر، السعودية وجهت أن يسرعوا في قتلك، كمال آدهم، مسؤول الاستخبارات السعودية جاء بالخطة، وصالح الهديان يشرف على تنفيذها، وهم يعملون لتنفيذها في أقرب وقت .
قال لي أيوه، أدي ما عندك، فكلمته قلت له لازم تتحرك، أحمد حسين الغشمي فعل تغييرات في الجيش على كذا، فعل كذا، علي عبدالله صالح فلت عمله في تعز و جالس في صنعاء، أنت في وضع خطير ..
أنا كملت أشرح له أشياء كثيرة، لكنه صرخ في وجهي بقوة :
ما تشتي يا يحيى منصور أنت وأصحابك في الحزب الديمقراطي، تشتوا تسيئوا للعلاقات وتسيئوا بيني وبين أفضل الناس، ما بين المستشارين حقي وما بين أصحابي تشتوا تدمروا العلاقات بيني أنا واياهم، ما هو قصدكم ؟!هكذا بكل صوته .
فقلت له أنا: مالك، لا تزعل ولا شيء، أعجبك كلامي أعجبك ما أعجبك ارمي به عند أرجلك .

سمع الحمدي دقة في الباب، وقد كانت أخته صفية الحمدي، الله شاهد وهي عادها موجودة ..ما هو سبب الانفعال ؟
المهم درب لي القات حقه، وقال لي خلاص وخرج .
محمد سري خاف جداً من ردة فعل الحمدي .. رجع جاء إبراهيم، قلت له ذلحين نخرج ولا تبزنا الحبس، ضحك، وكان هادئ، لأنه خرج عند أخته، وأخته عادها موجودة، قالت له ماهو !! الناس جاءوا ينصحوك خايفين حريصين عليك، وأنت تقوم تصيح هكذا، فدخل وقدوه يبتسم، قال: كنت شديداً معك يا شيخ يحيى، قلنا له عادي، ذلحين نخرج ولا تبزنا الحبس ؟! قال لنا مع السلامة .

وبعدين سألت ما هو السبب، لماذا لم يصدقنا، ولماذا تعامل معنا بتلك اللهجة الحادة ؟!
بعدها عرفنا يا سيدي العزيز من مصدرين اثنين: من صفية الحمدي ومن محمد الحمدي، أخوه، قدوه كبير في العمر، وهذا محمد الحمدي كان صديق أخي جدا .
عرفنا منهما أن الرئيس الحمدي كان يعرف أنهم يراقبوه، وعاملين له أدوات تسجيل داخل بيته, وأنهم يسجلوا كل حركة . ولهذا كان يعرف أن الكلام بيني أنا وهو سيصل لهم، وكان يريد أن يؤكد لهم أنه يثق فيهم وأنه لا يصدق أحداً عليهم حتى يتمكن مع الأيام من التخلص منهم، ولذلك كانت ردة فعله علي بتلك الصورة ” إنه هؤلاء المستشارين حقي، هؤلاء إخواني، هؤلاء أنا أثق فيهم، هؤلاء كذا .. “. …” .

* رئيس التحرير: روي الكثير عن عملية اغتيال الرئيس الحمدي، ماهي روايتكم أنتم للعملية بحكم معرفتكم المسبقة بخيوط المؤامرة، كيف جرت العملية ومن هم أطرافها ؟!
– أبو أصبع: كان صالح الهديان – الملحق العسكري بالسفارة السعودية – يقيم باستمرار في بيت مجاور لبيت أحمد حسين الغشمي، في الدائري الجنوبي بصنعاء أمام السفارة السعودية، وهناك، كانت تتم اللقاءات والتخطيط .
الخطة الأولى كانت تقضي أولا باستهداف عبدالله الحمدي، شقيق الرئيس إبراهيم الحمدي، لان عبدالله كان قائدا لقوات العمالقة، وهو مقاتل شرس .. صحيح أن الرئيس الحمدي كان يستمد قوته من الشعب اليمني، كانت شعبيته قد طغت على أي رئيس أو زعيم داخل اليمن، وحتى داخل القوات المسلحة، لأنه كان في زيارات دائمة لوحدات الجيش، ورفع رواتبهم، وعمل أشياء كثيرة وأجرى تصحيحات داخل القوات المسلحة، لكنهم – المتآمرون – يدركون أنه لا يمكن التخلص من إبراهيم بنجاح، إلا في حالة القضاء على أخوه عبدالله أولا .
أستغل أحمد حسين الغشمي – وكان حينها رئيس هيئة الأركان ونائبا لرئيس مجلس القيادة – خلافا كان بينه وبين عبدالله الحمدي، فاستدعاه يوم الاغتيال 11 أكتوبر 1977م، بذريعة رغبته في التصالح معه ووعده بتنفيذ كل مطالبه ” أشتيك ضروري جدا على شأن نتصالح وكل المطالب حقك أنا بانفذها “. جاء عبدالله الحمدي الساعة 11 ظهرا ومعه الأوراق، فأدخلوه إلى غرفة، على أساس أنه يخلص الأوراق وكذا، في بيت الغشمي، وقتلوه، بعدها اتصل الغشمي بإبراهيم الحمدي، قال له أنا باتغدى أنا وأنت اليوم، حاول إبراهيم الاعتذار، لكن الغشمي كان مصرا “حرام وطلاق ما اتغدى إلا أنا وأنت وإلا باجي لك بنفسي “. إبراهيم ما كان يشتي يروح، لكن إلحاح الغشمي جعله يقبل ” العزومة الغادرة “. استقل الحمدي سيارة أخته صفية، لأن سيارته كانت معطلة، وكان متعود يسوق بنفسه سيارته الخاصة “الفلوكسواجن” في شوارع صنعاء وفي زياراته الشخصية.. يعني كان فيه نوع من المثالية المفرطة، وهذا السلوك كان محل اعتراض حتى من قبل أسرته .. كان فيه ثقة زائدة، وإلى اليوم الذي قتل وهو هكذا.
ذهب الحمدي بسيارة أخته صفية لوحده، وقد كانت تقول له شل الحراسة، قال لا، أنا باروح آكل اللقمة وارجع.. وصل إلى هناك، والجماعة قد هم جاهزين مجهزين .
أدخلوه غرفة داخلية على أساس بايتفاهموا معه، دخل شاف أخاه عبدالله، وقد كان بينه وبين عبدالله حب وإخاء نادر، لأنهما شقيقان من أم واحدة .
قال لهم الحمدي: يعني باتقتلوني .. وعرض عليهم: ” ما رأيكم أنا أخرج من البلد، وأعمل بيان استقالة أو تنحي، كي لا تحدث أي مشكلة .. خوفكم من عبدالله، هوذا قد قتلتموه.. وكان يحاول يتحاور مع الغشمي .
هذه المعلومات تسربت من عندهم، وأنا بالذات سمعتها من أخي أحمد منصور الذي سمعها من الشيخ محمد الغشمي أخو أحمد حسين الغشمي وشيخه أيضا. وبحسب المعلومات، يقول الشيخ محمد الغشمي، أن أخاه أحمد الغشمي ، كان موافقاً أنه ” يفلت ” إبراهيم، يشلوه للقيادة العامة ويهيئوا له طائرة ويرسلوه للخارج، لكن علي عبدالله صالح رفض وقال للغشمي : ” أنت مجنون ! إبراهيم الحمدي بمجرد بيان من الداخل وإلا من الخارج يقلب علينا الدنيا ” . و” باشره “هو ومحمد الحوري.. وبحسب رواية الشيخ محمد الغشمي، ” دخل صالح الهديان أثناء النقاش و ” دق ” علي عبدالله صالح من الخلف وهو باشره ” يعني الهديان أعطى علي عبدالله صالح الأمر بتنفيذ عملية الاغتيال .

* رئيس التحرير: أشرت في مذكراتك إلى أنه جرت عملية الاغتيال وجيء بفرنسيتين، في محاولة منهم لإلصاق تهمة “وسخة” بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، هل من توضيح لهذا الجزء من المؤامرة وأطرافها ؟!
– أبو أصبع: المخابرات السعودية هي التي أدارت الموضوع ووضعت الخطة، واستقدمت الفرنسيتين إلى آخر ذلك من التفاصيل، بإشراف صالح الهديان وهذه المجموعة التي معه، أحمد حسين الغشمي، علي عبدالله صالح، وآخرون، هم الذي أداروا القصة كلها، أخذوهم إلى بيت ناء .. الخطة وضعت من كمال أدهم ـ رئيس الاستخبارات السعودية سابقا، ومستشار خاص للملك فيصل ـ بالتخلص من إبراهيم الحمدي وتشويه سمعته بأي طريقة، لأن الحمدي كان له شعبية كاسحة للأمانة، عمل على بناء دولة، عمل على إزاحة مراكز القوى من المشايخ، وكلهم روحهم بيوتهم .. عمل طرقات، عمل خدمات، عمل التعاون الأهلي للتطوير، سنتان والناس تركوا حتى الجنابي وتركوا البنادق واتجهوا نحو مشاريع اقتصادية وتنموية وتعليمية .. كان الشعب اليمني مشارك من أقصاه إلى أقصاه في الحركة التعاونية، وهذه أوجدت لإبراهيم الحمدي شخصية ومكانة في قلوب الناس.. إبراهيم الحمدي كان يريد دولة ويريد الوحدة أيضا مع الجنوب، وهذه كانت من وجهة نظره، الدولة اليمنية القوية الواحدة القابلة للتطور والوقوف ستتطور في وجه الأعداء .

* رئيس التحرير: في موضوع التدخل السعودي، ذكرت بأن إبراهيم الحمدي وضع حداً للتدخل السعودي فقامت عليه القيامة، وقلت أيضا أنه قبل مقتل إبراهيم الحمدي كان صالح الهديان لا يستطيع أن يخرج من مقره في العاصمة صنعاء، كيف كانت الأوضاع بعد عملية الاغتيال ؟ !
– صالح الهديان وغيره، أيام إبراهيم الحمدي كانوا يالله يتركهم يجلسوا في مكاتبهم وسكته، لأنه حتى الأمن الوطني والضباط والأمن بشكل عام، مراقبين لهم، مراقبين لكل حركاتهم، فكان صالح الهديان اذا تحرك لا عند أصحابه فقط، لا عند أحمد حسين الغشمي، ومن إليه، فهو تحت الرقابة .

* رئيس التحرير: أنت كنت صديقاً للغشمي وكنت على إطلاع ببعض التفاصيل ..
– أبو أصبع: شوف .. ما كنت صديق له، أخي أحمد كان صديقاً لمحمد الغشمي، لأن محمد الغشمي هو وجدي سجنوا في حجة مع بعض، وبعد مقتل إبراهيم الحمدي، جرت عملية اعتقالات ومطاردات واسعة . كنت أنا واحداً من المطاردين ومطلوب اعتقالي من أحمد الغشمي الذي صعد للرئاسة بنفس الشهر، ولهذا أرسلوا لي حملة إلى منطقة الربادي، منطقتي في جبلة، وحملة على عمران، والحملات احتلت البيوت حقنا. أخي أحمد راح لمحمد حسين الغشمي، قال له: في حملة على أخي يحيى وكذا.. محمد الغشمي اتصل بأخوه، قال له: ما تشتي من يحيى منصور، هذا جده صاحبنا واحمد صاحبنا، ما تشتي أنا أديه.. فقال له تمام .
مدري ما دار بينهم، فاتصلوا بي أن أطلع ، كان هناك ضجة كبيرة ومخاوف من عواقب طلوعي صنعاء ولقائي بالغشمي .. عبدالعزيز، دماج قاسم، عبدالحفيظ بهران، احمد قاسم دماج، كل الأصحاب والأصدقاء، قصدهم أنه با يذبحني . كان في توقعات مخيفة عند الناس.. لكن أنا أصريت أن ألتقي الغشمي، وكنت مطمئناً لوجود أخوه، لا يمكن أنه ينهيني، ومع ذلك كان الخوف موجوداً، التوقع السيئ موجود .
المهم اختصر لك الطريق، رُحت، وصلت البيت الذي هو أمام السفارة السعودية، الذي قتل فيه الحمدي . دخلت، شفت هناك علي عبدالله صالح، وأنا اللي وصلني إلى هناك حمود قطينه، طبعا قد شفته الظُهر بواسطة عبدالحميد الحمدي، في القصر الجمهوري، فقال لي الغشمي: ” شوف أنا ما استقبلك في بيت الدولة با ستقبلك عندي في البيت ” هذه خلقت شكوك عند الناس، إنه با يتم التخلص مني .
دخلت البيت وشفت مجموعة من الضباط بما فيهم علي عبدالله صالح، وكان وقتها قائد لواء تعز. فسأل حمود قطينة: ” هو هذا يحيى منصور، ذي شغل الدنيا، وهو سع هذي هه ” هذا علي عبدالله صالح .
المهم دخلت عند أحمد حسين الغشمي، اخذني إلى غرفة داخلية، كان عبدالعزيز عبدالغني موجوداً وعبدالسلام مقبل والأصنج ومدري من.. أخذني على طول قبالهم كلهم، وادخلني غرفة داخلية، غرفة مظلمة، فيها نور أحمر، قلت سواء، قديه النهاية، بيني وبين نفسي، لمه شلني إلى داخل وإلا كان با يتكلم قدام الناس، قلت قديه النهاية، سميتها في مذكراتي ” الليلة العاصفة ” تماسكت يا سيدي وأنا متوقع خلاصي .

* رئيس التحرير: هل كان مُخيفا إلى هذا الحد ؟
– أبو أصبع: كان خوف الناس أكبر بعد ما قتل إبراهيم بتلك الطريقة .. ونحن في الغرفة كنت اشتي اكسر الجليد، قلت له: ما هذه المسجلات، أو تشتي تسجل علينا ؟ قال لي : ” لا، أنا ما أسجل عليك، هذا صاحبك اللي كان يسجل عليك ” . قلت له: من هو صاحبي ؟ قال : إبراهيم في آخر جلسة أنت واياه ـ يقصد الجلسة اللي أنا حذرته فيه من الغشمي . قلت تمام، ما باقي إلا يفتح الشريط ويحاكمني .. بعدها أضاء النور، وقال لي: ” اسمع، أنا معي لك كلام ثاني، أنت من صبيان ” ذو محمد ” مش من سكة من إب أو من تعز، أنا اشتيك وبا أدعمك وبأجعل منك شيء لا يتصور بس بشرط، تتعاون معي، أنت تمسك الجبهة القومية من هنا – مشيرا إلى خلف الرقبة – وأنا امسك الشمال من هنا، ثم نبني دولة القبائل لمائتي سنة .. الله شاهد ” .
قلت له : ” أبشر، ذلحين أنا معي مشكلة الحملات ونسوان ذو محمد مشردات وفي عصر أحمد حسين الغشمي ” . قال : الله أكبر، اكتب أمر إلى المحافظ يرفع الحملات ويطلق أصحابك من السجن .
كتبت أنا أمر وأديته له، قال مش هكذا الأمر، اكتب ” الأخ محافظ إب وقائد فرع إب سيصل إليكم الشيخ يحيى منصور أبو اصبع عليكم أن ترفعوا الحملات وتتحملوا التكاليف وأي قضايا جنائية أو سياسية أو أي شيء على يحيى منصور حيلوها علينا لا تتدخلوا فيها ” يعني أنا أنزل اقتل وأعمل الذي اشتي ..، فكتبت هذا الموضوع . قال لي : معك أسبوع وترجع .
هذه هي الصفقة بيني أنا وأحمد حسين الغشمي، على أساس أن امسك الجنوب، وهو الشمال، كما أرادها.
وقد كانت كل تحركاتي بالتواصل مع الحزب بتوجيهات من الحزب.

التدخلات السعودية في عصر الغشمي
* رئيس التحرير : بعد اغتيال الرئيس الحمدي وصعود أحمد الغشمي ، كيف تأثرت العلاقات اليمنية السعودية بهذا التحول الذي شاركت فيه السعودية بشكل مباشر وفعال ؟ .
– أصبحت اليمن مفتوحة للسعودية التي كان لديها رغبة في ضرورة عودة المشايخ ، ومنهم الشيخ سنان إلى صنعاء ، بينما كان الغشمي غير متفق مع السعودية على هذه النقطة بالذات ، كان قلقا من المشايخ، كان لا يشتي المشايخ يدخلوا بالطريقة التي تريدها السعودية .. يعني يشتي يوطد نفسه أولا ..، يُجري التغييرات في الأمن و القوات المسلحة ، في المواقع المهمة كلها ، خاصة ذات الموارد المالية . وكانت الوفود السعودية سارحة راجعة ، يجوا عند الغشمي ويذهبوا إلى خمر، وهو من هذه الناحية ما كان مرتاح ، و كنت أناقشه فيها . لكن بقية الأمور كان متفقا مع السعودية مائة في المائة ،لأنها مولته بزلط ، بعد قتل الحمدي ، مولته بزلط يشتري بها الناس .
علي عبدالله صالح وقت حكم الغشمي ، كان قائد لواء تعز ، وكان دائما هنا في الأركان ، لأنه بينهم علاقات خاصة هو وأحمد الغشمي ، وأنا أوردت هذا في مذكراتي .. يعني صداقة خاصة ، أخوة خاصة ..أنا سألت احمد حسين الغشمي ، حينما تحرك ، أنا كنت عنده حين تحرك لإبعاد الجيش المشكوك في أمره .. كان قد تخلص من عبدالله عبدالعالم ، ومن مجاهد القهالي ..

* رئيس التحرير : أنت كنت معه في هذا التحرك؟
– أبوأصبع : في هذا التحرك أنا كنت معه ، شلني معه ، طلع إلى قوة الاحتياط وقوة اللواء السابع مدرع ، ولواء لا أتذكر اسمه في هبرة ، هذه كانت ألوية مشكوك فيها ، لأنها كانت تحت سيطرة الحزب الديمقراطي في اليمن ، وشلني معه على أساس أنه أنا كنت قد طلبت لقاء ، فأخذني معه .
وكان الغشمي لا يقول للناس أين سيذهب ،حتى المقربين منه . يقول للسائق يمين ، شمال ، قلت له لماذا أنت هكذا ، قال لازم اليقظة والانتباه ، نستفيد مما حصل ، في المرات السابقة .
* رئيس التحرير : في موضوع السعودية تحديداً ، التدخل السعودي وشراء المشايخ .. هل نستطيع القول بأن أحمد الغشمي والنظام السياسي الذي كان يرأسه أحمد الغشمي ، كان القرار فيه سعوديًّا بكل ما تعنيه الكلمة ؟.
– أبوأصبع : أحمد حسين الغشمي كان مع السعودية في كل شيء ، إلا في مسألة أن تفرض عليه المشايخ ، لأنه يعتقد أنهم باينافسوه ، يعني كان عنده تطلع للسلطة ومركزية فردية ، ويشتي الآخرين يجوا بالمشايخ بعد أن يكون رتب أموره ، هذه بعدين ترتبت مع السعودية فيما بعد ، ووصلوا إلى اتفاقيات ، إلى أن دخل الشيخ عبدالله ، والشيخ سنان أبو لحوم ، و المشايخ الآخرين ، لكن جاء الانفجار الذي أودى بحياته .

مواجهة الإخوان واليسار
* رئيس التحرير : ماذا عن المواجهات بين جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والأحزاب اليسارية ؟
– أبوأصبع : في عصر أحمد حسين الغشمي ، تشكلت الجبهة الإسلامية في المناطق الوسطى وكانت بقيادة عبدالرحمن العماد ، وتحت إشراف القاضي يحيى وعبدالمجيد الزنداني وغيرهم من القادة المؤسسين .

* رئيس التحرير : هل كانت هذه نواة لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن ؟.
– أبو أصبع : عسكريا ، لكن المدنيين كانوا موجودين من قبل . هذه اضطلعت بمهام عسكرية لمواجهة الجبهة الوطنية وبتمويل سعودي ، وبإشراف خبراء ومدربين سعوديين وأردنيين ، وفي أماكن معدة لها داخل المعسكرات ، وكانت السعودية هي المشرفة ، كانت تدربهم عسكرياً وتمولهم مالياً وأسلحة وكل المواد . وبدأ بروز نشاطها أواخر أيام أحمد حسين الغشمي ، من خلال الاشتباكات المسلحة مع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى وفي عتمة و ريمة وغيرها .وكانت تسعى إلى توسيع معاركها نحو الجنوب . لكنها تحاول أولا السيطرة على مناطق الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، وعتمة ، ريمة ، البيضاء .. هذه كانت مناطق علنية للجبهة الوطنية ، وعملوا على إيجاد “الجبهة الإسلامية” داخل هذه المناطق .
ثم ظهرت “المعاهد العلمية” أواخر عهد الغشمي ، وهي معاهد دينية ضمت أكثر من مائة الف طالب، فرغوا لهم مدارس حكومية ، ووفروا لهم كل شيئ ، وكانت أيضا بتمويل وإشراف سعودي مباشر ، وارتفعت موازناتها بشكل كبير جدا . حتى هذه المعاهد ، كان طلابها يتلقون تدريبا عسكرياً ، هي في الواقع مدنية وعسكرية ، لأنهم كانوا يأخذوا حصصا عسكرية . وكانت حادثة مقتل الغشمي مفاجأة كبيرة سواء للسعودية أو لغيرها ، لم يكن أحدا يتوقع أن الغشمي بايسير بتلك الطريقة .. على طول بعد مقتل الغشمي جاء علي عبدالله صالح ، خلال 24 وعلي عبدالله صالح في هيئة الأركان ..

* رئيس التحرير : وأنت كنت على تواصل بأحمد الغشمي ، كيف تمت عملية قتله ، وقد سميتها أنت في مذكراتك بـ “الانفجار العظيم” ، وهل كنت سعيدا بمقتله ؟
– أبوأصبع : كنا على تواصل على أساس “أننا نسيطر على اليمن ، الشمال والجنوب ونشكل دولة القبائل” حسب رأي الغشمي طبعا . أما عن سعادتي بمقتله ..لا أقول لك أني كنت سعيدا ، وقد كنت مشبعا بثقافة الحزب الاشتراكي والنظام في الجنوب ، و كنت ضد أي توجهات ، يعني مسألة “بناء دولة القبائل” ودولة التخلف .

* رئيس التحرير : لكنك اتفقت مع الغشمي عليها !
– أبوأصبع : على شان استمر معه ، وقدمت له برنامج ، على أساس أستمر معاه ، وإلا أيش يعني ، بايشلني السجن.. لكن بعدين قدمت له وجهة نظري ، وتناقشت معه ، وقلت له :على شأن تبني دولة القبائل، لازم تتصرف كدولة فعلا ، وبدون نظام لن تبني لا دولة القبائل ولا غيرها .
قال لي الغشمي : افعل لي برنامج ، وعملت له برنامج ونشرته في المذكرات ، قال لي تمام أدي بس موجز لا تكثر من الكلام حتى أفهمه .. وقد كان البرنامج من إعداد « الحزب الديمقراطي « وليس من إعدادي أنا . لكني أكدت له ، أنه إذا أراد بناء « دولة القبائل « عليه أن يبني دولة مركزية قوية والقبائل يكونوا من ضمنها.

* رئيس التحرير : هل كنت تتحدث معه حول التدخل السعودي؟.
– كنت أتكلم معه حول هذا الموضوع ، لكن « على الخفيف « وإلا بايشك في أمري .. وذات مرة عندما ناقشته في موضوع السعودية ، قال لي بالحرف الواحد : « شوف ، أنا أشتيك أنت وأصحابك تجوا تتطلعوا على القضايا والأشرطة والوثائق ، من أكثر عمالة للسعودية ، أنا أو إبراهيم الحمدي ، خلني أتمكن وأنت باتشوف ، كان يقول هكذا ، ولهذا أنا رفضت أن يدخل أصحاب السعودية إلى صنعاءـ يقصد المشايخ ـ « .

* رئيس التحرير : طيب من وراء مقتل الغشمي ؟
– أبو أصبع : بحسب ما يقال ، أنه سالم ربيّع علي وصالح مصلح ، أرسلوا الحاج تفارش بالشنطة المفخخة ، لكن هناك أشياء مريبة ! لماذا منع الغشمي محمد خميس ـ رئيس جهاز الأمن الوطني ـ ومنع أي ناس يجلسوا معه في المكتب مع مبعوث سالم ربيع علي ؟ شفت كيف .. قيل أن سالم ربيّع علي فعل له طعما ، قدم له طعما من خلال المكالمات والتطمينات وأنه بايقدم له خطة لتصفية الحركة الوطنية في الشمال وفي الجنوب ، هذه الأحاديث أن سالم ربيع علي مهد..

* رئيس التحرير : لماذا لا تكون السعودية وراء تصفيته ؟
– أبو أصبع : سنأتي لهذا الموضوع ..
عندما انفجرت الحقيبة كانت المعلومات متضاربة .. بعضها تقول أن الانفجار كان من قاعة المكتب في القيادة العامة ، لأنها أخذت الأجزاء السفلية للاثنين معا ، هو والحاج تفارش . وفي كثير من الإخوان قالوا إن التصفية جرت في المكتب من قبل أشخاص . وهناك من يتساءل : لماذا بدأ الغشمي يتراسل مع رئيس الجنوب ، سالم ربيع علي ، ولماذا لم يكن يطلع أحدا على الوثائق والمراسلات مع سالم ربيع ، حتى الأجهزة الأمنية ؟!!
الأجهزة الأمنية طبعا مع السعودية ، والأجهزة الأمنية هم من يطرحون مثل هذا الموضوع ،الذي يقولون إنه سالم ربيع علي ، أنه عندما شارك في جنازة إبراهيم الحمدي ، كانت الجماهير التي كانت ترمي الغشمي بالأحذية وتصرخ « غديتوه وين وديتوه ،غديتوه وين وديتوه ، يا قاتل يا غشمي « . وحينها القى سالم ربيع علي كلمة وقال لهم ، أتعهد لكم أنني سأنتقم من القتلة . هو قال هذا الكلام ، لكن لم يحدد منهم القتلة ، وقد كان واقفا مع الرئيس أحمد الغشمي .
ويستطرد أبو أصبع : حتى الآن ، لم تكلف جهة معينة نفسها في البحث عن من القاتل الحقيقي لأحمد حسين الغشمي ، لا توجد تحقيقات رسمية نهائياً ، الجنوبيون يقولون مش هم ، لأن صالح مصلح ـ وزير الداخلية في الشطر الجنوي آنذاك ـ يقول إن الشنطة كانت فيها وثائق وليس ألغاما أو متفجرات .. هذا أنا سمعته من صالح مصلح ، ابحثوا الموضوع ، احنا ليس لنا علاقة بالقتلة ، وسالم ربيع نفى قبل مقتله في عدن أن يكون له علاقة بالعملية . لأن رفاقه في الحزب الاشتراكي دخلوا معه في مشاكل ومعركة استمرت 48 ساعة انتهت بمقتله .
كانت التواصلات والمراسلات بين الغشمي وسالم ربيع علي متواصلة ، و كان يقول لي الغشمي ، باستمرار ، اليوم اتصل بي سالم ربيع علي ، وكذا.. وكان دائما يسألني عنه، و يقول لي أنت تعرفه تماما ؟! قلت له أعرفه ، لأنهم كانوا عندنا دائما في جبلة، فالمؤتمر الثاني حق الجبهة القومية عقد في جبلة ولهذا عرفتهم كلهم ، من عبدالفتاح إلى فلان .. وأثناء القتال المسلح ، كان أصحاب الضالع أسرهم كلها هاربة عندنا في جبلة ، فكنت التقي بهم باستمرار . بعد الخلاف مع قحطان الشعبي ـ أول رئيس للجنوب ـ جاء سالم ربيع علي جلس عندنا في جبلة .
لهذا المعرفة كانت بيننا عميقة ، أضف إلى ذلك أن القيادات من جبلة، أحمد قاسم دماج ،وعبدالله الوصابي ، وأحمد منصور أبو اصبع ، حق الحركة وحق الحزب ، فلهذا كانوا يتكلمون معي بصدق ، أنهم ليس لهم علاقة في مقتل أحمد حسين الغشمي ، لكن الحقيقة يعلم بها الله.
يتبع …

قد يعجبك ايضا