الثورة / ناصر جرادة
بالتزامن مع الذكرى السنوية لشعار الصرخة في وجه المستكبرين الذي أطلقه الشهيد القائد بداية مشروعه القرآني، يأتي في المقابل شعار المقاطعة الملازم له، حيث تعتبر المقاطعة أسلوباً نموذجياً كأحد أوجه المواجهة المشروعة والجهاد ضد الاحتلال كي تنال الشعوب حريتها واستقلالها، والمقاطعة (الاقتصادية) تعني بمفهومها العام إيقاف التبادل السلعي والخدماتي بشكل كلي أو جزئي مع الطرف المراد مقاطعته بما يخدم مصالح وأهداف الطرف الداعي للمقاطعة، ويشمل التعامل الاقتصادي والخدماتي بكافة أشكاله أي وقف التبادل السلعي والخدماتي مع الطرف المطلوب مقاطعته بهدف التأثير عليه سياسياً أو أضعافه عسكرياً واقتصادياً، وتأتي المقاطعة بهدف إحداث الضغط والتأثير على أمريكا وإسرائيل بما يخدم المصالح العامة للأمة الإسلامية.
تجارة سرية
كشفت دراسة إسرائيلية عن تضاعف حجم التجارة السرية بين إسرائيل والدول العربية، مشيرة إلى أنها بلغت حوالي 400 مليار دولار سنويًا، وهو ما يتجاوز ضعفي حجم التبادل التجاري المعلن بين إسرائيل ومصر والأردن، فيما أشارت صحيفتا “نيويورك تايمز” الأمريكية و”هآرتس” الإسرائيلية، في تقريرين لهما حول هذا الموضوع، إلا أنه من الصعب تحديد حجم التجارة السرية أو الواردات العربية من إسرائيل، ذلك جراء استخدام إسرائيل دولاً “وسيطة” لتصدير إنتاجها إلى الدول العربية، ولعل أشهر دولتين تعملان كوسيط بين إسرائيل والدول العربية هما: هولندا وقبرص
فيما ذكر المدير العام لجمعية إعمار، يوسف عواودة، أن التبادل التجاري بين إسرائيل والعالم الإسلامي والدول العربية، تبادل مباشر وفي بعض الحالات عن طريق وسيط ثالث، فقبرص هي أكبر قناة للتصدير والاستيراد بين الأطراف.
تمويل إسرائيلي
أكد مدير معهد التصدير الإسرائيلي دافيد أرتسي أن البضائع الإسرائيلية موجودة في كل الدول الإسلامية والعربية ما عدا إيران وسوريا ولبنان، كونها دولا معادية ويحظر على الإسرائيلي المتاجرة مع الأعداء.. قد تكون هناك مقاطعة رسمية للبضائع الإسرائيلية ولكنها غير موجودة على أرض الواقع.
وتصدّر إسرائيل التقنية المتطورة والصناعات الزراعية والمحاصيل الزراعية (خضراوات وفواكه وحمضيات) التي تغزو الأسواق العربية، بالمقابل تستورد إسرائيل من العرب الغاز والنفط ومشتقاته كسلع رئيسية.
وأشار أرتسي إلى أن إسرائيل تبيع البضائع للسعودية والعراق بواسطة طرف ثالث، أما الآن فصارت العلاقات التجارية مع الإمارات والسعودية وكذلك البحرين مباشرة وعلنية.
أثر بالغ
في 11 كانون الأول 1954 أصدر مجلس جامعة الدول العربية قراره رقم 849، الذي بموجبه صدر القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل؛ وتضمن القرار فرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إسرائيل، ووضعها في قوائم سوداء يحظر التعامل معها. وقد أدت المقاطعة العربية إلى إلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي.
كما إن لحملة المقاطعة أثر بالغ فقد أدّت حملات المقاطعة -لحركة المقاطعة الفلسطينية – وسحب الاستثمارات إلى إقدام شركات كبرى مثل فيوليا (Veolia) وأورانج (Orange) وسي آر إتش (CRH) على إنهاء تورطها في المشاريع الإسرائيلية كليًا، كما وأدت إلى سحب مجموعة واسعة من المستثمرين لاستثماراتهم من الشركات الإسرائيلية، وكذلك من الشركات العالمية المتواطئة. وتقول الأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وخبراء آخرين أن لحركة المقاطعة- ألتي بدأت في 9 يوليو 2005- أثرًا اقتصاديًا على إسرائيل.
وفي تصريح سابق (على وسائل إعلام العدو) لوزير المالية الإسرائيلي بأنه في حال استمرت المقاطعة في النمو وانخفض التصدير لأوروبا بنسبة 20 %؛ ستخسر إسرائيل أكثر من 10.000 وظيفة وما قيمته 5.7 مليار دولار من العملات الأجنبية
أشد سلاح
الصحفي والخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أكد في تصريح خاص لـ” الثورة “: أن المقاطعة الاقتصادية كانت ولاتزال سلاحاً أشد ضرراً من الأسلحة الأخرى ، فامريكا تلجأ للعقوبات الاقتصادية وتكرس كل جبروتها من أجل محاصرة الشعوب الحرة اقتصادياً ، فمثلا فنزويلا دولة تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في امتلاك الاحتياطات النفطية وتعاني من أزمات مالية ومعيشية خانقة بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من أمريكا لرفضها الوصاية الأمريكية ، وكذلك كوبا التي تعيش تحت الحصار الاقتصادي منذ أكثر من ٦٠ عام ، يضاف إلى عقوبات أمريكية فُرضت على إيران ودولاً أخرى ونحن في اليمن كنا ولانزال نعاني من حصار وحرب اقتصادية تقف خلفها أمريكا.
ودعا الخبير الاقتصادي عبر صحيفة “الثورة” أبناء الأمتين العربية و الإسلامية إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية وكل الدول المطبعة مع العدو الصهيوني .. كون المقاطعة سلاح لم يفعل حتى اليوم من قبل المستضعفين في العالم أجمع ، ولو تم استخدام هذا السلاح فإن أمريكا ستتلقى صدمات اقتصادية كبيرة في ظل الصراعات التي تجري بين واشنطن وبكين وكذلك موسكو .
وبيّن الحداد : أن المقاطعة تعني رفض الهيمنة والاستكبار ومقاطعة كل منتج وسلعة صادرة من دول الاستكبار العالمي لذلك هذا الخيار الإستراتيجي يحتاج لتفعيله من خلال رفع مستوى المستهلك بجدوى المقاطعة واتخاذ إجراءات حكومية تحرم استيراد أي منتجات أمريكية وإسرائيلية واستبدل المنتجات بالاستيراد من دول أخرى .
مقاطعة تاريخية
أشار الحداد إلى تجربة الشعب الهندي بزعامة “المهاتما غاندي” الحر ضد المستعمر البريطاني والتي استطاع من خلالها أن يكسر جبروت بريطانيا وهي في أزهى قوّتها وتمكن من إجبار المستعمر على مغادرة الهند وانتصر الهند ليس بمقاومة مسلحة بل بالمقاطعة الاقتصادية وكذلك دولاً أخرى تكبدت خسائر فادحة نتيجة مقاطعة منتجاتها ، كالدنمارك على خلفية الإساءة للرسول الأكرم تكبدت لخسائر اقتصادية فادحة نتيجة مقاطعة أقل من ١٥% من المسلمين لمنتجات الدنمارك ، ولكن اليوم عدد من الدول الخليجية فتحت أسواقها للمنتجات الصهيونية وهو ما يؤكد أن صهاينة العرب اشد عداوة للأمة العربية والإسلامية.
وأفاد لـ”الثورة”: على مدى العقود الماضية كانت هناك محاولات عربية للصناعات الثقيلة كالجزائر التي تعرضت لضغوط أمريكية وفرنسية للتوقف عن صناعة السيارات والغرّافات والحراثات وتوقفت عن تلك الصناعات وكذلك تعرضت اليمن لضغوط لمنع زراعة وإنتاج القمح حتى تتمكن دول الاستكبار من الهيمنة على الدول العربية ووضعها تحت رحمتها .
ونفس الأمر تمكنت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولاً أخرى خلال سنوات العدوان على الشعب اليمني من قبل دول العدوان أن تحقق أرباحاً طائلة جراء صفقات السلاح التي أبرمتها مع دول العدوان .وأوضح الخبير الاقتصادي أن أسواق السلاح الغربية حققت لأول مرة منذ عدة عقود زمنية أرباحاً خيالية جراء بيع الأسلحة لدول العدوان ، وتمكنت من إفراغ مخازن مصانع أسلحتها من الأسلحة التي ظلت راكدة لعدة عقود زمنية ، ولذلك إشعال الفتن والصراعات المحلية بين الدول العربية من قبل دول الاستكبار هدفة تحويل الشرق الأوسط إلى سوق استهلاكي لأسلحتها.
ثقافة المقاطعة
الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الإنسان والخبير الاقتصادي عارف العامري في تصريح خاص لـ”الثورة” يقول : بداية يجب أن نعمل على نشر ثقافة المقاطعة، وذلك لتأثيرها القوي والفاعل في انهيار اقتصاد الدول المستهدفة من المقاطعة، وباعتبارها من الخيارات المتاحة استراتيجيا، فيجب العمل عليها والاستمرار فيها، ولقد كان هناك أثر كبير في مقاطعة البضائع الأمريكية والمصنعة في الكيان المؤقت ،من خلال أننا عرفنا بأن بضائعهم قد توغلت إلى كل منزل ،سواء في فلسطين أو دول الإقليم وصولاً إلى جميع الدول العربية والإسلامية.
وأضاف العامري: فمقاطعة تلك البضائع أدت إلى التخلص من الهيمنة الأمريكية والغرب على القرار السياسي، واكتشفنا أن قوائم البضائع الأمريكية والمصنعة في الكيان المؤقت قد تغلغلت في كل منزل.
سياسات أمريكا
وأوضح العامري بأن الإدارة الأمريكية والغرب يعملون وفق أجندة الماسونية العالمية، التي تسيطر على كل قرارات العالم، والتي بدورها تعمل على السيطرة على الحكومات من خلال فرض سلع معينة، بالإضافة إلى أنه كلما حاولت أي دولة أن تعتمد على تصنيع منتجات محلية، تقوم سياسات أمريكا على إغراق الأسواق بنفس المنتج، وإستغلال الماكنة الإعلانية والتسويق التجاري لمنتجاتهم في مواجهة التصنيع المحلي والإقليمي، ومنها أيضا الشركات ألمملوكة لتلك الدول وبأسماء عربية.
وتابع : لما كانت الدول العربية وشعوبها مستهلكة وليست مصنعة، فقد أصبحت سوقاً لمنتجات الأنظمة الغربية وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية والنظام البريطاني والكيان المؤقت.
بدورهم حكام الأنظمة العربية وفروا بيئة خصبة ومناسبة لنمو الاقتصاد العالمي وانخفاض اقتصاد الدول العربية المستهلكة ،كما أن اعتماد الماسونية العالمية على إثارة القلق والتوتر السياسي والصراع العسكري بين الأنظمة العربية، جعل من تلك الدول مستوردا رئيسياً للأسلحة بكل أنواعها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والطائرات الحربية المتطورة وبطاريات الصواريخ. وأكد أن سلاح المقاطعة من اهم الأسلحة الاقتصادية الناجعة في التأثير على اقتصاد الدول.
بدوره العامري دعا عبر صحيفة “الثورة” كافة شعوب الأمة الإسلامية إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية والمصنعة في الكيان الإسرائيلي المؤقت، والتي ستثمر نتائج فاعلة، وكذلك سنشاهد تغير تماماً في السياسات خلافاّ لما تمارسه الآن حسب قوله.