* لا شك أن التنمية البشرية هي المدخل الصحيح لأي مجتمع كي يلöج بواباتö التنميةö الحقيقيةö نحو نهضة شاملة تحقق الرفاهية والعيش الكريم لأبنائه وواحدة من وسائل هذه التنمية البشرية هي تلكم الدورات التدريبية وورش العمل والمؤتمرات واللقاءات والزيارات الميدانية وغيرها من الوسائل التي تزيد من معارöفö المشاركين ومهاراتöهم وتعمل على تنميتöها وصقلöها.
ولعله من الجميلö أن شاع في مجتمعöنا في السنواتö الأخيرةö ثقافة التنميةö البشرية وانساح الاهتمام بها فلم يعد حöكرا على القطاعö العام بل أدرك القطاع الخاص أهميتها ومردود ذلك على عائداتöه وأرباحöه وأبعد من ذلك أن أدرك الفرد في المجتمع هذه الأهمية المتناميةö لهذا النوعö من التنميةö الذي يضمن له المنافسة بل والبقاء في عالم تحتدم فيها المنافسة والاستقطاب للعناصرö الأكثرö قدرة ومعرفة ومهارة ما يجعل حظوظها وفرص نجاحöها في الحياةö أكبر من غيرها.
ولعل من مظاهرö ذلك الشيوع ما يراه كل منا من كم هائل من الدوراتö التدريبية وورشö العمل التي تجتاح مرافقنا الحكوميةö ومكاتبö الوزاراتö ومن مظاهرö ذلك أيضا مراكز التنمية البشرية والتدريب التي تناثرت هنا وهناك.
غير أني أود هنا ومن واقعö تجربتي المتواضعةö في هذا المجال تخطيطا وتنفيذا وتمويلا واستفادة أن أسلط الضوء على مردود عكسي ظهر جليا في ما يعتمل في هذا المجال في القطاع الحكومي بسببö ما أحدثته منهجيات تطبيق هذا التوجه المحمود هذا المردود العكسي الذي أثر سلبا ليس على المعارفö والمهارات للمتدربين بل ضرب المنظومة القöيمية لهم فأوجد حالة من التعاطي مع أنشطةö التدريبö كفرصة للكسب المادي المالي بل أضحى ذلك هو الهاجس الأكبر والهدف الحقيقي والدافع وراء الالتحاق بهكذا برامج وأصبحت أحد مظاهر التعبير عن امتنانö القياداتö والمدراء لأفرادهم ووسيلة لضمانö ولائöهم وانصياعöهم ومناسبة لمعاقبة (المتمردين) منهم عن تقديم فروض الولاء والطاعةö لمدرائهم بحرمانهم من امتيازات مادية تعود عليهم بمشاركتهم في تلك الدورات والمناشط.
كل ذلك نتج عن السياسات غير المدروسةö للحوافز المادية التي ترافق تلك الدورات ما جعلها مواسم (خير) !! يترقبه الكثير بلهفة عارمة وأضحت أي محاولة للمساسö به مدعاة للانتقاد بل والصöدام والمحاربة. وأسباب هذا الانحدار القيمي في تقديري كثيرة تبدء بالوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور مرورا بالخراب العام في منظومة القيم وضعف الدولةö ومؤسساتها وغياب المعيارية واعتماد المحسوبيات والوساطات وانقراض السياسة العادلة للثواب والعقاب وفي تصوري أن هكذا واقع وحال هو بحاجة ماسة إلى وقفة جادة من كل المعنيين في كافة القطاعات لمناقشته والوقوف عليه كوننا نعيش في وهمö التنمية البشرية في مرافقنا وحقيقة نحن نقف فوق أكوام من الهشاشةö القيمية نحن من يتسبب فيها وتوشك أن تهوي بنا جميعا فبدلا من أن نبني وننمي الإنسان فإننا نهدمه من الداخل وذلك هو الخسران المبين !!
*مدير مؤسسة العون للتنمية واستاذ في قسم الصحة العامة بجامعة حضرموت للعلوم.