ذكرياتي مع أمي.. بعد سبعة أعوام على رحيلها

صعقت ذات صباح عند استدعائي للحضور على وجه السرعة لاشتداد مرض أمي التي لم يبق من قوتها وغذائها اليومي إلا محاليل عبر الوريد لاشتداد مرضها ودخولها غيبوبة لاتفوق إلا بين الحين والآخر إلا أني عندما أحضر إلى جانبها وأضع أصابع يدي على راحة يدها أحس بلمسة حانية وقبضة كأنها تتعرف عليها وترتاح لجلوسي إلى جانبها هذه حقيقة, الله وأفراد أسرتي يعرفونها لأني عندما كنت أزورها قبل اشتداد مرضها كانت تسمع صوتي وخطاي من بعيد فتلمع عيناها الحالمتين ويفتر وجهها بالبشرى وأشعر وأنا أحادثها وأضع رأسي على حجرها أني طفل صغير بحاجة إلى حنان وعطف ودعاء يخفف عني آلام الحياة وقسوتها وما أن تضع أناملها وتمسح براحة يدها على رأسي حتى أحس أني ملكت الدنيا بأسرها فلم أخرج من زيارتها من بيت والدي رحمه الله التي لا تفضل غيره بين أخواتي وبناتهن اللاتي كن نعم الطائعات الحانيات الخافضات جناح الذل من الرحمة الفائزات بالدعاء الدائم إلا وكأني ملكت الدنيا سعادة وفرحا لأني خرجت من زيارتها راضية عني فيغبطني من هم حولها لهذه المكرمة العظيمة وعند اشتغالي بأي عمل أحدث نفسي كيف أجل زيارة أمي ومن يضمن لي أن أعيش وتعيش إلى اليوم التالي فتتسارع خطاي إليها حامدا الله على التوفيق.
فاجعة الموت
وعود إلى بداية مقالي هذا فما أن حضرت ومعي ابن عمي الدكتور عبدالوهاب الجمالي الذي كان عوني ورفيقي في الملمات إلى أمي إلا وقد عادت الروح إلى بارئها فبكيت بكاء لا أستطيع وصفه وشعرت حينها أني لم أوفها حقها من الطاعة ولم أجلس إلى جانبها فزادت أحزاني ورأيت الدنيا بعدها مظلمة في وجهي وأن صلتي بالجنة برضاء الله انقطعت فلم يرضني ولم يشفني من بعد موتها شيء.
ولم تمر أيام حتى فجعت بموت أبن عمي الدكتور عبدالوهاب علي الجمالي رحمه الله الذي بكيته وبكاه كل من عرفه لأخلاقه الفاضلة ونفسه العالية وحبه لفعل الخير ومعاينته للفقراء والمساكين وعلاجهم بدون أي مقابل فزادت أحزاني إلى أحزان وفجيعتي إلى فجائع فما أصعب أن يفجع المرء بموت أحد والديه وما أصعب أن يفجع المرء في حبيب أو عزيز عليه.
في عيد الأم
إن ذكرى وفاة أمي السابع واقتراب من عيد الأم يحرك في نفسي أوجاعها وأحزانها فلم أشعر إلا وأنا أكتب في وقت متأخر من الليل مذكرا كل غافل عن طاعة والديه بأن الدنيا قليل وأن المرء ذكرا كان أم أنثى يشعر بالندم القاتل.. عند فراقه لأبيه وأمه وعندما يشعر بالتقصير نحوهما أما حنان أبوية فلا يعوضهما أي حنان مهما بلغ. فالوالدان يرون أولادهما وأعني بذلك الذكر والأنثى مهما كبروا لقوة حنانهما وخوفهما على أولادهما وفي الوقت نفسه يسعدون بعطائهم حتى لو كان الآباء والأمهات غير محتاجين وكم يؤثر ذلك العطاء القليل في نفوسهم أيما تأثير لأن ذلك العطاء يعبر عن اهتمام الأبناء والبنات بآبائهم وأمهاتهم.
وقل ربي ارحمهما
إن الآباء والأمهات يظلون مشغولي البال على أبنائهم وبناتهم ولا ينسونهم حتى ولو كانوا في أقصى الأرض ومن حسن الحظ هذه الأيام أن وسائل الاتصالات الحديثة تسهل تواصل الأبناء والبنات وتجعلهم قريبين من آبائهم وأمهاتهم وأرحامهم وما عليهم إلا أن يتركوا الأنانية والانشغال بالدنيا ويضغطوا أزرار تلفوناتهم ليسمعوا أصوات آبائهم وأمهاتهم وأرحامهم لينالوا منهم الدعاء قبل أن يلقوا ربهم. كما أن من فضل الله على أي شخص ان يرزقه الله زوجة صالحة تذكره بطاعة والديه ومفاقدتهما والإحسان إليهما والتواصل معهما ومع الأرحام والصدقة على أرواحهم إذا ما ماتوا . فللزوجات تأثر كبير على الأزواج إما سلبا أو إيجابا وان كانت هناك من زوجة ظالمة أو مقصرة لأقارب زوجها ووالديه فربنا يعاقبها بعصيان أولادها لها لتشرب من نفس الكأس في الدنيا ف”كيفما تدين تدان”.. الرحمة للآباء والأمهات .. رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.

قد يعجبك ايضا