عن الأوقاف والمؤتمر؟!

أحمد يحيى الديلمي

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي


مثّل مؤتمر الأوقاف الأول – الذي عُقد الأسبوع الماضي في صنعاء – تظاهرة هامة دلت على جدية المرحلة والرغبة الصادقة في معالجة الاختلالات التي تراكمت في الفترة الماضية بفعل سطوة المتنفذين وتواطؤ العاملين في هذا الجهاز الحيوي الهام ممن وهنت ضمائرهم وأصابها العطب فانقادوا لصوت المصلحة الذاتية وجردوا الوظيفة من القدسية وتحولوا إلى آليات للفساد والإفساد بإرشاد أصحاب السطوة والنفوذ والجاه إلى أملاك الأوقاف من عقارات وأراض لتمكينهم من الحصول على أوامر فوقية للاستيلاء عليها واختصار المسافة باسم تحرير الوقف وشطبها من المسودات مقابل مبالغ زهيده.
مثل هذه العمليات طالت حتى المقابر والمنافس المحيطة بالمساجد وكم كنت أتمنى لو أن المؤتمر ناقش هذه القضايا بالتفصيل خاصة أن العملية متواترة في كتب التاريخ كما جاء في تاريخ صنعاء للطبري، فقد ذكر أن كل إمام أو فاعل خير كان بعد بناء المسجد يُسبل الأرض المقام عليها أو المحيطة به استنادا إلى اجتهاد بعض أئمة الفقه والعلماء بأن صلاة الجمعة لا تصح إلا في الجامع المسبل (أي يكون سبيلا) والخطوة الثانية يوصي بدكان أو أكثر لصالح المسجد وأحيانا بقطعة أرض.
ولو أمعن العلامة الأخ عبد المجيد عبدالرحمن الحوثي في هذه المراجع لعرف الكثير من الخفايا عن الأوقاف بالذات كتاب العالم الجليل الدكتور حسين عبدالله العمري أطال الله عمره عن الائمة الخمسة، لاستطاع مواجهة أصعب وأعقد مشكلة ، لعبت دورا سلبيا في تبديد الأرض رغم أن الوصايا واضحة منها وصايا توزعت في أربعين مصرفا واختصت من تناسل من الذرية بنسبة 25% من إجمالي الواقفين فقط، إلا أن الفوضى وتواطؤ موظفين من الأوقاف جعل أيادي النهب والسلب تمتد إلى كل الوقفية وتعود الفائدة المباشرة على بعض أفراد الذرية وطواغيت السلب والنهب الداعمين لهم بينما أغلب الأسر فقراء يتكففون الناس، كما جاء في مذكرة ناظر الوصايا السابق الوالد العلامة الحجة محمد محمد المنصور (للدنبوع في زمن تتويجه للرئاسة من قبل السعودية وأمريكا).
من الخلفية التي أسلفت يتضح أن العبث طال كل شيء في الأوقاف وكان السبب الأوامر الفوقية وتواطؤ المختصين ووكلاء الأوقاف في المناطق والقرى والمديريات، فلقد لعبوا دورا سلبيا خطيرا وصل إلى حد التلاعب بالمسودات والتآمر السافر على إرادة الواقفين ، هذا الواقع المزري جعل الوالد العلامة الحجة أحمد محمد الشامي رحمه الله يقدم استقالته ويختمها ببيت الشعر المشهور :
ولو كان رمُحاً واحداً لأتقيته ** ولكنه رمحٌ وثان وثالثُ
وفي رده عندما سأله عفاش عن معنى البيت أجاب بشجاعة ورباطة جأش “أنت وأولادك وأولاد أخيك وأبناء عمك” فغضب الرجل وأمر بقبول الاستقالة على الفور. لذلك نأمل أن تتحول نتائج المؤتمر المتصلة بالواقع وسير العمل في الميدان إلى خطة عمل تمكن قيادة الهيئة من الفرز وتقييم سلوك الموظفين بدءا بعمال الأوقاف في القرى والعزل ومكاتب المحافظات وانتهاء بديوان الهيئة لاختيار الكفاءات المشهود لها بالنزاهة والشرف والسلوك القويم واستبعاد كل شخص تصرف في أموال الأوقاف أو كان له يد في عملية التحرير وفك الحرز الذي وضعه الواقف لأنه خان الأمانة ولا يصح أن يستمر في الوظيفة، إضافة إلى بعض الخطوات التي لا أعتقد أنها غائبة عن ذهن رئيس الهيئة.. وفي حين نتمنى له التوفيق ، أود التنبيه إلى أمر هام يتعلق بأداء لجان التقييم والحصر وتحديد الربع الخاص بالهيئة، فالبعض لا شك أنه اعتاد على تقمص الدور المطلوب للتعاطي مع كل مسؤول جديد ويسعى إلى إحباط مساعيه بأسلوب المبالغة وإظهار الحرص الشديد على أموال الأوقاف والتباكي عليها والقصد مختلف تماما ، يسعى من خلاله إلى تتويه المسؤول الأول وخلق معارك وهمية تحبط جهوده النبيلة وهي ثغرة خطيرة لا شك أنها تضاعف الأعداء والخصوم خاصة أن الناس اعتادوا على إعطاء الفتات خلال العقود الماضية أو التمرد وعدم الالتزام بدفع أي عائد وهو ما جعل خطوات الإصلاح تتسم بالحساسية وردود الفعل النزقة مما أرخى بظلاله على كافة الخطوات التي تمت حتى الآن ما يتطلب أن تكون المعالجة عادلة ومرنة يمكن التطرق إليها في موضوع قادم إن شاء الله.. وأختم بقوله سبحانه وتعالى (إن اريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله) صدق الله العظيم.. والله من وراء القصد.

قد يعجبك ايضا