الوحدة الوطنية و قلق المرتزقة
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
يقرع العيد الثاني والثلاثين للوحدة اليمنية الأبواب، وقد عاث الإخوان فسادا في الأرض، فسالت الدماء، وتمزق التاريخ، وتمزق النسيج الاجتماعي، وكادت الدولة أن تضيع، وجاء الغزاة إلى اليمن، وهم فارشون لجيش الغزو أعينهم، ويدعون وثوبا قبل أن يثبوا، ويتحدثون عن الجمهورية وقد كانوا من أشد أعداء الجمهورية والمحاربين لها، ثم يتحدثون ويبكون الوحدة، وقد كانوا من أشد الأعداء للوحدة وذلك معروف في السياق التاريخي، ومن الغباء المفرط الذي يقع فيه الإخوان – ومن شايعهم – حديثهم بمكر عن تجريف الهوية الثقافية اليمنية، إلى درجة أن يشعر المرء حينها أن الإخوان – وتلك الثلة ذات التحيز الجغرافي – يرون الأشياء بعين طبعهم، فكل فكرة أو قضية يكرسون الخطاب عليها تجدهم قد وقعوا فيها هم دون سواهم ويرون جواز أفعالهم ولا يرون إلا عدم جوازها على غيرهم، أي حلال لهم – وقد يحضر الألباني في تصحيح بعض الروايات التي يجدون فيه مسوغا شرعيا- وحرام على غيرهم – وقد يحشدون كل الآراء التي تؤيد وجهة نظرهم – ومثل ذلك أصبح من طبائع جماعة الإخوان ومن وقع في شراكهم من المرتزقة .
المهم.. عمل الإخوان على مدى ستين عاما في اليمن وحاولوا تجريف الهوية الثقافية والإيمانية والتاريخية والحضارية ونشط الكثير من رموزهم في تكفير السلطات والجماعات والأحزاب ونشط الكثير في تكفير رموز ثقافية، وبعد التمكين لهم في عقد التسعينات – أقصد إخوان اليمن – اتسع بهم المدى حتى كفّروا رموزاً ثقافية عربية فقد تجاوزوا البردوني والمقالح إلى نزار ونجيب محفوظ وما تزال شواهد ذلك في صحفهم ومجلاتهم الصادرة في عقد التسعينات مثل صحيفة الصحوة ومجلة النور .
اليوم يهاجمون المراكز الصيفية ويتحسرون على الهويات التي جاءوا بها إلى اليمن دون أن يتفاعل معها المجتمع لأنها لا تتسق والعنصر التاريخي الثقافي، ولذلك ظلت على تضاد مع طبائع المجتمع حتى عادت الأمور إلى نصابها فرأينا المجتمع يتنفس الصعداء ويخرج من دائرة التقليد إلى دائرة الإبداع وهو الأمر الذي عجزوا عنه طوال سنوات التمكين لهم في اليمن، ولذلك يبكون ضياع جهودهم في تجريف هوية اليمن الثقافية التي لم تترك إلا الانقسام في الهويات والتباس الوعي، فضلا عن أضعاف روح المواطنة فقد كانت حركتهم في الواقع اليمني بمثابة الانقطاع الحضاري المتجدد في المكان الجغرافي والزمان التاريخي بما تركته من أثر سلبي في النسيج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي، الأمر الذي كان سببا مباشرا في ازدواج الشخصية وتنافر السلوك بل شكل تعارضا مباشرا بين الفكر والممارسة وهو الأمر الذي أنتج في واقع حال أهل اليمن ما أصطلح على تسميته علماء الاجتماع “ثنائية التسلط والخضوع في بنية الشخصية”، كما تدل الوقائع منذ خرجوا من أروقة السلطة ظاهرا وظلوا في نسيجها باطنا، فكان جهازهم الأمني يقوم بالعمليات الإرهابية التي تقلق السكينة العامة، ويخرجون في تظاهرات للتنديد والإدانة، ويقومون بخطف السواح وقطع إمدادات الكهرباء ورفع سقف المطالب التي تكون على قرب من وجدان الجمهور ومن همومه اليومية، ثم يقودون المظاهرات التي تعيث في الأرض فسادا كحرق المحلات التجارية وتحطيم السيارات ونهب وسلب المؤسسات ثم تجدهم يشجبون وينددون في السياق نفسه، هذا الازدواج في بنية الشخصية الإخوانية كان أكثر وضوحا في أحداث 2011م وفي المبادرة الخليجية وفي صمت محمد قحطان في لجان الحوار والتلويح بعصى السعودية ثم كشف عن ساقه في العدوان على اليمن، فكانت ثنائية التسلط والخضوع في بنية الشخصية التي مالت إلى الارتزاق أكثر بيانا ووضوحا من غيرها .
في مطلع عام 90م وقف الإخوان ضد الوحدة الوطنية ونشطوا نشاطا مقاوما وقالوا بتكفير الحزب الاشتراكي ورموز الحزب والكثير من المثقفين وكانت أشرطة الكاسيت تجوب اليمن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وهي تحكي الموقف الرافض للوحدة الاندماجية بين شطري اليمن، وظل اليمن طوال الفترة الانتقالية مضطربا ولم يستقر حاله إلا بعد أن تفجر الوضع عسكريا وصنعوا لحظتهم على حساب اليمن ومستقبله، حيث تداعوا إلى نهب الجنوب بصورة تركت ظلالا على المستقبل وقد شهدنا الكثير من تفاصيلها في العقد الأول من الألفية، وقد تكرر منهم ذلك في أحداث الحصبة مطلع عام 2011م، وهو نفس السلوك الذي لا يتغير ولن يتغير فهم جماعة لا تقيم وزنا إلا لمصالحها دون سائر الناس وعلى مثل ذلك دلت الوقائع والأحداث، فاليوم لا يحرصون على الوحدة الوطنية ولكنهم يتفانون في الحفاظ على مصالحهم .
وحين بدأت اليمن تعود إلى ذاتها وقيمتها الثقافية وهويتها الإيمانية شكل ذلك حالة قلق لهم لأنه يتضاد مع بنيتهم النفسية والثقافية والاجتماعية فسارعوا إلى النيل من كل عمل يعزز من هوية المجتمع أو يعمل على رأب المتصدع في بنيان الشخصية الوطنية الحرة والمستقلة والقادرة على الإبداع والابتكار لا الاجترار والتقليد فحاولوا التقليل من قيمته أو يعملون على تخويف الآخر منه، كما نلحظ اليوم من خلال حجم التناول للمراكز الصيفية في وسائل إعلام الإخوان والمرتزقة .
البرامج الثقافية في المراكز الصيفية برامج قرآنية محضة ولا قلق من البرنامج القرآني إن كانوا يؤمنون بالقرآن حقا لكنهم قوم وقفوا عند حدود النص ولم يتجاوزوا ما قاله رموزهم، فكان الثبات سمتهم، والانغلاق وعدم التفاعل مع المستويات الحضارية الحديثة ديدنهم، فالتبس الوعي وتنافر الناس وضعفت روح المواطنة في نفوسهم فكأنك ترى الولاء لتركيا وقطر أكثر من الولاء لليمن فتناقضوا، ففكرهم في واد وممارساتهم وواقعهم في واد آخر.
لذلك أصبح بناء الشخصية الوطنية الحرة المستقلة أمرا مقلقا لهم وفي السياق واجبا وطنيا ملحا حتى نصنع ذاتا وطنية قادرة على الإبداع والابتكار معتزة بهويتها الإيمانية والثقافية والتاريخية، ولا عزاء لكل الأبواق التي تنال من اليمن سوى الخزي والعار، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.