الحرب العالمية الثالثة وبوادر الصراع الأمريكي الروسي الصيني للسيطرة على دول المنطقة
د. يحيى علي السقاف
لا يخفى على أحد في هذه المرحلة ما يجري من صراع وحرب مشتعلة بسبب الحرب في أوكرانيا وما تقوم به أمريكا وحلفاؤها من محاولة التصدي للحرب الروسية ومحاولة إفشالها وإضعاف القوة الروسية عن طريق دعم أوكرانيا بالسلاح والتدريب وغيرها من الإمكانيات، وفرض العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وسعي روسي إلى كشف جميع المخططات التآمرية لأمريكا والانقسام الدولي الذي سيحصل في العالم فمنهم من سيقف في صف أمريكا والآخر مع روسيا وتعتبر الصين أول المؤيدين لجميع تحركات روسيا، وكل هذا ينذر بوقوع حرب عالمية ثالثة تؤكد جميع الحيثيات أنها ستؤثر على معظم الدول في العالم .
وكل الأحداث التي تحصل في وقتنا الحاضر ما هي إلا امتداد طبيعي للصراع البارد الذي كان موجوداً سابقا بين أمريكا وروسيا من جهة وبين أمريكا والصين من جهة أخرى وخاصة في ما يتعلق بالحرب الاقتصادية والسباق من اجل السيطرة على التجارة الدولية وقد جاءت أول الخطوات في مطلع أبريل الماضي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عندما قامت قيادة البحرية الأمريكية مع 34 دولة في الشرق الأوسط بتشكيل قوة مشتركة للقيام بدوريات في البحر الأحمر بذرائع وأسباب ضعيفة لكن الغرض الأساسي هو أطماعاً استعمارية أمريكية صهيونية من خلال التسابق على من يسيطر على الثروات الطبيعية من النفط والغاز والتحكم بالتجارة العالمية في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها التجارة الصينية التي تتربع على عرش أكبر المصدرين حول العالم، حيث بلغ إجمالي صادراتها في عام 2021م حوالي 3,364 تريليونات.
ومن المعلوم أن الصعود السريع للصين تراه أمريكا تحديا يصعب التحكم فيه مع الوقت كونه صعودا لا يتماشى مع المصالح الأمريكية، كما يرتبط القلق الأمريكي بالحرص على عدم التخلي عن الالتزامات تجاه الحلفاء الذين يحدث التمدد الصيني على حسابهم، ومن الأمثلة البارزة على وجودالصراع الأمريكي الصيني الذي يدار بشكل حذر في المنطقة هو ما جاء في دعوة وزير الخارجية الأمريكي في أغسطس 2019م لدول جنوب شرق آسيا إلى التصدي لما سماه « الإكراه الصيني « وهناك الكثير من الأدلة على الطموحات التي تريد تحقيقها الصين على الصعيد العالمي وهي تزداد مع مرور الوقت على نحو لا يمكن إلا أن يقود إلى صراع مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وإذا كانت هناك مؤشرات ودلالات تقلل من حتمية الصراع المباشر فهناك فريق آخر يتوقع أن يشهد هذا المسار المزيد من التوترات والاحتكاكات التي من الممكن أن تصل إلى حدود المواجهة العسكرية وقيام حرب عالمية ثالثة وذلك في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا ،والحرب التجارية التي تقودها أمريكا ضد الصين ويؤكد من يؤيدون هذا الطرح أن إمكانية وقوع هذا الصدام واردة وممكنة كون روسيا والصين صارتا قوة تسعى لتغير النظام الدولي الحالي ومعايير العلاقات بين الدول، وفي الوقت نفسه عبر العديد من المحللين الاقتصاديين عن قلقهم حيال تداعيات هذه الحرب على تباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي ما سيؤثر سلبا على الصادرات من المواد الخام واستقرار أسعار صرف العملات المحلية لهذه الدول .
ومن خلال المسيرة التنموية والاقتصادية للعديد من الدول في النطقة نجد أنها تعمل مع الصين كشريكين تلتقي مصالحهما في خط واحد ولديهما قواسم مشتركة وهي تحتاج إلى الصين في تحقيق نهضتها وازدهارها وهو ما توضحه علاقة الصين التجارية بهذه الدول والتعاون المشترك بينهما في القضايا الجوهرية في كل أنواعها وتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ومنها ما يخص بناء مبادرة الحزام والطريق، حيث تقوم الصين بدعم جميع المشاريع والاستثمارات التي تقدم عليها هذه الدول وأنضمتها السياسي .
ومن هنا نلاحظ أن ما تقدم عليه الصين من فرض خطوط تواصل وتعاون مشترك وبناء تعاون تجاري حقيقي مع دول المنطقة وتأتي في مقدمتها الدول الأفريقية والعربية يرتكز على ترابط البنية التحتية وتنسيق السياسات وتداول رأس المال وتبادل التجارة وتحقيق التنمية الاقتصادية ويهدف إلى بناء مجتمع موحد وقواسم مشتركة بين الصين وهذه الدول وذلك لحماية المصالح المشتركة بينها وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة وتحقيق الازدهار والتقدم نحو بناء اقتصاد إقليمي وعالمي.
ومن المجمع عليه- في نظر المراقبين الدوليين وأدبيات السياسة الخارجية.. أن هناك إجماعاً على أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعتبر عامل أساسياً ومعرقلاً للمصالح الروسية والصينية في الدول العربية والأفريقية والأوروبية، كما ينظر المراقبون العسكريون والاقتصاديون والمختصين أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لصراع طويل بينها وبين روسيا والصين وهذا الصراع من المحتمل أن يكون مباشر اندلاع مواجهات عسكرية وغير مباشر في امتداد أسلوب الحرب الباردة كالتي كانت مع روسيا في القرن السابق، لذلك نجد أن الصين وسعت علاقاتها مع الدول الأخرى وخاصة المناهضة لأمريكا وكذلك مع الدول التي توجد بينها وبين الصين عوامل مشتركة تتمثل في مواجهة الهيمنة الأمريكية وتُشكل محور مقاومة وقوة منافسة وتخلق توازن قوة في العالم لحماية المصالح الاقتصادية المشتركة بينها من خلال إنشاء منتديات اقتصادية مثل منتدى التعاون الاقتصادي، ويأتي ذلك أيضا من خلال سعي الصين إلى تعزيز روابطها الثنائية مع الدول المؤثرة مثل إيران وروسيا وألمانيا وذلك لرفع قدرتها التنافسية مع أمريكا.
وفي هذا السياق نلاحظ أن أمريكا أظهرت تناقضا في تاملاتها مع الصين، فمن ناحية تسعى إلى مفاوضات تجارية معها ومن ناحية أخرى تمارس ضغوطاً كبيرة عليها ويتمثل ذلك من خلال رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من 10% إلى 25% وهذه المبالغ في مجملها قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات وهذا يُعد إعلاناً أمريكيا للحرب التجارية على الصين ويوضح مدى الهيمنة الأمريكية على التجارة والاقتصاد العالمي وفي سبيل ذلك تستخدم كل الأساليب سواء القانونية أو المخالفة للقانون الدولي في مواجهة خصومها ومنها فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا مؤخرا كما انها تستخدم كل قوتها كدولة لها نفوذ في العالم للإساءة إلى سمعة الشركات الكبيرة في روسيا والصين بحجج وأسباب ضعيفة وتافهة وهي بذلك تنتهك قواعد التجارة العالمية وتخالف أبسط قواعد تنظيم الأسواق الدولية وتُشرعن لنموذج صارخ في فرض الهيمنة الأحادية والبلطجة الاقتصادية وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء .
كما إن السعي الحثيث للصين في رفع قدراتها العلمية والتكنولوجية واعتمادها المتزايد في استغلال إمكانياتها واستثمارها في البحث العلمي والتقني وتعزيز قدراتها الابتكارية التنافسية وتوفير الدعم المالي وتمويل الشركات من المشاريع التجارية قد جعلها تحقق تنمية اقتصادية شاملة في خلال فترة قصيرة وقد وصلت إلى هذه المكانة بطرق صحيحة وليس باستخدام الأساليب الخاطئة في السطو على ثروات الدول واستغلالها والسيطرة على حكامها لتنفيذ مخططاتها كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع الدول الأخرى وكان لها دور في تحقيق التنمية المستدامة، وهي بذلك تسعى إلى توسيع وتعميق التعاون التجاري والاقتصادي مع مختلف دول العالم سوآء الدول النامية أو المتقدمة .
وفي سبيل ذلك أعلنت الصين تنفيذ عدد من المشاريع والخطط الاقتصادية العملاقة مثل مبادرة «الحزام والطريق» التي تعمل على نبذ التحكم والسيطرة الأحادية وتفتح المجال للمشاركة ما أوسع نطاق وذلك لمواجهة التحديات العالمية المشتركة وتحسين الحوكمة العالمية سوف يكون له دور كبير في تغلب الصين وانتصارها على أمريكا والتفوق عليها تجاريا واقتصاديا، ومن المتعارف عليه أن من يتفوق اقتصاديا يحكم سياسيا وستؤدي خطوت الصين تجاه المجتمع الدولي إلى وجود استجابة كبيرة لها ويؤدي إلى إمكانية بناء علاقات مشتركة مستقبلية مع أغلب الدول وستعمل في مجملها على وإدخالها مواجهة ومنافسة مع أمريكا .
كما يلاحظ أن الحقيقة واضحة لا تحتاج إلى دليل والذي ينظر إلى هذا الوضع باستقلالية يرى ويحكم ويميز الفرق بين من يساهم في التنمية الاقتصادية العالمية ومن يضع العراقيل ويتعذر بأتفقه الأسباب من أجل تحقيق مصالحه الخاصة والفردية، وكذلك الفرق بين من يؤسس للتجارة والاقتصاد العالمي ومن يدمره ويسعى إلى الاستغلال والاستحواذ وفرض الهيمنة على اقتصاديات الدول، وأيضا الفرق بين من يأخذ بيد الدول النامية والفقيرة ويساعدها على القيام بتحقيق نهضتها وتقدمها وبين من يستخدم أساليب القمع والنهب واستغلال ثروات ومقدرات تلك الدول بحجة أنه يقدم لها المساعدة وهي مغلفة بالقضاء عليها.
وعند الحديث عن العلاقات بين روسيا والصين وأمريكا نجد وجود توتر كبير واحتمال اندلاع حرب عسكرية بينها في المحيط الهادي، وتأتي هذه المواجهة بعد اشتعال الحرب الاقتصادية والتجارية سابقاً وهذا ما يؤكده المراقبون العسكريون والاقتصاديون في العالمأ وتؤكد ذلك العوامل والإمكانيات المشتركة والمتساوية التي تمتلكها كل من روسيا والصين وأمريكا والتي تؤهلها إلى خوض مواجهة مستقبلية، حيث تجتمعان من حيث مقدار إنفاق كل منهما على جيش بلده وعلى عدد أفراد وقوام هذا الجيش، وكذلك يوجد تقارب وتكافؤ من حيث عدد سكان ومساحة كل البلدين ومن حيث التقدم في تصنيع الأسلحة بكل أنواعها والمتميز التفوق الكبير لروسيا بامتلاكها أكبر ترسانة نووية في العالم .
وغير ذلك من المقارنات من حيث عدد الطائرات الحربية الهجومية التي تمتلكها كل من أمريكا وروسيا والصين إذ توضح كل هذه البيانات من حيث عددها وتطورها وتفوقها وجود توازن قوى في العالم وتؤكد إمكانية حدوث مواجهات عسكرية بينها من أجل حسم فرض النفوذ ومن حيث الدفاع عن المصالح الحيوية والاقتصادية والسياسية لكل طرف ويتجاوز هذا الصراع إلى مجالات أخرى منها الدفاع والثقافة والتكنولوجيا، في حين من المستبعد الوصول إلى اتفاق وتسوية تساعد في حل الخلاف العسكري الحاصل وإنها الحرب التجارية والاقتصادية بين الطرفين.
وهنا يٌطرح سؤال: كيف سيكون نهاية الصراع بين أمريكا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى ومن خلال المعطيات السابقة ولمن ستكون الغلبة والنصر هل لروسيا والصين أم لأمريكا؟، ويمكن الإجابة على ذلك التساؤل من خلال النظر إلى مستقبل العلاقة بينها والنظر في الاتجاه الظاهر إلى قيامها بإبرام اتفاقات تفاهم وهو في حقيقة الأمر لم يخف التوتر الحاصل الذي يصل إلى مدى بعيد وعميق أكثر من مجرد حرب روسية عسكرية على أوكرانيا أو خلاف تجاري بل يتعدى ذلك إلى فرض الهيمنة والسيطرة على المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام ولن تتغير طريقة التعامل الأمريكي لروسيا والصين بمعيار من يتحكم بإدارة أمريكا في الوقت الراهن أو أي وقت لاحق .
كما يؤكد هذا السيناريو من حيث من تكون له الغلبة ومن سينتصر ما جاء في مجلة «ناشيونال انترست الأمريكية» حيث تقول(( إذا اندلعت حرب بحرية بين الأسطولين الأمريكي والصيني في غرب المحيط الهادي فإنه من الممكن أن تخسر أمريكا تلك الحرب)) مستدلة على ذلك القول بأن قدرة الصين على تعويض أي خسائر في سفنها الحربية سيكون أسرع من قدرة الأسطول الأمريكي، وأنه إذا امتد أمد تلك الحرب ستكون أمريكا هي الطرف الخاسر لأنها لن تستطيع منافسة الصين في تعويض ما تخسره من سفن حربية أثناء القتال، وهذا ستكون له عواقب كبيره على دخول روسيا ودول أوروبية كبيرة في هذا الصراع الذي سيؤثر على استقرار وأمن جميع دول العالم.
وكيل وزارة المالية
كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي