بدعم أمريكي بريطاني وتواطؤ فاضح من المجتمع الدولي
جرائم وانتهاكات الكيان الصهيوني تتصاعد ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ومقدسات الأمة
الثورة / ابراهيم الاشموري
منذ منح ذلك الوعد البلفوري المشؤوم للحركة الصهيونية دون حقٍ وطناً ودولة ومستقبلاً، دشن في فلسطين العربية والمنطقة برمتها عصر جديد من الحروب والاعتداءات والانتهاكات وجرائم الحرب المروعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، إذ حتى النازية الهتلرية لم تتوغل في اقتراف الجرائم العنصرية البشعة، مثلما اقترفته الحركة والتنظيمات الإرهابية الصهيونية في فلسطين من أعمال حرب وقمع وتنكيل وتطهير جماعي ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
فكان ذلك الوعد الباطل فاتحة مسلسل الجرائم المتصلة في فلسطين، لتعقبه بالتتابع المخطط والمبيت جملة أخرى من الجرائم الشاملة التي لم تبلغ نهايتها حتى يومنا هذا ونحن في الألفية الثالثة من الزمن.
ومع مرور الوقت كان الكيان الغاصب يتفنن في ابتكار الأساليب والطرق لارتكاب جرائمه وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
جاءت موجات الهجرة والتهجير والغزو البشري الصهيوني لفلسطين تحت مظلة ودعم وحماية الاستعمار البريطاني أساساً لارتكاب الجريمة الكبرى الثانية بعد الوعد التآمري ضد أهل فلسطين، لتبدأ مرحلة تطبيق المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية والاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية وبناء أكبر عدد ممكن من المستعمرات الاستيطانية فيها، وإلى جانب ذلك؛ وبالتزامن مع ذلك بناء جيش حربي صهيوني محترف ومدجج بأفتك الأسلحة في ذلك الوقت، فكانت هذه الجريمة الكبرى الثالثة في فلسطين العربية.
لتبلغ المؤامرة البريطانية ـ الصهيونية ـ الدولية ذروتها عشية الإعلان عن انتهاء فترة الانتداب البريطاني، واندلاع الحرب العربية ـ الصهيونية غير المتكافئة على الإطلاق، بل والتي كانت مبيتة مطبوخة ومحسومة لصالح الصهاينة وبتواطؤ عربي مخجل مفجع وصل في ذلك الوقت إلى حد التفريط والخيانة.
فدارت رحى الحرب المزعومة بين جيش صهيوني مدجج بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والطائرات، حيث بلغ عدد أفراده قرابة نصف مليون جندي محترف، وبين الجماعات المسلحة الفلسطينية المتفرقة التي لم تكن تملك سوى البنادق الخفيفة، وسبعة جيوش عربية زُعِم أنها “جيوش غزت فلسطين للقضاء على الدولة الصهيونية”، بينما لم يتجاوز عدد أفرادها الخمسة عشر ألف جندي، ولم تتعد أسلحتها وذخيرتها أسوأ وأردأ الأسلحة والذخائر؟! فكانت هذه الجريمة الرابعة في فلسطين.
لتأتي بعد ذلك كله أقذر وأبشع الجرائم الصهيونية عبر التاريخ: حرق شامل للأخضر واليابس في فلسطين، وتدمير شامل للمدن والقرى الفلسطينية (نحو 500 قرية وبلدة ومدينة)، ومجازر جماعية دموية بشعة مروعة لم ينج منها حتى الطفل الفلسطيني الرضيع، ثم ترحيل وتشريد جماعي للشعب الفلسطيني (نحو 800 ألف فلسطيني، ولم يعد هناك في أراضي” 48″ سوى 156 ألف فلسطيني فقط).
لتتحول فلسطين العربية إلى كيان صهيوني، وليتحول شعب فلسطين إلى لاجئين في أصقاع العرب والعالم، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق وبلا مستقبل، ولتتحول الحركة والعصابات الصهيونية إلى نظام وكيان ودولة معترف بها، لها وطن وهوية وحق في الوجود والمستقبل، فيا للعجب العجاب ويا للمعادلة المقلوبة الظالمة، ليشكل هذا الفصل المليء بالجرائم الصغيرة والكبيرة الجريمة الكبرى الخامسة في المشهد.
لتتواصل الجرائم الصهيونية بأشكالها المختلفة الدموية والاستيلائية الاستيطانية الاحتلالية والانتهاكية السافرة لحقوق الفلسطينيين، على امتداد المرحلة الزمنية الأولى للمشهد الأول الممتد من تاريخ الوعد البلفوري الكارثي وحتى حرب عدوان 1967م.
غير أن الجريمة الأكبر والأشد قهراً ومرارة تمثلت في حالة العجز والاستخذاء والتأقلم العربي مع مشهد الجرائم المستمرة في فلسطين، وتمثلت أيضاً في التواطؤ الأمريكي ـ العربي مع الدولة الصهيونية، وفي فرجة أو تواطؤ المجتمع الدولي.
سياسات التطهير العنصري
سياسات كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة في فلسطين المحتلة، قامت منذ وقت مبكر على أساليب التطهير العنصرية لتشمل الأرض كلها والشعب كله.
ولتبدأ بسلب الأرض كلها واستيطانها وتهويدها، ولتستمر بمنهجية سياسة العقوبات الجماعية الشاملة من اعتقالات ومحاكمات وهدم وإغلاق بيوت وإجراءات خنق اقتصادية وإجراءات تهويد ثقافية وتعليمية وغير ذلك، ولتصل إلى اقتراف المجازر الدموية الجماعية والفردية بحق الفلسطينيين.
انتهاكات لا تحصى
اقترف كيان الاحتلال ولا يزال ما لا يخطر على قلب بشر من الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين، وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن ما تسمى إسرائيل سيطرت على المناطق الفلسطينية من خلال أعمال القمع والتمييز العنصري والانتهاكات الممنهجة لحقوق السكان الفلسطينيين.
وتضيف المنظمة الدولية أن 5 على الأقل من الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليَّين ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق الشعب وهي التمييز العنصري و القتل غير المشروع والتهجير القسري والاعتقال التعسفي؛ وإغلاق قطاع غزة والقيود الأخرى غير المبررة المفروضة على التنقل؛ والاستيطان، إلى جانب السياسات التمييزية التي تضر بالفلسطينيين.
جرائم الحرب
القتل وسفك الدماء على نطاق واسع هو منهج وديدن كيان الاحتلال، حيث تشير إحصائيات دولية إلى أن آلة الحرب الصهيونية قتلت آلاف المدنيين خلال اعتداءاتها الممنهجة على قطاع غزة خلال الأعوام (2009،2008 ، 2012، 2014م) وخلال 2021م جراء العدوان الأخير على غزة والذي اسمته عملية حماية الأسوار وهي جرائم تشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي واستهداف بنى مدنية ظاهرة.
وفي الضفة الغربية، استخدمت قوات الأمن الصهيونية القوة المفرطة بشكل روتيني في حالات فرض الأمن، أو استخدمت الذخيرة الحية لتقتل وتصيب بجروح خطيرة آلاف المتظاهرين من قاذفي الحجارة وآخرين، كان يمكن استخدام وسائل أقل حدة لتفادي التهديد أو المحافظة على النظام، كما أكدت على ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش.
ومن جرائم الحرب التي يمارسها الكيان الصهيوني منذ عام 1967م، نقل المستوطنين الصهاينة إلى الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منتهكا بذلك “اتفاقية جنيف الرابعة”، حيث أنشأ مئات المستوطنات، وصادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الأفدنة من الأراضي الفلسطينية لصالح بناء المستوطنات والبنية التحتية الداعمة لها، كما جعلت حصول الفلسطينيين على تصاريح بناء في القدس الشرقية وفي 60 % من الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية (المنطقة جيم) أمرا مستحيلا تقريبا، ما أدّى ذلك وغيره من القرارات التمييزية إلى إجبار الفلسطينيين على مغادرة منازلهم أو البناء تحت طائلة رؤية منازلهم “غير المرخصة” تجرف، كما هدمت السلطات الإسرائيلية على مدى عقود منازل على أساس أنها تفتقر للتصاريح، وهدمت بيوتا كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين.
واستبعدت دولة الاحتلال بشكل تعسفي مئات آلاف الفلسطينيين من سجل سكانها، ما حدَّ من قدرتهم على العيش في الضفة الغربية وغزة والسفر منهما.
الحصار وتضييق الخناق على المدنيين
أعلنت سلطات الاحتلال تشديد الحصار على قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات وفرضت القيود على حركة الناس والبضائع من وإلى قطاع غزة، وهذه القيود أثرت على كافة جوانب الحياة اليومية، وفصلت الأسر عن بعضها وعملت على تقييد إمكانية الحصول على الرعاية الطبية والفرص التعليمية والاقتصادية، ورفع نسبة البطالة والفقر. . ناهيك عن الاعتقالات التعسفية بحق الفلسطينيين من منازلهم دون أي مسوغات قانونية أو توجيه اتهامات رسمية أو تقديمهم للمحاكمة حيث يواجه العديد من المحتجزين، بمن فيهم أطفال، ظروفا قاسية وسوء معاملة.
ويقول محللون سياسيون إن جرائم الاحتلال الإسرائيلي وإعداماته الميدانية المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، تعد ترجمة عملية لتعليمات المستوى السياسي في دولة الاحتلال، التي حوَّلت جنوده إلى آلات عمياء متحركة لقتل الفلسطينيين والبطش بهم وسرقة حياتهم في شوارع وأزقة مدنهم وبلداتهم ومخيماتهم وحتى وهم آمنون داخل منازلهم.
ويشيرون إلى أن هذه الجرائم هي ترجمة لتصريحات المسؤولين الصهاينة “الاستعمارية العنصرية” ومواقفهم التي صدرت عن أكثر من جهة داخل الحكومة الصهيونية ، وفي مقدمتها رئيس الوزراء الإرهابي نفتالي بينيت ووزير الدفاع بيني جانتس كسياسة رسمية، والتي تقوم على استباحة حياة الفلسطيني أينما كان والتعامل معه من قبل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية ومليشيات المستوطنين المسلحة بعيدا عن أية قيود أو ضوابط.
ولا زالت الاقتحامات الدموية التي تنفذها قوات الاحتلال للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ونتائجها المؤلمة مستمرة، بما يؤكد أن وجهة الاحتلال نحو التصعيد والتوتير في ساحة الصراع، وأن الدعاية الكاذبة للحكومة الإسرائيلية بشأن رغبتها في التهدئة وعدم التصعيد ما هي إلا مُحاولة للتغطية على نواياها الحقيقية في جر المنطقة نحو دوامة عُنف لن يكون الفلسطيني الوحيد الذي يدفع ثمن نتائجها فحسب”.
وتأتي هذه الجرائم والانتهاكات المتواصلة في القدس والمسجد الأقصى نتيجة تواطؤ المجتمع الدولي وانتهاجه سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير وحالة بغيضة من الانتقائية البشعة في التعامل مع الأزمات والصراعات الدولية، ففي الوقت الذي تتفاخر فيه عدد من الدول بانتصارها لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي في أزمات وصراعات معينة، نجدها تُفضّل تجاهل الجرائم المتتالية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في طول وعرض الضفة الغربية المحتلة، دون أن تجد تلك الجرائم الحد الأدنى من الإدانات الدولية، ناهيك عن تغييب مقصود لمبدأ المحاسبة والمساءلة وفرض العقوبات على دولة الاحتلال لإجبارها على وقف عدوانها وثنيها عن ارتكاب جرائمها.