رمضان في صنعاء القديمة
يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي
من المؤشرات الهامة التي يدركها أي زائر لحواري وأزقة صنعاء القديمة، عودة عبق الروح الرمضانية بأفقه الإيماني الصادق إلى هذه الأماكن بالذات في المساجد التي بدأت تفتح أبوابها للمصلين وطلبة العلم ومقيمي حلقات الدرس كل يوم بنفس الروح الإيمانية التي عهدها أهل اليمن منذ القدم ومنذُ أن ارتفعت كلمات “الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله” في سماء هذه المدينة.
الكل يعرف أن مساجد صنعاء – بالذات في رمضان – لا تغلق أبدا طوال ليالي رمضان إلا أن خفافيش الظلام ودعات المنكر أقدموا على إغلاقها في السنوات الماضية وظلت مغلقة وتحول فتحها – في غير وقت أداء الفرض – إلى جريمة يعاقب عليها وهذه من الموبقات التي حلت بنا خلال الفترة الماضية لا لشيء إلا لأن قرون الوهابية – مؤيدة بنزوات الإخوان المسلمين – ظهرت في هذه الأزقة والحواري وبدأت رحلة التبديع والتفسيق لكل شيء جميل يعلي من شأن الدين ويرفع مكانته.
واليوم ها هي الأمور تعود إلى نصابها والناس يعودون إلى المساجد كما كانوا يحيونها بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وحلقات الدرس، كلهم في حضرة الله لا هم لهم إلا التزود بالصفات الإيمانية التي ترضي الخالق سبحانه وتعالى وتسمو بالنفوس إلى معالي الكرامة، وهذه هي وظيفة الدين الحقيقية لأن الإسلام جاء بكل الصفات الحميدة وجعل الدين معيار التمايز بين المسلمين ، فهو ليس دين عبادات فقط لكنه في الأساس عمل وسلوك ، والعبادات دورها أن تحفز النفوس على الاستقامة والسير في الطريق القويم، وهذا هو أساس التدين الذي عرفناه وعاشه أهل صنعاء على مدى قرون من الزمن، وهم اليوم- بفضل الله سبحانه وتعالى – يغترفون من نفس المعين بذات الروح الإيمانية والتطلع إلى الظفر برضوان الله سبحانه وتعالى والفوز بالجائزة الكبرى وهي الجنة .
أحاديث الترغيب والترهيب ..
حضرت في أحد المساجد وإذْ برجل قد اعتلى المنبر يتحدث عن فضائل رمضان – وكما قلنا ستظل هذه هي عظمة مدينة صنعاء، كل شيء فيها يتحدث عن الدين وكل سلوكيات أهلها تميل إلى الدين وتحاول الاغتراف من معينه الصافي، ولم يطل الحديث لكنه في بضع دقائق أورد عدة أحاديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تتعلق بطلوع ونزول الملائكة، فاستغربت جداً لأن هذه الأحاديث هي إما مدسوسة أو أن علماء أجلاء فضلاء أضافوها في إطار توجهات ترغيب وترهيب الناس للإخلاص في العبادة والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلوب صادقة.
من هذه الأحاديث التي أوردها نفس الرجل، قوله عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بأن ملك ينزل في كل ليلة من ليالي رمضان إلى السماء الدنيا ويقول هل من مستغفر ! هل من تائب ! ،.. إلخ عندها لم أسكت استدعيته وبدأت الحوار معه، قلت له هذا الحديث إذا كان صحيحاً فإنه يتناقض مع نصوص قرآنية واضحة مثل قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) وقوله تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) صدق الله العظيم ، أي أن الله سبحانه وتعالى أقرب إلى البشر وإلى كل إنسان من حبل الوريد وليس رئيس مخابرات ينتظر تقارير المخبرين عن سلوكيات هذا وذاك ، لأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وآيات كثيرة دلت على عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته تجعل من هذا الحديث مجرد نصوص ابتدعها البعض بحسن نية ربما ليدفع الناس إلى الطاعة وهذا سيكون اجتهاداً يحصل عليه أجراً واحداً كما جاء في الحديث النبوي الشريف “من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجرا واحد”، أو كما قال، وهذا تأكيد على أن الله سبحانه وتعالى يطلب من البشر البحث والتدقيق والإبداع ويدلهم على مكامن الخير وعلى كل إنسان أن يبحث عنها ويتجه إليها من تلقاء نفسه لأن عمله هو الذي سيدخله الجنة أم يهوي به إلى النار – لا سمح الله – نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لصيام وقيام هذا الشهر كما يحب ويرضى، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.. والله من وراء القصد .