تعانق عنان السماء..قلعة القاهرة في حجة.. رمز تاريخي وحضاري

 

تمتاز محافظة حجة بعدد وفير من القلاع والحصون، من أهم المعالم التاريخية قلعة القاهرة، أبرز المواقع السياحية والأثرية في المحافظة وأحد المراكز الإشعاعية والمدارس الفكرية ذات البصمة الواضحة في قيام ثورة 26 سبتمبر.
تتربع قلعة القاهرة القائمة على قمة الجبل المسمى باسمها شمال حجة، والتي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن الحادي عشر الميلادي أثناء حكم الدولة الصليحية، وقد تم تجديد بنائها في القرن السادس عشر الميلادي خلال التواجد الأول للدولة العثمانية في اليمن، كما خضعت للتجديد والإضافة والترميم في فترات متباعدة.
تتكون قلعة القاهرة من عناصر فن هندسة بنائها المعماري، وكما تبدو من الخارج تقف عملاقة على قمة جبل القاهرة، على ارتفاع ألفي قدم عن سطح البحر على عكس القلاع والحصون المجاورة فإن الطريق إليها مكشوفة سهلة الارتقاء وخالية من أي حماية محكمة، وتمتاز القلعة أن هيكل مبناها الخارجي الظاهري يشكل جسماً واحدا مع سورها الذي يغطي كل مساحة القمة بما لا يسمح لأي كان باجتياز القلعة سوى عن طريق بوابتها الرئيسة الواقعة في الجهة الغربية، وتأخذ القلعة شكلا دائريا تربيعيا ما يسمح بالتجوال داخله بأمان، والصعود منه كذلك إلى غرف الإقامة كما إلى سطح القلعة المكشوفة ومواقع الاستحكامات فيه وإلى خزان الماء ومبنى المستودع ودورة المياه، مثل أي سكن عادي على رؤوس الجبال في اليمن تتوفر لأصحابه الحماية الداخلية من القناصة في الخارج من خلال فتحات صغيرة للمراقبة والرماية، مع امتلاك الصلاحية في نفس الوقت لعملية العزل الاجتماعي وإبعاد ساكنيه عن الحياة العامة.
تبلغ مساحة مبنى القلعة والسور عند مستوى قمة الجبل شبه المستطيلة، 700 متر مربع، ويشكل مبنى القلعة الرئيس المكون من ثلاثة طوابق القسم الداخلي للقلعة، والذي يتم الخروج منه إلى سطحها عبر بوابة صغيرة، حيث تقع الدفاعات الخارجية المطلة على واجهة المدينة وأجزائها الشرقية والغربية شبه المخفية، ويمثل أسلوب فن عمارة القلعة بشكل عام الطراز المعماري القديم المعدل، فهو من ناحية تصميم المدخل والمخارج وحجم نوافذ الغرف وأسلوب وضع السلالم وقواعد الحيطان يمثل طابع فن العمارة اليمني الأصيل، في حين يحكم هيكلية شكل المبنى الداخلي أسلوب هندسة العمارة التركية.
تجسد في القاهرة، الابتكارات اليمنية الدالة على عبقرية أجدادنا، ومن تلك الاختراعات التي سبقت عصرها موانع الصواعق، فقد استطاع اليمنيون أن يتكيفوا مع بيئاتهم المختلفة، وأن يسخروا جغرافية المكان وتنوع المناخ لصالحهم؛ فبالرغم من صعوبة السكن في قمم الجبال وخطورتها إلا أنهم استطاعوا أن يقدموا حلولاً لكل تلك المشاكل، وكان ارتفاع المدينة القريبة من السحب والغيوم وخطورة الصواعق والبروق على المكان أن اهتدوا إلى اختراع موانع الصواعق من خلال فكرة جذب الشحنات الكهربائية إلى قاع بئر ماء من خلال قضبان حديدية منتشرة أطرافها خارج البئر وطرفها الآخر في قاع البئر، وهذا ما نجده في قلعة القاهرة، كأحد المخترعات التي سبقت عصرها في هذا المجال، كما يوجد بها نفق سري يمتد من وسطها إلى خارج أسوارها من الجهة الشمالية.
وكانت القلعة على الصعيد التاريخي موطنا للعديد من حكومات الأئمة، ففي نهاية الأربعينات وبداية الستينات من القرن الماضي، شهدت قلعة القاهرة جملة من الأنشطة الحربية والأعمال العسكرية الهامة التي غيرت طابع اللوحة السياسية لليمن المعاصر، وأبرزها في حركة 48، والأخرى عام 1955م، وذلك في أعقاب تحرك قوات المعارضة للحركتين، واتخاذهما من مدينة وقلعة حجة منطلقها لمقاومة تلك الحركات، وإسقاطها أخيراً على يد كل من الإمام أحمد في عام 1948م، وللبدر بالنسبة لثورة 1955م، إلا أن أعوام 1962م، 1965، 1968م، كانت مميزة وحاسمة في حياة المدينة هذه وقلعتها المتعلقة على جبل القاهرة، حيث انتقل زمام المبادرة خلالها إلى يد قوى الثورة التي تمكنت قيادتها من السيطرة على القلعة والمدينة، والانطلاق منهما لاستعادة المناطق والمدن المجاورة التي سقطت في يد القوى المعادية للثورة.

قد يعجبك ايضا