التحقيق الدولي يواجه مأزق «المناطق الرمادية»

الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا.. حملة تضليل كلاسيكية أم تهديد حقيقي ؟

منذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا، كان ملف المنشآت النووية ومختبرات تطوير الأسلحة البيولوجية الأوكرانية على رأس قائمة أهداف القوات الروسية التي استطاعت السيطرة على محطات نووية ومختبرات بيولوجية، غير أن تداعيات العملية العسكرية كشفت عن اتهامات بأنشطة سرية لتطوير أسلحة بيولوجية، أشاعت مخاوف دولية من مخاطر استعمالها في ظل استعانة أطراف الصراع بمقاتلين أجانب قد يحولون أوكرانيا مسرحا لحرب بيولوجية منفلته تهدد أمن أوروبا والعالم.
الثورة / أبو بكر عبدالله

كما هو الحال مع التهديدات الدولية الكبيرة، انقسمت دول العالم في جلسة مجلس الأمن الأخيرة التي عقدت بطلب من روسيا لبحث تهديدات الأسلحة البيولوجية في الحرب الدائرة في أوكرانيا، فمنهم من اعتبرها حملة تضليل كلاسيكية تضاف إلى ضجيج البروبغاندا المرافق للحرب، بينما اعتبرها آخرون جرس إنذار لمرحلة جديدة بالغة الخطورة قد تتغير فيها قواعد الصراع بين روسيا والغرب، بوضع السلاح البيولوجي على الطاولة كواحدة من أدوات الحسم بين أطراف ضالعة في صناعة هذه الأسلحة المحرمة.
منذ العام 1972 الذي شهد توقيع 138 دولة في أنحاء العالم اتفاقية حظر تطوير الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، تجنبت العديد من الأطراف الدولية إعادة بحث هذا الملف في أروقة المنظمة الدولية، رغم استمرار العديد من الدول بالأبحاث البيولوجية للاستعمال الحربي وامتلاكها كميات كبيرة منها، غير تداعيات الحرب الأوكرانية وضعت هذه القضية بقوة على الطاولة، ضمن سياق عام وضع القوى العظمى أمام مكاشفة أولى حيال شرعية الأدوات التي تستخدمها للحفاظ على نفوذها الدولي، ومدى التزامها بالاتفاقيات الدولية المعنية بصون السلام والأمن العالمي وفي المقدمة اتفاقية حضر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
هذا التحول لم يكن بعيدا عن حال التوتر الذي يعشه العالم جراء الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الدولية على روسيا والتي أرغمتها على خلط الأوراق سعيا لكشف الطبيعة الحقيقية للصراع مع أمريكا والغرب وأثبات شرعية المخاوف الروسية التي أرغمتها على اجتياح أوكرانيا وتجريدها من السلاح.
هذه المرة لم تكتف روسيا بالحديث المنفرد عن هذه الملف مع دول صديقة كالصين أو دول مجموعة البركس، بل وضعته على طاولة النقاش الدولي عندما طلبت من مجلس الأمن عقد جلسة خاصة، ساعدتها في تجاوز قيود العزلة الإعلامية التي فرضتها العقوبات الأمريكية والغربية للفت النظر حيال مخاطر تتجاوز أمن روسيا للأمن العالمي.

تفاعلات متسارعة
لم يكن ملف أنشطة المختبرات البيولوجية مطروحا في الضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا من أمريكا والناتو، قبيل غزو أوكرانيا، رغم التقارير التي كانت تحدثت قبل ذلك التاريخ عن إشراف الولايات المتحدة الأمريكية على أنشطة 336 مختبرا بيولوجيًا منتشرة في 30 دولة منذ سنوات طويلة.
لكن هذا الملف طفى إلى السطح بعد التقارير الروسية التي اتهمت واشنطن بإدارة شبكة من 26 مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا توزعت في مدن لفيف وخاركيف وبولتافا وغيرها من المدن، دمر بعضها الجيش الأوكراني مؤخرا وعثر الخبراء الروس في مواقعها على آثار لمسببات أمراض شديدة العدوى مثل الطاعون والجمرة الخبيثة وداء البروسيلات والدفتيريا وداء السلمونيلات والدوسنطاريا.
أخذ الاهتمام الدولي بهذا الملف بعدا آخر عندما تبنته الحكومة الصينية رسميا خلال القمة الثلاثة الأخيرة التي جمعت الرئيسين الصيني والفرنسي والمستشار الألماني، ما أثار قلقا وأسئلة بالداخل الأميركي لتكشف معه مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز أن أوكرانيا تشغل أكثر من 10 مختبرات بيولوجية، تعمل في مشروعات تتعلق بالاستجابة الدفاعية والصحية، قبل أن تظهر الطامة الكبرى بتصريحات أطلقتها نائب وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، أمام الكونغرس تحدث عن مختبرات بيولوجية أميركية في أوكرانيا، وتأكيدها بأن هناك هياكل بحث لا يجب أن تقع بأيدي القوات الروسية.
لكن التوضيح لأميركي لم يكن مطمئنا للعديد من العواصم، التي ذكّرت العالم بحذف سفارة الولايات المتحدة في أوكرانيا في فبراير الماضي تقريرا تناول الوثائق المتعلقة بالمختبرات البيولوجية الأمريكية من موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، لتطرح معه تساؤلات عما تخاف منه الولايات المتحدة وتسعى لإخفائه في المختبرات البيولوجية الموجودة في أوكرانيا ودول أخرى.
كانت البيانات الأمريكية المحذوفة من موقع السفارة الأمريكية في أوكرانيا قد حدثت عن إدارة واشنطن 26 مختبرا بيولوجيًا في أوكرانيا، وأن لدى وزارة الدفاع الأمريكية سيطرة مطلقة على هذه المختبرات، حيث تقود الولايات المتحدة جميع الأنشطة البحثية لها، ولا يجوز الكشف عن أي معلومات دون إذن من الولايات المتحدة.
هذه التداعيات فتحت الباب على مصراعيه للحديث بصوت مسموع عن مخاطر الأبحاث البيولوجية ومدى التزام الدول العظمى بالاتفاقيات الدولية الموقعة بهذا الشأن، لتعلن وزارة الدفاع الروسية أن موسكو اكتشفت خلال العمليات العسكرية مشروعا بيولوجيًا عسكريًا تموله الولايات المتحدة ويتم تنفيذه في أوكرانيا، ما اعتبرته انتهاكاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية والبيولوجية الموقعة في سبعينات القرن الماضي من 138 دولة سعيا إلى ضمان امن عالمي بعيدا عن هذا النوع من الأسلحة التي تصنف بكونها من أسلحة الدمار الشامل.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قدمت إفادة تمهيدية تكشف أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 200 مليون دولار لتشغيل المعامل البيولوجية في أوكرانيا التي كانت جزءا من البرنامج البيولوجي العسكري الأمريكي، في حين أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها نصحت أوكرانيا بالتخلص من الجراثيم عالية الخطورة في مختبراتها، لتقر واشنطن بعدها أن أوكرانيا تشغل 12 مختـبرا مرتبـطا بمشاريع الأمن البيولوجي.
الرئيس الشيشاني رمضان قديروف شارك في هذا المضمار بكشفة معلومات ربطت بين تفشي الأمراض الخطيرة في أوكرانيا من عام 2008 إلى عام 2019 بأنشطة المختبرات البيولوجية الأمريكية.
وفي مقال نشره على صفحته على منصة «إنستغرام» كتب قديروف: لقد صدمت بشدة من الأخبار بشأن وجود عشرات المختبرات البيولوجية على أراضي أوكرانيا تمولها الولايات المتحدة والتي تم تطوير أسلحة بيولوجية فيها» ما عزز المطالب الدولية للتحقق من وضعية المختبرات البيولوجية، وتقديم الولايات المتحدة معلومات مفصلة عنها، لا سيما مع تدهور الأوضاع الأمنية في أوكرانيا وتدفق المقاتلين الأجانب إليها، والتي قد تجعل كل مختبر بيولوجي في الأراضي الأوكرانية بمثابة قنبلة موقوتة.

مكاشفات روسية
لم تكن روسيا في يوم من الأيام بعيدة عن ملف الأسلحة البيولوجية، فهناك اتهامات لها بالاستمرار بتطويرها حتى بعد إتلاف مخزونها الذي ورثته من الاتحاد السوفيتي عام 2017 بإشراف أممي.
وثمة من يرى أن التداعيات غير المتوقعة لحربها في أوكرانيا وضغوط العقوبات الدولية التي تواجهها هي من دفعها لوضع هذا لملف على طاولة البحث الدولي في الجلسة التي طالبت مجلس الأمن بعقدها بهذا الخصوص، حيث قدم مندبها بيانا تناول فيه الكثير من التفاصيل بهذا الملف، في خطوة بدت مناورة استبقت فيها موسكو اتهام الولايات المتحدة بإدارة أبحاث بيولوجية في أوكرانيا، لقطع الطريق أمام احتمالات اتهام روسيا باستخدام هذا النوع من الأسلحة في حربها بأوكرانيا.
برر المندوب الروسي في مجلس الأمن دعوة موسكو لعقد الجلسة إلى مستجدات بشأن عملية طارئة لإزالة آثار أعمال بيولوجية في أوكرانيا بدعم أميركي في إشارة إلى الحريق الذي نشب في مختبر خاركوف للفيزياء والتكنولوجيا، حيث يوجد هناك مفاعل نووي تجريبي، وقالت روسيا أنه نشب بسبب قيام الأوكرانيين بتفجير أحد مبانيه بهدف إخفاء أنشطة بحثية نووية تمت ممارستها هناك، قبل أن تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أنها لم تسجل أي إشعاعات بسبب الأضرار التي لحقت بمنشأة إنتاج النيوترونات.
بهذه الحادثة عززت الموقف الروسي باتهام واشنطن وأوكرانيا بتطوير أسلحة ببيولوجية، ناهيك عن اتهام واشنطن بالإشراف على المئات من المختبرات البيولوجية في أكثر من 30 دولة بالشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وعلى حدود روسيا.
وبحسب المندوب الروسي بمجلس الأمن فإن هذه الأنشطة بدأت منذ 2014 وهو العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، وذلك ضمن برنامج أطلق عليه «الإصلاح» نفذته منظومة الرعاية الصحية الأوكرانية بالتعاون الولايات المتحدة الأمريكية، وأدى إلى زيادة كبيرة في الإصابة بأمراض مختلفة مثل الحصبة التي زادت على سبيل المثال بنسبة 100 % بالإضافة إلى الحصبة الألمانية وكذلك أنفلونزا الخنازير، حيث توفي 20 جندي أوكراني ودخل 200 آخرين المستشفيات، كما توفي نحو 364 مدني بأنفلونزا الخنازير فضلا عن تفشي أمراض أخرى مثل حمى الخنازير الأفريقية.
المعلومات التي قدمها المندوب الروسي لمجلس الأمن أفادت أيضا بأن تحليل بعض الطيور هناك كشف عن حملها بعض الفيروسات من خزان خيرسون ومورينزيك ووجود نحو 140 حاوية في أوكرانيا تشتمل على الطفيليات الخارجية للخفافيش وهي تمثل مواد بيولوجية خطيرة يمكن أن تنتشر ليس فقط في هذه المنطقة، بل في أوروبا فضلا عن وجود 232 حاوية تشتمل على عدد من المواد المسببة للأمراض لخدمة برامج بيولوجية عسكرية، ما يهدد بالتفشي الخطير وغير القابل للسيطرة للأمراض الخطيرة، في ظل احتمالات وقوعها بأيدي الإرهابيين أو استخدامها في عمليات إرهابية.

نفي أميركي وتحفظ صيني
كان البيان الروسي في جلسة مجلس الأمن قد سبقه إفادة قدمتها الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو التي أكدت أمام المجلس إن الأمم المتحدة «ليس لديها علم بأي برنامج أسلحة بيولوجية في أوكرانيا التي انضمت إلى حظر دولي على مثل هذه الأسلحة كما فعلت روسيا والولايات المتحدة إلى جانب 180 دولة أخرى».
وجوبهت المعلومات والاتهامات الروسية بنفي أميركي أوكراني قاطع، عبرت عنه السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد التي نفت كليا دعم واشنطن لمختبرات بيولوجية وأن أوكرانيا تملك وتشغل مختبرات تتعلق بالصحة العامة تساعد فيها الولايات المتحدة بشكل آمن وواضح وعلى الملأ، معتبرة طلب روسيا عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة مزاعم موسكو المعلنة دون أدلة، جاء لغرض وحيد هو بث الأكاذيب والمزاعم، التي تعيد إلى الأذهان تحذيرات وزير الخارجية الأميركي بأن روسيا قد تصنع ذرائع لتبرير استخدامها أسلحة بيولوجية ضد الشعب الأوكراني.
وفي حين اكتفى المندوب الروسي بتقديم بيانات دون أدلة موثقة، لم تقدم السفيرة الأمريكية لمجلس الأمن أي بيانات واقعية بشأن الأنشطة التي وصفتها بأنها آمنة، كما لم تقدم أي دليل عن تخطيط روسيا لهجوم بيولوجي وشيك في أوكرانيا مكتفية بالقول إن لدى «روسيا سجل قياسي من الاتهامات الكاذبة لدول أخرى بالانتهاكات التي تقترفها روسيا نفسها، مذكرة باستخدام روسيا أسلحة بيولوجية في اغتيال المعارضين وكذلك في سوريا استنادا إلى تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي اتهمت النظام السوري باستخدام أسلحة كيميائية في السنوات السبع الفائتة.
الموقف الأميركي تطابق مع الموقف المملكة المتحدة الذي عبرت عنه المندوبة البريطانية في مجلس الأمن باربرا ودورد باعتبار ما قدمته روسيا سلسلة من نظريات المؤامرة التي لا أساس لها، وأن ما جاء في البيان الروسي محض أكاذيب ودعاية تستهدف تقديم المبررات لروسيا وتكشف نياتها المبيتة في استخدام أسلحة بيولوجية في حربها في أوكرانيا، كجزء من استراتيجية خبيثة للتضليل وذر الرماد على العيون جعلت منها روسيا أداة من أدوات الحرب.
أما المندوب الأوكراني فقد رفض ما سماه «الادعاء الروسي» واعتبره ذريعة مزيفة قد تهدف إلى تبرير احتمال استخدام روسيا نفسها لسلاح كيميائي ضد مدن في أوكرانيا، مشيرا إلى أن لدى أوكرانيا مختبرات تعمل بشكل شرعي، ويستخدمها العلماء لأبحاث تهدف إلى حماية السكان من أمراض مثل كورونا، دون تقديم تفسير عن طلب منظمة الصحة العالمية من أوكرانيا التخلص من أي عوامل مسببة للأمراض في مختبراتها.
ورغم أن الصين كانت من أوائل الدول التي نشرت تقارير عن الأنشطة الأمريكية البيولوجية في العديد من بلدان العالم ومنها أوكرانيا إلا أن بيان مندوبها في مجلس الأمن كان متحفظا، ربما بسبب عدم حصول الصين على أدلة ذات موثوقية في هذا الجانب.
اكتفى مندوب الصين بمطالبة واشنطن تقديم توضيح شامل حيال المعلومات الروسية وقبول التحقق متعدد الأطراف معبرا عن إدانة بلاده لأي استحداث أو إنتاج أو تخزين أو حيازة أسلحة بيولوجية في أي بلد وفي أي ظروف كانت وتشجيع الصين الدول التي لم تقم بعد بتدمير مخزونها من الأسلحة البيولوجية أن تقوم بذلك بأسرع وقت ممكن، مع دعوتها الدول الموقعة على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية إلى التنفيذ الفعال للالتزامات وفقا للاتفاقية.
الأمر ذاته حملته بيانات مندوبو الهند والمكسيك والبرازيل والغابون، الذين عبروا عن قلق دولهم من مخاطر الأسلحة البيولوجية، وشددوا على العودة لاتفاقية الأسلحة البيولوجية وتحديدا المادة الخامسة التي تنص على أن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ينبغي أن تتشاور مع بعضها وأن تتعاون لتسوية أي مشكلة يمكن أن تحدث في حال لم يتم الالتزام بالاتفاقية أو تطبيق أحكامها من خلال إجراءات دولية ملائمة في إطار الأمم المتحدة وميثاقها.
وبصورة عامة يمكن ملاحظة تضارب بين تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن هذا الملف، ففي حين كانت تصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز ونائب وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، تتحدث عن وجود مختبرات في أوكرانيا تتعلق بالاستجابة الدفاعية والصحية وهياكل بحث يجب ألا تقع بأيدي القوات الروسية، كانت تصريحات أخرى تنفي وجود أي أنشطة بيولوجية أميركية في أوكرانيا.
من ذلك إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الذي أكد أنه «ليس لدى الولايات المتحدة مختبرات لإنتاج أسلحة بيولوجية أو كيماوية في أوكرانيا، وأن واشنطن تلتزم بشكل كامل بالمعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية».

مناطق رمادية
كان من الواضح أن نقل روسيا ملف الأسلحة البيولوجية إلى مجلس الأمن استهدف قلب الطاولة على الاستعدادات الأمريكية الكبيرة التي بدت واضحة لإنهاك القوات الروسية في أوكرانيا بحرب طويلة خصوصا في ظل موجات الإجلاء الكبيرة للمدنيين التي سجلت أرقاما قياسيا منذ الحرب العالمية الثانية بعدد بلغ حتى اليوم الـ 20 للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نحو 3 ملايين لاجئ وفقا لتقارير الأمم المتحدة والتي أشاعت مخاوف من كونها ترتيبات لجعل أوكرانيا منطقة حرب قد تستخدم فيها كل أنوع الأسلحة بما فيها الأسلحة البيولوجية.
وتقول موسكو إن الخطوة الروسية بطرح القضية على طاولة النقاش الدولي، سعت إلى تدارك خطر يهدد كل دول أوروبا في ظل المحاولات الأوكرانية الأمريكية التي بذلت في الأيام الأخيرة لإتلاف الوثائق الخاصة بأنشطة المختبرات البيولوجية، ودعت الأوكرانيين إلى إضرام النار في أحد المختبرات البيولوجية.
لكن روسيا لم تقدم أي دليل فوري على وجود أنشطة أمريكية أوكرانية في هذا المجال، ودعوتها مجلس الأمن لعقد جلسة مفتوحة لنقاشه لم تكن أكثر من توثيق لمزاعم تنتظر أن تتحول إلى تأكيدات يقينية في المرحلة القادمة، إذا ما استطاعت أن توفر لها أدلة موثقة.
ورغم أن هذه التطورات قدمت جرس إنذار لمخاطر توسع الحرب الأوكرانية وفقدان السيطرة عليها، فإن الإشكال سيبقى قائما، إذ أن الجهود الدولية الساعية لمحاصرة هذا الملف تدور في منطقة رمادية، بين الأبحاث التي تقوم بها الكثير من دول العالم ومنها أوكرانيا ووسيا وأمريكا وغيرها، في إدارة مختبرات بيولوجية لهدف تعزيز قدراتها في الاستجابة الدفاعية والأمنية المدنية والصحية والتصدي للأمراض الوبائية، وبين التجارب التي قد تتم بصورة سرية في هذه المختبرات لاستخدام مسببات الأمراض الفتاكة كسلاح بيولوجي في الحروب.
والمؤكد أن العالم كله يدين استخدام مثل هذه الأسلحة بوصفها من أخطر أسلحة الدمار الشامل المحرمة، إلا أن الحروب التي تختلط فيها القوات النظامية مع كتائب المقاتلين المتطوعين أو التشكيلات العسكرية غير النظامية كما هو حاصل لدى طرفي الحرب الأوكرانية اليوم، يدعو للقلق، فالمقاتلون الأجانب في الحروب الصعبة قد يستخدمون كل الوسائل بما فيها الأسلحة البيولوجية، كونها الأقل كلفة والأكثر فتكا والوسيلة الأسهل للحسم في ظل فرص كبيرة للإفلات من المسؤولية القانونية والمساءلة الجنائية.

قد يعجبك ايضا