غارات وقرارات.. مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن
مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن (الحلقه 21)
الثورة /
خلال العام 2021م أصدر مجلس الأمن قرارين بخصوص اليمن، أحدهما روتيني متعلق بتمديد ولاية البعثة الخاصة لدعم اتفاق الحديدة، وكما هو المعتاد في القرارات السابقة لم يشجب المجلس أو يُشر إلى أي انتهاكات لـ”اتفاق ستوكهولم”، كون الانتهاكات التي رصدتها اللجان المعنية في غالبها ارتكبها الطرف المحسوب على التحالف.
وبقي المجلس متمسكاً بالولاية الممنوحة لبعثته وموظفي الأمم المتحدة في استمرار تواجدهم داخل الحديدة وموانئها وممارستهم للصلاحيات الإشرافية والإدارية فيها، رغم تجميد المجلس لكافة مقرراته المنصوص عليها في القرار (2451) بخصوص دعم تنفيذ “اتفاق ستوكهولم”، لم يحرك المجلس ساكناً أمام استمرار قوات التحالف بدعم العمليات العسكرية البرية التوسعية داخل المحافظة، واستمرار قيادة التحالف فرض الحصار على الموانئ وعدم السماح بدخول السفن التجارية والنفطية مما شل الحركة بشكل كامل في موانئ محافظة الحديدة في سياسة متعمدة لتجويع الشعب وتجفيف موارده والضغط على حكومة صنعاء وإرغامها على إيقاف حملاتها العسكرية في محافظات البيضاء ومارب والجوف لتحريرها من عناصر القاعدة والقوات التابعة للتحالف.
يقول المثل العربي “صمت دهراً ونطق كفراً”، وهو مثلٌ ينطبق على قرار مجلس الأمن رقم (2564)، فقد صمت مجلس الأمن ست سنوات ولم يدن جريمة أو انتهاكاً واحداً قامت به قوات التحالف على الرغم من توثيق عشرات بل مئات الجرائم من قبل فريق خبرائه وفريق الخبراء البارزين لمجلس حقوق الإنسان بجانب الجرائم التي وثقتها أجهزة ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة في تقارير منشورة على مواقعها الالكترونية ومترجمة بمختلف اللغات.
ذلك القرار الذي أصدره مجلس الأمن في 25 فبراير2021م، هو قرار استثنائي ألغى فيه التزامه بتطلعات الشعب اليمني والذي كان يكرره في كل ديباجة من القرارات السابقة مرافقاً لالتزامه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، كما أعلن فيه لأول مرة إدانة أحد أطراف النزاع الذي نشأ نتيجة قيام دول التحالف بقيادة السعودية بعدوان مستمر على اليمن منذ 26 مارس 2015م حتى اليوم، لكن الإدانة لم توجه نحو الطرف الذي يقصف اليمن بالصواريخ والقنابل ليلاً ونهارا ويجوع شعبه بحصار مستمر منذ قرابة سبع سنوات، ولم توجه الإدانة كذلك لعملية “عاصفة الحزم”، أو “إعادة الأمل”، أو “السهم الذهبي”، وعملية “النصر الذهبي”، وعملية “قادمون يا صنعاء”، التي حرك التحالف فيها قواته من محافظة مارب لاقتحام العاصمة صنعاء وغيرها من عمليات التحالف التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من النساء والأطفال والمدنيين، ولم تكن الإدانة لقتل واعتقال عشرات المسافرين والمسافرات ما بين مارب وصنعاء، ولم تكن الإدانة لمئات الغارات التي نفذتها الطائرات السعودية والإماراتية على مطار صنعاء والحديدة وعدن وغيرها، بل كانت إدانة مجلس الأمن “الشديدة”، على: “التصعيد المستمر في مارب باليمن، بما في ذلك العملية التي نفذها الحوثيون في 7 فبراير 2021م”! وأيضاً “استمرار هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، بما في ذلك على مطار أبها الدولي”، داعياً إلى “وقف فوري للهجمات دون شروط مسبقة”.
إن منطق الاستكبار والاستضعاف لليمن وشعبه مازال طاغياً على قرارات مجلس الأمن ولم يستطع استيعاب الوضع الجديد بأن اليمن ظُلِم واعتُديَ عليه لما يقارب سبع سنوات والمجلس صامت إرضاءً للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وحلفائهما من بعض الدول العربية الذين فشلوا في إخضاع شعبه واستكمال مؤامرة احتلال وتقسيم أرضه ونهب ثرواته.
لم يستطع المجلس استيعاب أن هناك إله عظيم يحكم الكون لا يرضى باستمرار الظلم والجور والفساد في الأرض وهو وحده من يستطيع قلب الموازين ونصر المستضعفين وإمدادهم بالقوة والعزة والنصر ما داموا يؤمنون به وهم على الحق، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم – آية 47، واليمنيون يمارسون حقهم الطبيعي بل واجبهم الحتمي في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم وأموالهم، ذلك الحق المكفول في ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية والشرائع السماوية، فبعد أن صادر مجلس الأمن كافة حقوق الشعب اليمني المكفولة ضمن الأمم المتحدة كون اليمن عضواً فيها، وتغاضى عن كافة الانتهاكات التي وقعت عليه، استمر في قراره (2564) بمحاولاته في التحريض وتضليل الرأي العام العالمي ضد اليمنيين وأعلن عن مصادرة آخر تلك الحقوق التي لا يختلف عليها اثنان وهو حق الدفاع عن النفس التي بينتها المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة “.(1)
وكذلك لم يُخفِ المجلس حالة الإحباط واليأس التي رافقت صياغته وتصويته على القرار فحاول في الفقرة التي تلت الإدانة أن يُعلن موقفاً طال انتظاره حتى لم يعد له أي قيمة حقيقة لدى الشعب اليمني، فأخيراً أعلن مجلس الأمن ضرورة وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني ودعمه للوقف الفوري للأعمال العدائية في اليمن، في مقايضة واضحة – أعلنتها دول أخرى فيما بعد – تشمل التنازل عن تحرير مارب مقابل إيقاف العدوان على اليمن(2)، فالفقرة الثانية من الديباجة نصت على: “وإذ يشدد على ضرورة وقف التصعيد في جميع أنحاء اليمن ووقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وإذ يدعو إلى تنفيذ نداء الأمين العام لوقف إطلاق النار على الصعيد العالمي على النحو المفصل في القرار (2532) 2020م، وكذلك دعوته المؤرخة 25 مارس 2020م إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية في اليمن،”.
وبالرغم من مرور كل هذه السنوات والأحداث التي أثبتت أن أعمال دول التحالف بقيادة السعودية ومجلس الأمن هي من تشكل خطراً يهدد السلام والأمن في اليمن والمنطقة والعالم، وخاصة مع تعمدهم مخالفة كافة المرجعيات القانونية والعرفية والشرعية، لم يخرج مجلس الأمن بجديد في قراره (2564) الذي أصدره بموجب الفصل السابع، فلم تعالج ما أدانه في الديباجة كما لم يساهم في إصلاح أخطائه المتراكمة،
فقرة واحدة كشفت الهدف الحقيقي للمجلس في قراره هذا، وهو محاولته في استمرار التحريض والتضليل للرأي العام الدولي وتشويه حكومة صنعاء ومكون “أنصار الله”، بإقرار إدخال مدير البحث الجنائي في صنعاء “سلطان صالح زابن”، إلى قائمة العقوبات بدعوى الاعتداء على النساء في السجون.
وعلى الرغم من غباء هذا الادعاء ـ كون زابن من أبرز الشخصيات الأمنية التي تصدت للعناصر الإجرامية وتنظيم القاعدة وساهمت في استقرار الحالة الأمنية في المحافظات الشمالية (3)ـ فإن المجلس لم يتنبه إلى أنه كان يمكن أن يؤثر حقيقة في سير الأحداث على الأرض بتصحيح ولو خطأ وجانب قصور واحد من قِبله، فلو أنه قام بإدخال مجرمي الحرب من القادة العسكريين للتحالف الذين ثبت تورطهم في الاشتراك وتنفيذ جرائم وانتهاكات سبق أن حققت فيها فرق الخبراء من مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، لكان هذا القرار هو الأكثر تأثيراً لدى اليمنيين قيادة وشعباً ودافعاً لهم للتعامل بإيجابية مع المجلس في حال لمسوا منه نية حقيقة لتصحيح مساره والعودة إلى القيام بمهامه وفق ميثاق الأمم المتحدة.
نخلص من ذلك أن مجلس الأمن في عام 2021م استمر للأسف في مخالفاته لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية المنطبقة على الحالة في اليمن، وأعلن عن حرصه على انتزاع السيادة من اليمنيين في إدارة مواردهم وثرواتهم في مارب والحديدة، ولم يُظهر اهتماماً حقيقياً بمآسي الشعب اليمني ولم يعمل على إيقاف العدوان عليه وفك الحصار عنه، متعمداً تجاهل الجرائم والانتهاكات التي وثقتها تقاريره، على الرغم من أن تلكَ هي مهمته الرئيسية والغرض الأساسي من التصرف بموجب الفصل السابع.
(1) ميثاق الأمم المتحدة (النص الكامل) | الأمم المتحدة (un.org)
(2) عبد السلام يكشف لأول مرة خيوط المفاوضات ومبادرة حول مأرب – قناة العالم الاخبارية (alalam.ir)
(3) مدير عام البحث الجنائي العميد سلطان زابن في حوار مع صحيفة “المسيرة”: قضية الاغبري جنائية بحتة | صحيفة المسيرة (almasirahnews.com)