النظام الرأسمالي ينهار

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد


تقول التجارب وحقائق التاريخ “أن دوام الحال من المحال”، ويبدو أن النظام الرأسمالي آيل للسقوط كما سقط من قبله النظام الاشتراكي وتداعت من بعده المنظومة الاشتراكية الدولية كلها، واليوم تلوح في أفق الواقع بوادر سقوط المنظومة الرأسمالية التي تغلغلت في مفاصل الاقتصاد العالمي وأصبحت تفرض قيودا وتشكل تهديدا على الأنظمة السياسية في العالم، ويلوح في الأفق أن روسيا سوف تنتقم للاتحاد السوفييتي وتسقي أمريكا من ذات الكأس الذي شربت منه ذات يوم، فالحرب التي يشتعل أوارها في أوكرانيا كانت محسوبة الأبعاد والجوانب، فالتجارب الكثيرة جعلت بوتين يخوض حربه مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا في مستويات متعددة ليس البعد العسكري إلا خيارا واحدا منها، لكنه كان يدرك البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ولذلك نجح في تطهير الشركات الروسية الكبرى من شوائب الرأسمالية التي سارعت إلى طرح أسهمها بثمن بخس، فربح الروس المليارات من خلال الخوف وشبح الانهيار.
فقد الغرب مفردات الضغط الكبرى على الروس، وبالتالي كان وسيكون لمفردات المقاطعة للمنتجات الروسية من البترول والغاز الأثر السلبي الأكبر على الاتحاد الأوروبي وعلى أمريكا نفسها، فالمؤشرات تتحدث عن ارتفاع أسعار الطاقة والوقود وأسعار الكثير من المواد الغذائية في السوق العالمية .
تحرر الاقتصاد الروسي من تبعيته للنظام الرأسمالي، إذ كان نصف الدخل القومي يذهب إلى حسابات خارج روسيا يستفيد منها الاتحاد الأوروبي وأمريكا كآلية معروفة للنظام الرأسمالي فهو كالمنشار لا يعطيك إلا بقدر ما يأخذ، يزيد ذلك أو ينقص وفق حسابات المصلحة السياسية وحركة التوازن الدولي .
خدع بوتين الشركات وأصحاب رأس المال الذين يستثمرون في بلاده بذكاء مفرط، قابله غباء مفرط من الغرب الذي بلع الطعم، فقد ترددت الشائعات أن البنك المركزي الروسي ليس لديه القدرة على دعم الروبل الذي سارع بالانهيار فكان الهلع والخوف سيد الموقف، وتلك هي اللحظة التي صنعتها روسيا وأحسنت اقتناصها بسرعة البرق في سياق حربها وحركة توازنها مع أوروبا وأمريكا, فليس من الحكمة أبدا أن تدخل روسيا حربا غير محسوبة العواقب وغير مدروسة فذلك غباء لا تقع فيه روسيا مطلقا، وهي تعرف عدوها كيف يتصرف وما هي ردود فعله المحتملة، لكن روح المباغتة حكمت الموقف وسيطرت عليه، كما أن شيخوخة النظام الرأسمالي أودت به إلى المهالك، وتلك من سنن الله في كونه، فالظلم إلى زوال مهما طال أمده ويدفع الله الظالمين بالظالمين حتى تستقر الحياة .
اليوم العالم يعيد ترتيب نفسه وفق أسس وقيم جديدة، لكن العرب والمسلمين في شغل العداوات فكهون، فلا مشروع يلوح في الأفق اليوم قادر على دخول المعادلة الدولية وتوازنها الجديد سوى المشروع الإيراني، الذي رغم الحصار الاقتصادي ورغم الاستهداف قادر على البزوغ والتحدي، وقد يحسن إدارة المرحلة لأنه يقف على أساس حضاري وثقافي متين، كما أنه يملك مفردات اللعبة وإن بدت صغيرة في ظاهرها إلا أنه سوف ينتصر في خاتمة المآل .
المشروع العربي يعاني الضعف والوهن اليوم فحركة التفكيك التي اشتغل عليها الربيع العربي، وحركة الانقسامات لن تجعله إلا تابعا أمينا للقوى العظمى في العالم، ولذلك لن يكون هناك أي أثر للعرب في بنية النظام الدولي الجديد إلا إذا أعاد ترتيب نفسه في محور المقاومة الإسلامية الذي تقوده ايران، حينها سيكون للمسلمين شأن، لذلك ففكرة القومية العربية لابد أن تذوب في إطار المشروع الإسلامي الجامع فبدونه تصبح عدما وعنصرا خاملا في معادلة الوجود .
فكرة الحرب الكونية غير بعيدة اليوم، فتسارع الأحداث في أوكرانيا وتداعياتها وآثارها لن تترك الدول الصناعية إلا أمام خيارات صعبة وهي الحرب، حتى تحفظ توازنها خوف الضياع والتيه، ولذلك قد نشهد في قابل الأيام حربا كونية، قد تشترك فيها الصين وكوريا وتتداعى فيها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي حرب تفرضها الضرورات للتموضع الجديد للنظام الدولي الذي بدأ يتشكل اليوم في الخارطة الكونية، وإن لم يتحكم العقل في مجرياتها ستكون نهاية مفجعة للكون، فالسلاح النووي الذي تمتلكه الدول التي تخوض هذا الصراع قد يكون خيارا محتملا فروسيا تقول بصريح العبارة لن يكون هناك العالم بدون روسيا، وكبرياء أمريكا وطغيانها سيجعلها أمام الخيار النووي أو قاب قوسين أو أدنى منه .
النظام الرأسمالي أصبح اليوم محاصرا بشبح الانهيار وهو منهار لا محالة، فالغبن والاستغلال الذي طغى به ومارسه في الزمن الماضي سوف يكون سببا مباشرا في سقوطه، كما أنه كان يتعامل مع البشر بمعايير مزدوجة وأشاع القتل والدمار في الكثير من الأوطان، ويتعامل مع البشر بتمايز غير عادل وهو تمايز ضد سنن الله في كونه وضد فطرته التي فطر الناس عليها، وحركة التدافع من سنن الله في ترتيب الكون خوف الفساد وخوف الظلم والتمايز.. والعاقبة للمتقين .

قد يعجبك ايضا