مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن
غارات وقرارات.. مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن ” الحلقة 19 “
خلال فترة العدوان 2015 – 2021.. مجلس الأمن يعلن توقف الزمن
الثورة /
لم يتخذ مجلس الأمن أي موقف مسؤول منذ إصداره القرار (2216) في 14 أبريل 2015م بعد 20 يوماً من إعلان السعودية من واشنطن بدء العدوان على اليمن، وفي هذا القرار تنصل المجلس عن واجباته والتزاماته القانونية والإجرائية حسب ميثاق الأمم المتحدة، محاولاً تبرير جريمة العدوان على اليمن التي تمالأ فيها منذ البداية.
وخلال ما يزيد عن ثلاث سنوات منذ أبريل 2015م وحتى ديسمبر 2018م كان مجلس الأمن يكتفي بإعلان قرارات سنوية مكررة روتينية في محتواها وموادها يصدرها في 26 فبراير من كل عام، لتجديد ولاية فريق الخبراء وتمديد العقوبات على من أدخلهم في قائمة الجزاءات من اليمنيين فقط، مع تكراره للفقرات المعتادة في التزامه بوحدة اليمن وسيادته وسلامته الإقليمية وقلقه من المصاعب السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، بما في ذلك أعمال العنف ومناشدته للأطراف اليمنية حل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور ونبذ أعمال العنف لتحقيق الأهداف السياسية وعدم الالتجاء للأعمال الاستفزازية.
تعمد المجلس التغاضي في قراراته عن ذكر أو تشجيع جولات الحوار والمفاوضات التي تمت برعاية الأمم المتحدة في مسقط (2015) والتي أعلن فيها أنصار الله استعدادهم لتنفيذ القرار (2216)(1)، ومفاوضات الكويت (2016) التي رفض طرف هادي وحكومته توقيع اتفاق تفاهم وسلام شامل، بالرغم من موافقتهم السابقة بسبب رفض التحالف المستفيد من بقاء الوضع كما هو عليه واستمرار توسعه في احتلال الأراضي اليمنية والسيطرة على مقدراتها(2)، في ظل تشجيع مجلس الأمن له، في إشارة لعدم اهتمامه بمفاوضات جادة قد تفضي لسلام حقيقي في اليمن.
تغاضي المجلس عن استمرار العمليات الحربية لدول التحالف بقيادة السعودية في عدوانها على اليمن أكد عدم اهتمامه إلا بالمكاسب التي وعد التحالف بتحقيقها في اليمن لصالح الدول الكبرى الداعمة له وصاحبة حق النقض “الفيتو”، في المجلس كالولايات المتحدة وبريطانيا، كما ظهر ذلك في تجاهله لتنفيذ ما ألزم به نفسه في جميع قراراته بنقاش تقارير فريق الخبراء التابع له التي حققت ووثقت في نماذج من الجرائم التي يرتكبها التحالف في اليمن(3). كما لم يقم مجلس الأمن – ولجنته المكونة من جميع أعضائه – بالالتفات إلى تلك الجرائم والمطالبة بإيقاف ارتكابها عوضاً عن المطالبة بمحاسبة مرتكبيها كونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني، وهي نماذج من آلاف الجرائم والانتهاكات التي قام بها التحالف في مختلف المحافظات اليمنية ونتج عنها سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتدمير الممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية(4). (انظر الفصل الرابع).
في مقابل ذلك فرض المجلس حصاراً كاملاً وشاملاً على المنافذ والأجواء والمياه الإقليمية اليمنية بالرغم من إعلان المجلس شعوره بالأسى والقلق – بعد تأكيده أهمية إجراءات الحظر- لتدهور الوضع الإنساني والقيود المفروضة على إيصال السلع الحيوية للسكان المدنيين(5) وغيرها من آثار الحصار الذي شرّعه وطالب به في قراره (2216)(6). (انظر الفصل الرابع ـ التجويع والحصار).
هذه الجرائم والانتهاكات تزامنت مع عملية توسع تجنيد التحالف للمرتزقة من اليمن وخارجها ودعم تنظيم القاعدة وداعش(7)، مع أن توسع التنظيمين كان مصدر القلق البالغ والأساسي لمجلس الأمن في قراراته اللاحقة لـ (2216)، بعد زيادة نفوذهما في بعض المناطق الجنوبية الواقعة تحت احتلال وإدارة قوات التحالف(8).
وبعد كل ذلك يُنهي مجلس الأمن كل تلك العبارات بإقراره المعتاد بأن الحالة في اليمن لا تزال تشكل خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين وأنه يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لاستمرار إصدار قرارات تلزم اليمنيين بتنفيذ عملية انتقال سياسي بشكل كامل وفي “الوقت المناسب في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، وهي الفترة التي توقف عندها الزمن لدى مجلس الأمن وقراراته(9).
(1) في8 آب/أغسطس 2015 توجه وفد أنصار الله إلى مسقط في 8 آب/أغسطس من العام 2015، للقاء المبعوث الأممي لليمن، الذي كان يبحث وقف إطلاق النار آنذاك. وبعد النقاشات تم الاتفاق على إصدار مبادرة النقاط السبع وكان البند الأول الالتزام بقرارات مجلس الأمن، إلا أنّ التحالف السعودي رفض المبادرة، وأبلغوا وفد صنعاء عبر سفيرة الاتحاد الأوروبي، ووفد رسمي من مسقط بشرط صدور بيان موقع بتلك المبادرة، فوافق طرف صنعاء على شرط التحالف.
في 3 تشرين الأول/أكتوبر2015 قام وفد صنعاء بإرسال رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وسفراء الدول الـ18 تفيد بالموافقة على قرارات مجلس الأمن بما فيها (2216) والاستعداد للحوار، حيث كانت مبادرة سلطنة عُمان تقوم على نقطتين أساسيتين: أولها إقناع طرفي النزاع بـ “هدنة إنسانية” تبدأ بعدها مفاوضات “وقف دائم لإطلاق النار”، والنقطة الثانية أن تستضيف مسقط جولات المفاوضات بمشاركة أممية وأوربية وأمريكية وضمانات دولية.
(2) مفاوضات الكويت، 18 نيسان/إبريل 2016
بعد التفاهمات التي اتفق عليها مع السعودية، تم الاتفاق لإجراء مشاورات في الكويت، ولكن بشرط أن تفي السعودية بتعهداتها التي تم الاتفاق عليها في ظهران. بدأت فعاليات المشاورات حسب موعدها المحدد في 18 نيسان/إبريل 2016، ولكن أجّل انطلاق جلساتها الفعلية إلى الـ21 من الشهر نفسه، بسبب رفض وفد صنعاء أن تعقد أول جلسة مفاوضات قبل توقف الغارات الجوية من جهة، ورفض السعودية وقف الغارات الجوية من جهة ثانية.
وبعد 4 أيام توقفت الغارات لمدة أسبوع واحد فقط ثم بعد ذلك استأنفت السعودية غاراتها الجوية وارتكبت حينها مجزرة مستبأ التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، كما استؤنفت العمليات العسكرية من قبل التحالف السعودي على الجوف بهدف قطع طرق بعض المناطق الاستراتيجية وصاحب ذلك قصف جوي مكثف. واستمرت مفاوضات الكويت 5 أشهر وكان التحالف يطرح على وفد صنعاء الانسحاب من المناطق وتسليم السلاح للعسكريين التابعين لحكومة هادي في مأرب والاعتراف بالشرعية وبعدها الذهاب للحوار السياسي.
ورفض وفد صنعاء ضغوط التحالف السعودي لتسليم مأرب والاعتراف بالحكومة اليمنية المستقيلة بدون البدء بحل سياسي وكانت وجهة نظر وفد صنعاء أن الذهاب نحو حل أمني وعسكري فقط فإن الحل السياسي سيتم ترحيله وسينتهي. بعد ذلك وافق وفد صنعاء على أن يضع التحالف السعودي الخطوات الأولى المتمثلة بالترتيبات الأمنية قبل السياسية واشترط وفد صنعاء أن لا يتم ذلك إلا بعد أن يتم الاتفاق والتوقيع على الاتفاق الشامل والكامل، إلا أن التحالف لم يقبل إلا التوقيع على الجزئية العسكرية من الاتفاق دون التوقيع على الحل السياسي.
بعد فشل إخضاع وفد صنعاء للاتفاق دون الاتفاق السياسي على الأقل، جلس السفير الأمريكي وسفراء الدول الـ18 مع وفد صنعاء مباشرة في الكويت، وقال السفير للوفد بالحرف الواحد “أمامكم الآن صفقة إما أن توقعوها وإما الحصار الاقتصادي سننقل البنك وسنمنع الإيرادات وسنغلق مطار صنعاء”. رد وفد صنعاء “افعلوا ما شئتم لن نستسلم أبداً مهما كان.”
آخر أيام مفاوضات الكويت قدم التحالف مشروعاً أمنياً وعسكرياً مفاده: الانسحاب وتسليم السلاح لقوات الحكومة المستقيلة في مأرب ثم عقد حوار بعد شهرين بعد عودة الحكومة إلى صنعاء، إلا أنه قوبل بالرفض. عاد وفد صنعاء إلى مسقط وتمت محاصرته 3 أشهر حيث مُنع من العودة إلى صنعاء من قبل التحالف.
بعد عودة وفد صنعاء إلى اليمن بأسبوع واحد جاء المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، وقام بتسليم صنعاء خطة أممية شاملة كانت بمثابة “خارطة طريق” وطلب الموافقة كي تتوقف الحرب، أصدر وفد صنعاء بياناً تحفظ فيه على بعض نقاط الخارطة.
بعد أسبوع واحد تقدمت سلطنة عمان بطلب حضور وفد صنعاء إلى مسقط للقاء بمندوبي الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وذهب الوفد ورفض الاعتراف بوزير الخارجية الأمريكي كوسيط، وأخبر وفد صنعاء مسقط أن عمان هي الوسيط أما واشنطن فهي طرف في الحرب، كان الهدف من اللقاء بالدول الكبرى في مسقط هو الضغط للتوقيع على خارطة الطريق المزمنة رغم ما فيها من نقاط تحفظ عليها وفد صنعاء.
ردت صنعاء على طلب عمان بالموافقة على التوقيع على الخارطة وقام بالتوقيع عليها كل من محمد عبدالسلام عن أنصار الله وعارف الزوكا عن المؤتمر وتم تسليم الخارطة لعمان، وتضمنت الخطة الاعتراف بقرارات مجلس الأمن الاتفاق على الحوار المباشر مع السعودية وتوقيع خارطة الطريق المزمنة. بعد عودة الوفد إلى صنعاء من جديد تبين أن المبعوث الأممي تمت عرقلته من قبل التحالف والضغط عليه لعدم المضي في توقيع الاتفاق مع الطرف الآخر وأصبحت تحركات ولد الشيخ تتركز حول زيارة يقوم بها إلى صنعاء والرياض قبل أي جلسة لمجلس الأمن ليضع إحاطته بأنه التقى بكل الأطراف وأن السلام في اليمن بات قريباً.
(3) فقرة مكررة من الديباجة للقرارات 2266 (2016) و2342 (2017) و2402 (2018): “وإذ يشدد على ضرورة أن تناقش اللجنة المنشأة عملا بالفقرة 19 من القرار 2140 (2014) (”اللجنة“) التوصياتِ الواردة في تقارير فريق الخبراء،”
(4) قام المركز اليمني لحقوق الإنسان بتوثيق العديد من الجرائم وتم نشرها في إصدارات متعددة لتقارير وبيانات. للاطلاع يمكن زيارة الموقع الرسمي للمركز على الرابط : المركز اليمني لحقوق الإنسان – Yemen Center for Human Rights (ycfhr.org)