حُجة الله وآية العصر

ألطاف المناري

 

قبل عشرين عاماً تقريباً كانت رقعة الظلم تتسع، وأساليب قمع الأحرار تُطورَ وتُبتَدع، ورجال الدين البعض يُشترى والبعض يُقمع، أمريكا تُقرر من ينخفض في البلدِ ويرتفع، البعض مطيع لها والبعض يكتفي بأن يؤيد ويستمع، والقلة عرف مشاريعها، فندّد وشجب ووعظ وفضح زيفها المبتدع، تلك القلة، البعض أختار الحياد حين قُمع، وذوو الإيمان والعزيمة أصروا على أن تظهر للعالم الحقيقة، لا يخشون بطش النظام أو القرارات الأمريكية، ولا يَهم إن قيل ((متمردين)) أو ((جماعة إرهابية))، وكان السيد حسين رمز الشجاعة العلوية، حيث صدح بالحق في زمن الصمت والسياسية القمعية، نطق بالقول الفصل في زمن عُميت فيه البصائر، وأخذ المال العقول وأصبح العربي للغرب يصفق ويساير، قل الصادقون والثابتون على الدين والمبادئ، وأصبح الشجاع من يندد ويصيح من خلف الستائر!
كان الحق في تلك المرحلة باطلاً والباطل حقاً، ونقد سياسات النظام جريمة، والدعوة إلى التمسك بالدين رجعية، والالتزام بحدود الله إمامية، وبرغم تلك السياسات اللا قانونية انتشرت المسيرة القرآنية، ولم يكن لها مقوم أو إمكانية، سوى كتاب الله ورجال ذوي بأس وهمَّة إيمانية.
تحرك السيد حسين بحركة القرآن كأجداده، فأصبح قرينه واللسان الناطق به في كل مكان، يهتدي بنور آياته في تبديد ظلمات الزمان، ويطرح القضايا ويقدم الحلول من القرآن، استشعر الخطر المحدق بالأمَّة، فأوضح لها البيان، إلا أن بُعدها عن الله وكتابه ودينه جعلها تستبعد حدوث ما كان يتنبأ به حليف القرآن، ولكن الأحداث أثبتت مصاديق قوله وأصبح المستحيل في خبر كان.
تجلى اليوم وبعد مرور عشرين عاماً كل ما كان يطرحه السيد حسين، وكان عند الكثير مستبعداً وقوعه في أي زمان، في عام 2002 م قال السيد حسين لأتباعه: ( أصرخوا وستجدون من يصرخك معكم)، فسخر البعض، واستبعد ذلك البعض الآخر، ولكننا نرى اليوم أنه قد وجد من يصرخ معنا، فالعالم اليوم يرفع شعار الصرخة في كل مكان، ويهتف بها، بتلك الصرخة أُخفي وسُجن وقُتل الآلاف من مردديها، أصبحت اليوم تزيّن شوارع العالم، وأصبح كل حر حتى داخل أمريكا يعرفها ويهتف بها، لقد أضحت شعار للأحرار في كل أنحاء المعمورة.
ارتوى الشهيد القائد من معين القرآن، فأعطي الحكمة، التنبؤ بمستقبل الأمة، فالقرآن كما حكى الله فيه خبر ما قبلنا من الأمم ونبأ ما بعدنا، والقرآن يعطي الحكمة لمن لازمه واستنار به، فقد جاء في أكثر من آية ( يعلمهم الكتاب والحكمة) أي أنه ملازم لها، وهذا ما بدا لنا جلياً في قائد المسيرة القرآنية، حيث أنه قد تنبأ إلى ما ستؤول إليه الأمة العربية، وما يسعى إليه أعداؤها لفصلها عن دينها ومقدساتها، حيث قال في عام 2003م 🙁 اليهود يعملون على فصل الأمةِ عن هويّتها الإيمانيّة، ويتوجهون بجديةٍ للسيطرةِ على الحج، ويعملون بأي طريقة للحيلولةِ بين المسلمين ليتوقفوا عن الحج أو أن يأتوا بأعداد قليلة جداً، وبدأوا بالتقصيد أعني _كل بلد لا يحج منه إلا ما يساوي واحد في الألف، مع أن الله سبحانه وتعالى جعل مكة بالشكل الذي يتسع لأي عدد يحج من الناس، يقولون نقلل عدد الحجاج وكل بلد لا يحج منه إلّا عدد معين، ثم يرفعون تكاليف الحج وهذه خطة أمريكية، ترويض للناس، أن يتقبّلوا تقليص وتقليل عدد الحجاج من كل بلد عدد معين، ويكون عدداً قابلاً للتخفيض، وكل سنة يخفضون أكثر وكل سنة يفتعلون شيئاً، فيما يتعلق بالكعبة، يقولون: قد حصل وباء أو حصل كذا من كثرة الازدحام ، إذاً قللوا العدد، قللوا العدد، حتى يصبح الحج قضية لا تعد محط اهتمام عند المسلمين أو في الأخير يوقفوه).
مرت سنوات على هذا الحديث، واليوم تحقق وبالحرف الواحد، فقد قُلص عدد الحجاج من بعض الدول كإيران وسوريا واليمن، بحجة أن كثرة الحجيج يجعلهم يتدافعوان فيُدهس الكثير منهم، ويختنق البعض الآخر، وكلها حجج واهية، وذرائع تبرر موقفهم أمام الشعوب، تَقلّصَ عدد الحجاج العرب والمسلمين على مدار السنوات الماضية إلى أن مُنعت أغلب الدول من الحج تماماً، مثل اليمن وإيران وليبيا.
اتّضح لنا، من خلال حديث الشهيد، القائد الغاية والهدف من فيروس كورونا، ولماذا صُنع، فاليهود صنعوه ليمنعوا المسلمين من أداء مناسك الحج، بطريقة ملتوية وغير مباشرة، لقد سعوا بكل قواهم للسيطرة على تلك الفريضة التي تمثل قوة للمسلمين كما قال الشهيد القائد، ولم يعد الدين والمقدسات محط اهتمام الكثير من أبناء الأمة، ولقد رأينا اليهود يطوفون في مكة بدلاً عن المسلمين، ويدخلون مساجد الله بصحبة العرب وبضوء أخضر من حكوماتهم، في المقابل يكتفي الكثير بالشجب والتنديد فقط! لقد وصل الأمر بأعداء الأمة إلى أبعد مما قاله الشهيد القائد، فقد سارعوا في فتح مساجد لنا، كما فعل السفير الأمريكي في اليمن في عهد الخائن عفاش في محافظة لحج وأبين، بل وبنوا كنائس لهم في بلاد العرب كالكنيسة اليهودية في الإمارات.
حذر السيد حسين من الخطر المحدق بالأمة، وما يسعى إليه أعداؤها من جعلها دمية في أيديها، وقال في إحدى محاضراته، إن أمريكا وإسرائيل تسعى لأن تُؤسس لها قواعد عسكرية في كل بلد عربي، وهذا ما حدث فعلاً فهي تملك قواعد عسكرية ضخمة في الإمارات والكويت واليمن، أما السعودية فقد أصبحت برمتها تحت إدارتها، حقائق قالها قبل عقود وتجلت اليوم، فمن يتابع الأحداث يشعر وكأن العالم يتحرك حسب ما قاله له السيد حسين، وتلك صفة يُختص بها أعلام الهدى.
استشرف الشهيد القائد مصير إسرائيل وقال: إنها وهَمْ ومصيرها الزوال وهي ضعيفة أضعف من بيت العنكبوت، وليست كما يبدو للكثير بأنها قوية، وتملك جيشاً قوياً، وكلمتهم واحدة، بل على العكس إن جيشها من أضعف الجنود في العالم، وأجبنهم على الإطلاق، وأنها تعيش في حالة تفكك لا مثيل له واستدل بقول الله: ( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) وهذا ما ظهر جلياً في هذه الأيام، فهي لا تجرؤ على أي مواجهة عسكرية، لذا تشتري الذمم والشعوب، وتقدمهم قرابين لها، وتحت مسميات برّاقة خدّاعة، وما رعبها وذعرها من مُسيّرة حسان إلا دليل بسيط على صحة ما قاله الشهيد القائد رضوان الله عليه، فقد رفعت أجهزتها المخابراتية جهوزيتها تحسباً لتحليق مسيرات من حزب الله، ومع ذلك اخترقت مسيرة -حسان- قُبتها الحديدية، وحلقت أربعين دقيقة، في أماكن عسكرية حساسة، فأصيبوا بالجنون، والذعر، وسيطر الخوف على قلوبهم، فتسابقوا إلى الملاجئ، وأصبح كل فرد منهم يلقي باللوم على الآخر.
أكّد السيد حسين في كل ملازمه على أهمية التحرُّك الجاد في مواجهة أعداء الله، فلا عزة للأمم إلا بالجهاد، فالعدو لن يقف بسقف معين في تربصه بها، ولن يقنع بشبر احتله هنا وهناك، هدفه قد أوضحه الله في كتابه الحكيم حيث قال:( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) هذا هو هدفهم الحقيقي، كثيرٌ من الأحداث أشار إلى حدوثها السيد حسين بن بدر الدين الحوثي وقد حدث البعض منها، والبعض الآخر لازالت حبلى به الأيام، ولا يتسع المجال لذكرها جميعاً.
السيد حسين، بكل ما قدمه وطرحه برؤية واعية للأحداث والمتغيرات، قدم مشروعاً لخلاص الشعوب من الارتهان والذل والانبطاح للغرب، مشروعاً للأمة بكلها، مشروع حرية وكرامة وعزة وشموخ، والسيد حسين هو حُجّة الله للأمة وآية عصرها، فإن لم تتحلَ بالوفاء لدمائه التي عُمدَ بها المشروع القرآني نهش العدو كرامتها، ونهب خيراتها، وردها بعد إيمانها كافره، واستذلها وقهرها، وأحل كل حرام في دينها، على الأمة أن تنظر إلى مشروع الشهيد القائد على أنه مشروع خلاص، يحقق لها الوحدة والعزة والكرامة في الدنيا والآخرة.

قد يعجبك ايضا