الفلسفة التربوية الرياضية

د. جابر يحيى البواب

 

 

أكد الكثير من فلاسفة علم الاجتماع أن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية فلسفة حياتية تتمثل في مجموعة من الرؤى والأفكار والمفاهيم والمبادئ والعادات والتقاليد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والرياضية، واعتبروا أن هذه الفلسفة تحدد رؤى المجتمع ومواقفه تجاه مختلف جوانب حياته وتطلعاته وتوجهاته المستقبلية “ومن ضمنها أطماع الأقلية…”، وعلى ذلك فإن كل فلسفة اجتماعية تسعى إلى تحديد قيم المجتمع وفلسفة النظام التربوي “بشكل عام” والرياضي بشكل خاص عبر رؤية فكرية شاملة تستوعب المتغيرات والتحديات المستقبلية الحادثة في الحركة الرياضية “اليمنية – خصوصا بعد الحصار والعدوان – وعدم استيعاب الرياضة في الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة”، وتحديد مفهوم واضح للهوية الإيمانية وللوطن وهويته لتعزيز الانتماء والولاء لله، ثم للوطن، في أوساط المجتمع ككل وأوساط المجتمع الرياضي الشبابي بشكل خاص.
وبالتأكيد فإن فلسفة النظام الاجتماعي “دين ومعتقدات، أفكار وعادات وتقاليد”، هي التي تحدد رؤية المجتمع للتربية الرياضية، وتطلعاته الروحية والقيمية والتربوية والتعليمية والعلمية “أهمية ممارسة الرياضة للفرد والمجتمع”، ونظرة هذا النظام لطبيعة الإنسان باعتباره كياناً لا يعرف فقط عند الميلاد ولكنه يعرف ويبنى وتشكل رغباته وميوله واتجاهاته واستعداداته من خلال الفعل التربوي والتعليمي العام والرياضي الخاص المواكب للتطور العلمي في مختلف الجوانب العلمية الرياضية، وكذا الفنية المتعلقة بالممارسة واللياقة البدنية الخاصة والعامة.
التربية نظام اجتماعي تحدد فلسفتها في ضوء فلسفة المجتمع “نظرته مثلاً للرياضة بشكل عام ولرياضة المرأة بشكل خاص”، التي تحكم حركته وتوجهاته، وبالتالي تحدد غاياته وأهدافه، وبنيته ووظائفه وفق حاجات المجتمع وعاداته “القات احد الغايات والأهداف الأساسية في المجتمع ولذلك التفكير في الرياضة وممارستها هدف بعيد جدا يحتاج إلى وقت لتقريبه”، وغاياته الاجتماعية، وظروفه الاقتصادية، وتعامله السياسي، وتفكيره الثقافي والعلمي، ورؤيته للرياضة التي هي محور فلسفتنا في هذا الموضوع الاجتماعي، لأن في ضوء فلسفة المجتمع تحدد فلسفة التربية نوع الإنسان وقدراته الرياضية المعرفية العلمية والعملية التي يرغب المجتمع “العام والرياضي” في تكوينه للحصول على سمعة رياضية عالمية وترك بصمة حضارية تاريخية لما كانت عليها الرياضة في الماضي.
التربية ليست مجرد إعداد للحياة وإنما هي الحياة نفسها ومعايشتها وهنا تبرز معاني الخبرة في التربية ولا تتوقف عند سن معين بل يبرز مفهوم التربية المستمرة من خلال تثقيف الفرد في حياته، والتربية البدنية والرياضة تعد أسلوب للحياة وطريقة مناسبة للعيش من خلال خبرات الترويح البدني والمحافظة على الصحة وتنظيم الغذاء ومفهوم النشاط، ويعد المدرس والمدرب المتخصصان في مجال التربية الرياضية ناقلين للتراث الرياضي المتصل بالمجال والذي يتحدد بالأنشطة الرياضية الحركية وأشكالها الثقافية والاجتماعية كالتمرينات واللعب والمسابقات والرقص “وفق التقاليد والأعراف والموروث الشعبي.. البرع أو الرقص مثلا رياضة” وقد أخذت التربية الرياضية مكانة تربوية هامة للأطفال والشباب من خلال اللعب والألعاب “تقريبا كل الألعاب الشعبية اليمنية القديمة تتصف بالتربية والرياضة في نفس الوقت” التي تحكمها أنظمة وقوانين، ينظر للتربية البدنية والرياضة كمجموعة من القيم والمهارات والمعلومات والاتجاهات التي يمكن أن يكسبها برنامج التربية الرياضية للأفراد لتوظيف ما تعلموه في تحسين نوعية الحياة ونحو المزيد من تكيف الإنسان مع بيئته ومجتمعه, مع المحافظة على القيم والمعتقدات والتقاليد.
إن نمط المعيشة المقترن بالبيئة المحيطة والأحوال الطبيعية الصعبة تطلَّبت من الإنسان الرياضي تنمية وتطوير إمكانياته البدنية وإمكانياته الحركية، العمل على استغلالها لحماية نفسه والأفراد المرتبط معهم أو المرتبطين به، وذلك من أجل توفير العيش الأمثل لهم، فضلاً عن توطيد علاقاته مع أبناء عشيرته، كذلك العمل على تنظيم حفلات رياضية ذات مراسيم وطقوس تزيد من الانسجام بين أفراد العائلة والعشيرة بأكملها؛ وذلك من أجل توفير المتعة والسرور والسعادة للمجتمع بأكمله، توطيد العلاقات في المجتمع اليمني عبر النمط المذكور، في هذه الفقرة يتجلى في المجتمع اليمني في شهر رمضان على وجه الخصوص أين يتم تنظيم الفعاليات والحفلات الرياضية بعد صلاة العصر في مختلف الأحياء وبنمط شعبي عفوي اخوي يزيد ويقوي الانسجام والألفة بين الفرد والعائلة والمجتمع.. اللهم بلغنا رمضان وأنت راضي عنا واغفر ذنوبنا وارحمنا.

قد يعجبك ايضا