زواج الصغيرات بكبار السن.. جريمة بحق الطفولة وضياع للأسر

ظاهرة زواج الفتيات الصغيرات بكبار السن من الرجل ليست وليدة اليوم وإنما تمتد لمئات السنين في المجتمعات العربية وإنما تمتد لمئات السنين في المجتمعات العربية وخاصة في مجتمعنا اليمني الذي استفحلت فيه هذه الظاهرة في السنوات العشرين الماضية تقريباٍ بسبب الفقر والجوع والمرض والجهل المنتشرة في البلاد بصورة كبيرة مما يجعل قبول بعض الآباء ببيع بناتهم الصغيرات كالسلعة لمن أصبح لديهم أحفاد بسنهْن بيسر وسهولة دون أن ينظروا للعواقب الكارثية لمثل هكذا زواج غير متكافئ وغير جائز.. حول هذا الموضوع ناقشت “الأسرة” العديد من الفتيات والآمهات وأطرافاٍ أخرى لها علاقة به.. وإليكم التفاصيل:
البداية كانت مع الأخ ماجد عجلان الذي أبدى رفضه لهذا النوع من الزواج رغم تأكيده بوجود قليل من الحالات الناجحة مقابل الغالبية العظمى من حالات الزواج المماثلة “زواج المسن بفتاة صغيرة السن” الفاشلة.
وقال: إن أكثر ما يدفع الأب إلى تزويج ابنته برجل مسن هو الدافع المادي بالإضافة إلى أن بعض الفتيات يرتضين بهذا النوع من الزواج هروباٍ من العنوسة وخوفاٍ من أن يصبحن في سن اليأس ولا يستطعن الإنجاب حسب قوله إلا أن هذا الزواج سرعان ما يفشل كون الدافع الذي كان واءه مادياٍ وليس عاطفياٍ.
الزواج المهلك
وأضاف عجلان: قريتنا شهدت خلال الخمس السنوات الأخيرة وفاة أكثر من عشرة مسنين والسبب في ذلك يعود إلى قيامهم بالزواج من فتيات صغيرات في سن أحفادهم حيث أنهم كانوا بعد تلك الزيجات يستخدمون العقاقير المنشطة التي بدورها تنهك أجسادهم وتؤثر كثيراٍ على صحتهم إلى أن توصلهم إلى الهلاك تاركين وراءهم فتيات أرامل وأبناء أيتام ليس لهم سوى أمهات هْن في الأصل قاصرات.
فكرة خاطئة
س. ص موظفة وغير متزوجة تقول: إن فكرة الزواج من رجل مسن فكرة خاطئة ولا ارتضيها لنفسي خاصة وأنا في 29 من العمر إلا أنني إذا وصلت إلى الـ35 سنة فمن الممكن أن تروق لي هذه الفكرة وأقبل بالزواج من رجل مسن خاصة إذا لم يتقدم لطلب الزواج بي رجل آخر يتناسب عمره مع عمري.
وأضافت : ومع أن تفكير فتاة صغيرة أو شابة بالزواج ممن يبلغ عمر والدها أو جدها تفكير خاطئ إلا أن هنالك حالات زواج صغيرات بكبار السن نجحت فيما فشلت حالات زواج فتيات بأناس متقاربات معهم في السن ولدي صديقات تزوجن من رجال في عمرهن أو يكبروهْن بسنوات قليلة أصبحت حياتهْن في جحيم بسبب عدم تحمل أزواجهن للمسئولية وسوء اخلاقهم ومعاملتهم القاسية لهْن ويتمنين أنهن لم يقبلن بالزواج بهم كما أن لدي صديقة تزوجه قبل خمس سنوات برجل يكبرها بثلاثين عاماٍ ومع أنها في البداية لم تكن تحبه إلا أنها اليوم وبعد أن أصبح عمرها 30 سنة تعيش معه قصة حب عجيبة وحياتها سعيدة وزوجها يلبي كل طلباتها ويقدرها كثيراٍ ويحترم أهلها بينما أرى العكس لدى بعض صديقاتي الأخريات المتزوجات برجال في نفس أعمارهْن لذلك قد لا أمانع من الزواج ممن يكبرني سناٍ إذا لم يتقدم لخطبتي من هو في سني خلال السنوات القليلة القادمة شريطة أن يكون ذا خلق وعاطفة ويشعر بالمسئولية ويهتم ويحترمني ويعاملني برفق وحنان.
تشتونا نغلط
الحاج أحمد عيسى واحد من كبار السن الذين أستهوتهم نفوسهم للزواج بمن هْن في سن أحفادهم إلا أن الفترة التي مرت على زواجه الأخير عامين تبدو طويلة مقارنة بغيره من المسنين الذين لم تصمد فترة زواجهم سوى من شهر إلى عام كما هو الحال مع صديق طفولته عبدالله الذي طلق زوجته الأخيرة بعد شهرين فقط من زواجه بها بسبب تمردها كما يقول ولم يكن من السهل علينا أخذ رأي الحاج أحمد عيسى عن الزواج الذي يتم بين الفتاة والرجل المسن وهل هو زواج بالأكراه أم زواج إعجاب ورغبة من قبل الطرفين كونه لا يقبل أن يسأله أحد عن محرمه كما قال إلا أنه وبعد أن أبدى إنزعاجه الشديد للخوض في هذا الموضوع في بداية الأمر مالبث أن عاد وحدثنا بصوت معنف “يا أبني أنتم أٍصحاب الصحافة ما تخلوش لإنسان حاله تشتونا نغلط وندخل جهنم لأنه مش عاجبكم الواحد منا يتزوج ببنت حالية وأضاف: نحن الأولين أقوياء لأن أحنا بنأكل سمن وعسل وبيض بلدي مش مثل شباب النيدو حق هذه الأيام الذين ما يحصلوش بنت تقبل بالزواج منهم لأنهم مابش عندهم مسئولية وما يقدروش يعيشوا صح.
مصيره الفشل
الأخصائي النفسي الأخ أديب رشوان تحدث من جانبه حول هذا الموضوع بالقول: أنا من الناس غير المشجعين لزواج كبار السن من الرجال بفتيات مراهقات لأن الزواج الناجح يحتاج إلى التقارب العمري بين الزوجين حتى يتسنى لطرفي العلاقة الزوجية التفاهم فيما بينهما وحلحلت المشاكل والخلافات التي تنشأ بينهما لأن تقارب السن فيما بينهما يجعلهما متجانسين عقلياٍ ونفسياٍ.
وأضاف: إن زواج المسن بمن هي في عمر بناته سيكون مصيره الفشل ويجعل فرضية الطلاق هي النتيجة الحتمية لإنهائه كما أن عدم التوافق بين الفتاة الصغيرة والمسن يتحقق من عدة جوانب أهمها عدم التكافؤ العمري فلا يعقل أن رجل السبعينات أو الثمانينات سيكون متجانساٍ نفسياٍ وعاطفياٍ مع بنت الثامنة عشرة أو العشرين بل أنه غير منطقي أن زوجة شابة تعتبر في عنفوان الشباب متمتعة بالصحة الجيدة جسدياٍ وجنسياٍ ونفسياٍ وعاطفياٍ ستكون في وئام وتجانس مع زوج مسن لم يعد بحصة جسدية ونفسية جيدة يستطيع بها مجاراة شابة صغيرة أو تلبية حاجاتها نتيجة كبر سنه وبالتالي تشعر الزوجة الفتاة باليأس والإحباط حين يقدم والدها على تزويجها بمسن كما أن أكثر هذه الزوجات يكن غير سعيدات ويشعرن بالملل والحزن عندما ينتابهْن شعور بأنهْن لسن سوى أداة لتمتع كبار السن “الأزواج” ليس إلا.
خطأ فادح
أم صفوان لها سبع بنات رفضت تزويج بعضهْن عندما تقدم لهْن خلال السنوات الماضية أشخاص يكبروهْن بالسن كونها كانت في تلك الفترة تعتبرهم كباراٍ في السن على الرغم من أن غالبية المتقدمين لم يكونوا يكبرون بناتها سوى من سبع إلى عشر سنوات فقط وهي تعتبر أنها أخطأت خطأ فادحاٍ برفضها أولئك المتقدمين المخلقين والمحترمين حسب قولها إلا أنها الآن تعتبر أن فارق العشر السنوات بين الزوج والزوجة معقول ولا يجب رفض المتقدم إلا إذا كان الفارق عشرين عاماٍ فأكثر خاصة وأنها ندمت على مواقفها السابقة وتعتبر أن بناتها ضحية لتفكيرها الخاطئ.
وقالت بصوت حزين: لقد أصبحت أكبر بناتي في عمر 45 عاماٍ واختها من بعدها بلغت 43 عاماٍ وأصغرهْن سنا السابعة 28 عاماٍ وأنا السبب في ذلك بسبب حرماني لهْن بالزواج ممن كانوا يتقدمون لطلب الزواج بهن حين كن في عمر الزهور والآن أنا لا أمانع في تزويجهن من رجال يكبروهْن ولو بأكثر من عشر سنوات شريطة أن يكونوا أناس محترمين ومخلقين ويستطيعون تحمل المسئولية.
القبول والموافقة
فيما يتعلق برأي الدين في هذا الزواج تحدث الشيخ سالم بن ذياب قائلاٍ: إن ديننا الإسلامي لم يحدد عمراٍ محدداٍ للزواج ولكنه أوجب أن يكون الزواج بالقبول والموافقة من الزوجة كشرط أساسي لصحة ذلك الزواج أما في حالة عدم قبول وموافقة الفتاة على الزواج بمن لا ترغب فإنه لا يجوز تزويجها بذلك الرجل.
وأردف بالقول: إن تزويج صغيرة السن برجل مسن يؤدي إلى مشاكل كثيرة بينهما وبين أسرتيهما ويلحق الأذى النفسي بالفتاة ويجعلها تعيش في حالة من القلق والخوف والتوتر والشعور بعدم الرضا والأمان وهذا ما يخشى منه عند عدم التوافق العمري بين الزوجين وهو ما يسهم بدوره في عدم وجود المودة والألفة بينهما فالتوافق في أغلب الأحيان لن يكون إلا لدى الزوجين المتقاربين في السن والقاعدة الإسلامية تقول “لا ضرر ولا ضرار” كما أن الله سبحانه وتعالى جعل من الزواج غاية تتمثل في أن تسكن الزوجة مع زوجها وأن يكون بينهما المودة والرحمة قال تعالى “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاٍ لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” صدق الله العظيم.. وإذا لم تتوفر وسائل هذه الغاية كالعاطفة والأمان وغيرهما فإنه من الأفضل أن لا يتم زواج بالأكراه.
منكرات ومعاص
ويختم ذياب بالقول: إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يهدف من الزواج الإشباع الجنسي كما يعتقد البعض من الآباء الذين يجهلون بتعاليم الإسلام ويقومون بإرغام بناتهم صغيرات السن من الزواج بمسنين أو بمن لا يرغبن الزواج بهم مما يدفعهْن والعياذ بالله إلى الانحراف.
وهذا يعني أن أولئك الآباء يرتكبون إثماٍ عظيماٍ ويتسببون بإشاعة المنكرات والمعاصي التي حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على تجنبها وهذا يستوجب علينا جميعاٍ كآباء عدم جعل بناتنا سلعاٍ لمثل هكذا زيجات.

قد يعجبك ايضا