صراع البوح

على عجل تلملم أشلائها , وتعود من حيث أتت لتسكب عواطفها في إناء مغلق ..!
وتمحو عن الذاكرة كل ما هو منير , ليتبقى فقط الألم .. الوحشة .. الوحدة .. الكآبة , وقلما تحظى بامتلاك العبث .. الضحك .. !
الالتئام الروحي مع الآخرين تلك الأرواح الهشة في داخلها ..!
اعتادت على كتمان كل تفاصيل حياتها اليومية , منذ زمن غير بعيد وهي في صراع والبوح , وكل من حولها من المقربين يرفضون أفكارها , تصرفاتها , أجبروها على الانطواء .. الهروب .. الصمت , سلبوها الثقة بالنفس أو القدرة على اتخاذ القرار .
فما أحوجها لبقعة عيش تصبح فيها أميرة وآمرة , فهي تمتلك الأب , الأم , الأخت , الأخ , لكنها لا تمتلك قلوبهم الرحيمة , وحنوهم عليها , تلاحقها الغربة والاغتراب , لتعرض عليها سيمفونيتها البائسة , توافق على ذلك العرض , فلا بديل سواه تقوى على ابتلاعه ..!
تبدأ ساعاتها الأولى من حياتها مع أشخاص جدد , لم يسكنوا في ذلك القفر المظلم معها , لكنهم يبعدون عنها بالمسافات , غير أنهم أقرب إليها ممن تتعايش معهم وترى وجوهم كل لحظة , هناك في ذلك المكان الآخر تلتئم جراحها , تلتقي بصديقتها التي لم تسمع منها كلمات العذ
ل أو السخرية , بل مدت إليها يد الحنو والرعاية , فتهز سريرها الطفو لي كلما داهمها البؤس , مردده على مسامعها كلمات أخرى تنهض بها من ذلك البؤس فتستبدله براحة وهدوء وإنسانية .
هكذا ينطوي الكثيرون من أبنائنا خلف أفق لا نعلمه ولم نتحسس ملامحه ولم ندرك مداه , ذلك الأفق الذي أعطاهم كل ما افتقدوه وهم بصحبة أهاليهم , فهل لنا أن نتساءل : لماذا ينطوون بعيدا عنا ¿
هل أنانيتنا قسوة قلوبنا سوء فهمنا استعجالنا في أحكامنا , حالت دون ذلك ¿
قبل أن نقودهم للهاوية , لا بد أن نقف معاتبين أنفسنا , الممتلئة بالوهم والظلم , فما بالنا تناسينا فلذات أكبادنا ¿
تجاهلنا حقهم في العيش دون قيود ترهبهم وتفصلهم عن أهلهم لمسافات قد تتسع مع الوقت لتسبب لنا ولهم مأساة
تسلبهم روح السعادة والقدرة على العيش والتعايش مع الآخرين بثقة تامة وحنو لا ينقطع .
ولعلنا إن شاركناهم في تفاصيل حياتهم أعطيناهم الحرية في امتلاك زمام الأمور , وضمنا لهم الراحة والبقاء في سعادة بعد أن نكون قد غرسنا فيهم قيم نبيلة , وقواعد سليمة لحياتهم لا تعقيد فيها , ليصبح وعيهم القادم أكثر نضجا وعقلانية .

قد يعجبك ايضا