من مميزات الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه – أنه دعا إلى إعمال العقل والتدبر في آيات القرآن الكريم فهو – قدس الله سره – لم يُوقف فهم القرآن على ما قاله المفسرون ولا على أسباب النزول ولا على ما قاله فلان وفلان …
لقد أسقط آيات القرآن على واقعه وزمانه بأسلوب رائع وميسر يفهمه الخاصة والعامة كما في ملازمه.
لقد كان – رضوان الله عليه – من عمالقة الفكر الإسلامي، فلم يكن مقلداً لمن سبقه، ولم يكن مقدساً للأبنية الفكرية التي قبله فالقداسة لا تكون إلا لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وكذلك لكتاب الله الكريم.
انطلق الشهيد القائد من القرآن وتحرك بحركته وسار على نهجه وبين القرآن من القرآن ومن فهمه للغة والواقع .
ومن يستقرئ ملازمه – رضوان الله عليه – يجد إشارات عجيبة ومعاني رهيبة فمن لطائفه الكريمة بيانه لمعنى ” المغضوب عليهم” ولمعنى ” الضالين” في قوله تعالى(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحة 6 – 7].
قبل أن نأتي ببيانه – قدس الله سره – لابد أن نذكر المعنى الذي ذهب إليه عامة العلماء: تجدهم ذهبوا إلى أن المغضوب عليهم والضالين هما اليهود والنصارى وهذا ما تجده في المناهج الدراسية والجامعية وهذا ما يردده خطباء المساجد لكن الشهيد القائد ذهب في بيانه للمغضوب عليهم والضالين إلى معنى واسع وبيان رائع يُطرب القلب والفؤاد ويحمي الناس من الوقوع فيما يُغضب رب العباد.
قال – رضوان الله عليه – :(( الضالون هم الذين ينحرفون بدون معرفة، عقائد باطلة، المغضوب عليهم هم : الذين ينحرفون بعلم ويدعون إلى باطل وهم يعلمون ذلك))إهـ.
قلتُ: ومما يدل على صحة ما ذهب إليه الشهيد القائد هو أنك لو استقرأت الآيات القرآنية وبحثت عن الذين غضب الله عليهم لعلمت بأن ما قاله الشهيد القائد هو عين الصواب وهو ما جاء به الكتاب .
فالمغضوب عليهم هم ما يلي: المنافقون والمنافقات، قال تعالى:(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ..)[الفتح:6]
وهم الفارون من الزحف قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ…)[الأنفال:15].
وهم الذين تبينت لهم الحجة واتضحت لديهم المحجة ومع ذلك مازالوا مصرين على باطلهم قال تعالى:(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ..)[الشورى:16].
والمغضوب عليه – أيضاً – هو قاتل النفس عمداً، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ…)[النساء:93] والمغضوب عليه هي الملاعنة التي تنفي عن نفسها بما اتهمها بها زوجها من الزنا وذلك (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[النور 8 – 9]. فإذا كانت كاذبة في شهادتها فقد وقع عليها الغضب الإلهي وصارت من جملة المغضوب عليهم …والمغضوب عليه هو كل من كفر بعد إيمانه ولم يعمل بآيات الله بل وانشرح صدره للكفر قال تعالى:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[النحل: 106].
وغيرها من الآيات التي تبين أن المغضوب عليهم ليسو هم اليهود فحسب بل ومن هذه الأمة كما ذكرناه في الآيات السابقة…
ومن يتولى اليهود والنصارى صار منهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة:51] وصار من المغضوب عليهم..
والمغضوب عليهم – أيضاً – هم كل من اتصف بصفات اليهود وسار على مناهجهم المنحرفة وأعمالهم المخزية التي بسببها غضب الله عليهم ، فالله تعالى ما أخبرنا عن مخالفتهم ومعاصيهم إلا لكي لا نقع فيما وقعوا فيه فيحل علينا غضبه. وآل سعود ومرتزقتهم هم من أبرز مصاديق المغضوب عليهم وإذا كان الله تعالى قد غضب ولعن قاتل النفس فكيف بمن قد قتل الألوف من شعبنا اليمني وكيف بمن أعانهم على قتل شعب بأكمله روى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله)) رواه ابن ماجه والبهيقي…
وكذلك نجد بأن الضالين ليسوا هم النصارى فحسب بل هم كما قال الشهيد القائد (( هم الذين ينحرفون بدون معرفة ، عقائد باطلة))إهـ.
قلتُ : نعم هم الذين ضلوا بعقائدهم الفاسدة، ومناهجهم الكاسدة، ومن يستقرئ التاريخ لسوف يجد الكثير من فرق العقائد كانت ثم انقرضت ثم أتت بعدها عقائد أخرى وهكذا لا يمضي قرن ويلج آخر إلا ويأتي بفرق جديدة غير التي مضت وانقرضت وكل هذه العقائد – التي يدّعي أصحابها بأنها تؤدي إلى معرفة الله – تزيدك بعداً عن الله، تزيدك قساوة وجدلاً لقد أضلوا الناس بهذه العقائد التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي هي غير منبثقة من القرآن بل منبثقة من أفكار الشيطان .
قال الشهيد القائد:(( أفضل وأهم وأعظم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم… وقال : إذا لم تتعرف على الله من خلال القرآن فإن أي وسائل أخرى للمعرفة لاتصل بنا إلى هذه الدرجة التي سيوصلنا إليها القرآن….))
قلتُ : وأما النصارى فهم من المغضوب عليهم فضلاً عن ضلالهم، وذلك لأنهم أشركوا مع الله قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[التوبة:31].
والذين أشركوا بالله وكفروا به فقد غضب الله عليهم كما في هذه الآية الآتية قال تعالى:(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْركَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ …).
إن المغضوب عليهم والضالين هما موجودان في كل زمان وأما من يذهبون إلى خلاف ذلك فهم يبعدونا عن المفهوم الواسع.
قال الشهيد القائد -رضوان الله عليه- : (( بعض الناس يفسرونها بتفسير يفصلنا عن هذه السورة تماماً بأن المغضوب عليهم : اليهود، والنصارى : الضالين))إهـ.
ثم يأتي الشهيد القائد بتوضيح واسع شامل فيقول:((المغضوب عليهم والضالين هما خطَّان يسيران في الحياة باستمرار وما من عصر إلا وفيه من يسيرون على الصراط المستقيم، وما من زمن إلا وفيه من أنعم الله عليهم بالسير على الصراط المستقيم وفيه من هم مغضوب عليهم وفيه من هم ضالون في كل عصر لهذا أوجب الله علينا كمسلمين أن ندعوه دائماً ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ….))إهـ.
إذاً لماذا نفى الشهيد القائد بأن المغضوب عليهم والضالين ليس هما اليهود والنصارى؟!
يجيب الشهيد القائد على هذا التساؤل قائلاً: (( نحن قطعنا علاقتنا مع اليهود تماماً ونحن لانسير على خط اليهود العقائدي أبداً، إذاً فنحن بحاجة ماسة ومستمرة على أساس أن في هذه الدنيا مغضوب عليهم وضالين دائماً ونحن نشاهد مواقف وتشريعات ودعوات ضالة، نشاهد أشخاصاً يعلمون الحق ويكتمونه مغضوب عليهم وضالين …))إهـ.
قلتُ: من خلال ما ذكرناه سابقاً تعلم بطلان من ذهبوا إلى أن المراد من قوله تعالى (…غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) هما اليهود والنصارى فقط، وتعلم أن ما ذهب إليه الشهيد القائد هو عين الصواب بدليل الآيات التي أتينا بها من الكتاب (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).