“المومس الفاضلة”

يكتبها اليوم / عباس السيد


من يتابع المواقف السياسية التي يعلنها قادة كيان العدو الإسرائيلي حول السلام والاستقرار والحرب والإرهاب، يتذكر مسرحية ” المومس الفاضلة ” للكاتب والمفكر الفرنسي جون بول سارتر . فالكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين، الكيان الذي خُلق من رحم الإرهاب، ولا يزال يعيش ويقتات من ثدي الإرهاب، يقدم نفسه للعالم بأنه الدولة التي تتصدر مواجهة الإرهاب في العالم .!!. هكذا بكل وقاحة وفجاجة يقدمون أنفسهم للعالم دون حياء أو خجل .
يمكن فهم دوافع هذه المواقف والادعاءات وأهدافها بالنسبة لقادة هذا الكيان، كما يمكن فهم أصداء وتأثيرات هذه السياسة التضليلية في الدول الغربية وتأثيرها في المواقف والقرارات التي تتخذها بعض البلدان الغربية والدائرة في فلكها ، كدولة أستراليا التي اتخذت مؤخراً قراراً بتصنيف حركة حماس ” كمنظمة إرهابية ” وقد سبق لها أن اتخذت قراراً مشابهاً ضد كتائب القسام التابعة لحركة الجهاد الإسلامي عام 2003 . وما كانت أستراليا لتتخذ مثل هذه المواقف لولا السياسة الإسرائيلية، واستجابة لتأثيرها .
لكن ما يصعب تفسيره، هو اصطفاف بعض الأنظمة العربية خلف الإرهابي الإسرائيلي الذي يحمل ” لواء المعركة ضد الإرهاب في العالم ” !!.
فالنظامان السعودي والإماراتي، اللذان يقودان الحرب على اليمن منذ سبع سنوات، بما شهدته من إرهاب وجرائم لا تحصى، أصبحا مع الإسرائيلي ” حامل لواء الخير والسلام ” في خندق واحد لمواجهة ” الإرهابيين في اليمن وفلسطين ” وغيرهما من البلدان العربية والإسلامية . وهذا يقتضي أن تكون مواقف الحلف متطابقة تجاه كل القضايا والموضوعات في المنطقة .
قد لا يتخذ النظام السعودي قراراً رسمياً معلناً ضد حركة حماس على غرار القرار الأسترالي أو البريطاني مثلاً، لكنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات وتدابير أمنية ومالية ضد أي فصيل مناهض أو مقاوم لكيان العدو الإسرائيلي أو للسياسة الإسرائيلية تحت أي ذريعة. كما هو الحال مع الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون السعودية منذ سنوات بتهم علاقتهم بحركة حماس .
لم يعد حلفاء الكيان الإسرائيلي يقتصرون على أميركا وبعض الدول الغربية، لقد نجح هذا الكيان في استقطاب أنظمة يفترض أنها عربية مسلمة، لكنها لا تتردد في تسخير الأرض والسماء والمياه العربية لخدمة هذا الكيان الذي يحتل أرضا ومقدسات عربية إسلامية .
تكاثرت المومسات، لم تعد المومس فقط أميركية كما شخَّصها سارتر في مسرحيته قبل سبعين عاماً. تناسلت المومسات وتكاثرت، وظهرت لنا إسرائيل وكذلك مومسات عربيات، وأصبح المقاومون في اليمن وفلسطين ولبنان وغيرها من البلدان العربية والإسلامية إرهابيين، تماماً مثل ” الزنجي في مسرحية سارتر” .
” .. أنا لست القاتل أتفهمين!! أنا أعرف أجدادي، أنا من قام بنهضة هذه البلاد، أنا الأبيض ..” هكذا خاطب ابن السيناتور الأميركي الأبيض “ليزا “المومس لحثها على أن تشهد ضد الزنجي البريء.. وأضاف: الزنجي هو القاتل، لا أحد غيره، كونه زنجياً يجعله مذنبا .. أتفهمين ” !!.
بعد سبعين عاماً، لا يزال “الزنجي غير قادر على التنفس “ولا تزال السياسة الأميركية على حالها، عنصرية وظلم في الداخل وغطرسة وإرهاب في العالم، بينما تدعي نشر السلام والخير، كما تدعي العاهرة العفة والشرف .
اقتفى كيان العدو الإسرائيلي نفس الخطوات الأميركية واستنسخ تجاربه وخبراته منذ التأسيس، بينما يحاول النظامان السعودي والإماراتي الاستفادة من تجارب الإسرائيلي وخبراته، ليس لخدمة شعبيهما أو حماية أراضيهما، بل لحماية عروشهما، فهما ـ ابن سلمان وابن زايد ـ يدركان أنهما يفتقدان لأي مشروعية في وصولهما إلى كرسي الحكم ـ لا مشروعية شعبية، ولا حتى في إطار العائلة .
ولذلك يرتميان في حضن الإسرائيلي، لكنهما بالتأكيد لن يحصلا منه على أكثر من “بيجاسوس” فالجاسوسية هي النشاط الثاني للمومسات .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا