خفايا قصة التحول إلى أداة بيد الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية 1-2
الإمارات في اليمن.. سِجِلٌّ مُتْخَمٌ بجرائم الإبادة والسجون السرية ونهب الثروات
هيومن رايتس ووتش ووكالة أسوشيتد برس وثّقتا أكثر من 18 سجناً سرياً تديرها الإمارات في اليمن
بعد أن كانت مقلباً لبقايا مراكب الصيادين، صنعت منها قوى الاستعمار خلال أربعة عقود نموذجا لنظام حاكمي اتحادي فريد في الشرق الأوسط، يتسم بقابلية التنافسية الاقتصادية بين إماراتها الست، على طريق تسارع وتائر النمو، لكن الإمارات اللا عربية، تحولت بين عشية وضحاها إلى مجرد أداة رخيصة بيد إسرائيل وبريطانيا وأمريكا وفرنسا. وما لم يكن متوقعا من قبل المراقبين الدوليين هو أن تصير هذه الدويلة ضمن قائمة نظم العالم الأكثر إجراما، بما ارتكبته في اليمن منذ سبع سنوات. فما دور الإمارات في العدوان على اليمن..؟ ومن القوى الاستعمارية المستفيدة من ذلك؟ وهل ثمة مشكلة قائمة بين الإمارات واليمن ؟ وما أهداف الإمارات من احتلال سقطرى ؟ وعسكرة الجزر اليمنية والمنشآت الغازية في شبوة..؟ وكيف حولتها إلى سجون سرية للتعذيب والقتل والانتهاكات المنافية لأعراف الإنسانية.. ؟ وما علاقتها بالاغتيالات في المناطق التي سطت عليها في محافظات اليمن المحتلة ؟. هذه الأسئلة وغيرها سنتابع إجاباتها في الملف التالي من واقع التقارير الحقوقية المحلية والدولية.. إلى تفاصيل الحلقة الأولى من هذا الملف.
تحقيق/ إدارة التحقيقات
تحت عنوان “كيف دمرت الإمارات اليمن من أجل تحقيق أهدافها الإقليمية” ؟ نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا تحدث فيه عن الدور الذي تلعبه الإمارات في تقويض الاستقرار وتعميق الانقسامات في اليمن، إلى جانب ارتكاب العديد من الانتهاكات، سعيا لتحقيق أهدافها الأحادية؛ خارج الأهداف التي وضعتها وحليفتها السعودية عند تشكيلها للتحالف العسكري في اليمن بحجج واهية سرعان ما تكشفت.. لافتا إلى أن أبو ظبي لعبت دورا محوريا في هذه الحرب، وبشكل مغاير لكل الأدبيات والأهداف التي أعلن عنها التحالف صبيحة 26 مارس 2015م، ملقية بغرورها العسكري وممارساتها التفكيكية للمجتمع اليمني على سياسة مرضعتها الأوروبية بريطانيا (فرق تسد) عبر دعم أجهزة وأحزمة أمنية متباينة، تتصارع فيما بينها وتخوض معارك ضارية مع حكومة هادي، ففي الساحل الغربي أنشأت ودعمت “ألوية العمالقة”، وفي محافظات أبين وعدن ولحج قوات “الحزام الأمني” أو الأحزمة الأمنية، وفي حضرموت وشبوة النخبتين “الشبوانية” و”الحضرمية”، لكن الأهم في الحديث عن دور الإمارات في العدوان هو البعد التمويلي للحرب، حيث تشير التقارير الدولية، أن الإمارات تنفق شهريا منذ أنشأت تلك التشكيلات قرابة 1.3 مليار دولار ما يوازي (16 مليار دولار سنوياً)، ما يقارب نحو 120 مليار دولار منذ انضمام الإمارات إلى تحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن (مارس 2015) كإنفاق شهري على قواتها في اليمن، وهو رقم خارج مشترياتها من الأسلحة العسكرية وفق صفقات مليارية، ناهيك عن نفقاتها الباهظة في شراء الولاءات العالمية، والتطبيع مع إسرائيل.
جرائم السجون والتعذيب
ويرى المراقبون أن التشظي والتمزيق -المشار إليه سابقاً- والناتج عن الدور الإماراتي في العدوان على اليمن شكل بيئة قذرة مارست فيها الإمارات أبشع جرائمها التي يندى لها جبين الإنسانية، فعلى صعيد جرائم الإمارات وانتهاكاتها الحقوقية للمعتقلين في السجون كشفت عشرات التقارير الحقوقية الدولية أن الإمارات أنشأت بعد سيطرتها على مناطق في جنوب اليمن سجوناً سرية في المطارات والمنشآت النفطية والغازية، فقامت بعرقلة تشغيل مطار الريان (ثالث أكبر مطار في اليمن) وحولته إلى سجن سري وغير شرعي، وباعتراف حكومة هادي المدعومة من الرياض، حيث رفضت القوات الإماراتية توجيهات الحكومة اليمنية بإعادة تشغيل مطار الريان في مدينة المكلا، وفق مصادر حكومية محسوبة على حكومة هادي.
وأضافت تلك المصادر أن الإمارات وعبر قوات ما يسمى “النخبة الحضرمية” التابعة لها بسطت سيطرتها المطلقة على كل مدن وقرى ساحل حضرموت، ثم بعد ذلك اتخذت من مطار الريان مقراً وقاعدة عسكرية لقواتها منذ 2016 لدواعٍ أمنية، وفي نهاية نوفمبر 2019 استأنف مطار الريان نشاطه في الرحلات المدنية بعد توقُّف دام قرابة 5 سنوات، إلا أنه توقف حينها عقب بضع رحلات على الرغم من مطالبات متكررة بإعادة تشغيله لإنهاء معاناة السكان والمرضى.
ووجهت منظمات حقوقية دولية اتهامات إليها بإنشاء سجن سري في المطار وإخفاء عشرات اليمنيين وارتكاب انتهاكات جسمية بحقهم، حيث تحققت منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان مما لا يقل عن 38 واقعة احتجاز تعسفي و10 وقائع تعذيب في مركز سجنهم بمطار الريان، وما لا يقل عن 13 واقعة احتجاز تعسفي و17 واقعة تعذيب في معسكر الجلاء في مديرية البريقة محافظة عدن، التابع للانتقالي المدعوم إماراتياً، خلال الفترة من مايو 2016 إلى أبريل 2020م.
واشتكى محتجزون سابقون للمنظمة أنهم احتُجزوا في مستودعات ضيقة ومظلمة ولاقوا ضروباً من التعذيب والمعاملة المسيئة، منها الحرمان من الطعام والماء والصعق بالكهرباء والركل والضرب بالسياط والحرق بالسجائر. كما تعرَّضوا لأشكال مهينة من المعاملة القاسية كالحرمان من أداء الشعائر الدينية والإجبار على التعري والسجود لعلم دولة الإمارات، وفق المنظمة.
وقالت المنظمة: إن الإمارات عبر تلك القوات تعمد إلى إخفاء آلاف اليمنيين من معارضين سياسيين وأصحاب رأي، بل وحتى مدنيين، من دون توجيه أي تهمة أو عرض على السلطات القضائية، موضحة أنها رصدت سجوناً عديدة في المكلا عاصمة حضرموت، وعزان في شبوة، وسجوناً في أبين ولحج، والمخا والخوخة في الساحل الغربي، وهو ما أكدته أيضا منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي اتهمت الإمارات بارتكاب جرائم تعذيب في اليمن، وأنها تقدم الدعم لقوات يمنية احتجزت تعسفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية، موضحة أن الإمارات تدير في عدن مركزين رسميين للاحتجاز هما: “السجن المركزي” و”إدارة البحث الجنائي”.
صحيفة “لوموند” الفرنسية كشفت في وقت سابق عن وجود سجن سري في قاعدة عسكرية أقامتها الإمارات منتصف عام 2017 على جزء من منشآت بلحاف للغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة، وتعد منشأة بلحاف واحدة من أهم مدن الغزن الطبيعي في الشرق الأوسط وقد جرت السيطرة عليها بطلب من حكومة هادي متسترة بمجموعة توتال الفرنسية لتكون جزءاً منه.
يؤكد تقرير نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن معتقلي سجن 7 أكتوبر في منطقة الرواء بمديرية خنفر محافظة أبين التي تسيطر عليها قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، يتعرضون لأبشع أشكال التعذيب والظروف القاسية، إذ أُجبروا على شرب البول وتعرضوا للضرب بالمطارق وللتعذيب الجنسي حتى الموت ونقلت الغارديان البريطانية عن شهود عيان: إن جثث بعض المعتقلين ألقيت في فناء مستشفى قريب من السجن.. مؤكدة أن المنظمات وثقت خلال الفترة (مايو 2016 إلى أبريل 2020) أكثر من 1600 اعتقال تعسفي و770 اختفاء قسرياً و344 حالة تعذيب، منسوبة إلى جميع الأطراف المتحاربة في اليمن.
وكالة ”أسوشيتد برس” الأمريكية كشفت عن أن حالات التعذيب التي يتعرض لها السجناء داخل معتقل يمني بإدارة إماراتية تصل إلى حد الاعتداءات الجسدية والاغتصابات.. مؤكدة أن التعذيب المنهجي داخل المعتقل كان مربوطاً بجدول زمني محدد، وهي انتهاكات أسبوعية بحق المعتقلين تتضمن الضرب أيام السبت والتعذيب أيام الآحاد والاثنين استراحة. في الأيام الثلاثة الأخرى تعاد الكرَّة ذاتها. وفي كل يوم جمعة يحين وقت الحبس الانفرادي.
وكالة اسوشيتد برس الأمريكية وفي تقرير نشرته في العام 2017م نقلت فيه عن مسؤولين أمريكيين -لم يذكر اسمهم- قولهم إن الأمريكيين شاركوا في التحقيق مع المعتقلين داخل تلك المواقع، وقدموا أسئلة الاستجواب للقوات الأخرى، وحصلوا على نسخة من محاضر الاستجوابات. وأردف المسؤولون أن الأمريكيين كانوا على علمٍ بمزاعم تلك الانتهاكات، في إشارة إلى محاولة الأمريكان إخفاء الحقائق أو تشويشها، غير أن مسؤولا سابقا بوزارة الدفاع، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأنه يناقش مسائل حساسة، قال: إن الوزارة أوصت أفرادها بعدم زيارة السجون خارج البلاد؛ لتجنب تحميلهم “مسؤولية فعل شيء إزاء أوضاعها”..
وقال مراقبون: إن المواقع التي تُديرها الإمارات داخل اليمن تذكّرنا بـ”المواقع السوداء” لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي شهدت قيام القوات الأمريكية بتعذيب عشرات المشتبه في كونهم إرهابيين عقب أحداث الـ11 من سبتمبر، موضحين أن دورا أمريكيا واضحاً في جرائم الإمارات في اليمن، وأن الأمريكيين المسؤولين عن التحقيقات لم يأتوا بأي خطوة تُحقق العدالة للضحايا، خاصةً بالنظر إلى وجود عناصر أمريكية بجوار الإماراتيين داخل معسكر التحالف. ولم يضغطوا على التحالف مطلقاً لوقف ارتكاب تلك الجرائم.
ونقلت وسائل الإعلام الدولية بالذات رسومات تعكس أبشع صور التعذيب لرسام يمني اعتقل تعسفا، لكنه نجح بموهبته في تفصيل سبل التعذيب والاعتداء الجنسي الذي تعرض له من خلال رسوماته التي هُربت من سجن “بير أحمد” في مدينة عدن، حاملة معها لمحة قاتمة لعالم خفي من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة يرتكبها ضباط إماراتيون بمنأى عن المحاسبة والعقاب.. وهو ما دفع منظمة العفو الدولية لإصدار تقرير يدعو للتحقيق في شبكة سجون سرية في جنوب اليمن قالت إنها تشهد “انتهاكات فظيعة” وعمليات تعذيب وإخفاء سجناء، موضحة أنها حققت في ظروف اعتقال 51 سجينا خلال فترة (مارس 2016- مايو 2018م) جرى توقيفهم على أيدي القوات الحكومية والقوات الإماراتية التي تقوم بتدريب قوات السلطة في جنوب اليمن. وأضافت أن 19 من هؤلاء فقد أثرهم.
وفيما كانت هيومن رايتس ووتش ووكالة أسوشيتد برس وثقتا أكثر من 18 سجنا سريا تديرها الإمارات في اليمن، أعلنت الأمم المتحدة في يوليو 2018 أن لديها ما يدفعها للاعتقاد بتعرض سجناء يمنيين لمعاملة سيئة وتعذيب وانتهاكات جنسية من قبل عناصر من القوات الإماراتية، وذلك عقب تأكيد المتحدثة باسم المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان ليز ثروسيل، في تصريحات لوكالة الأناضول أن الإمارات تدير سجونا سرية في اليمن.
وفي 2019م كشفت وثيقة نشرها موقع “الخليج أونلاين” عن تصفية 23 معتقلاً يمنياً داخل السجون السرية الإماراتية في عدن، وفي فبراير 2021م كشف تقرير حقوقي صادر عن منظمة “رايتس رادار” عن قتلى تحت التعذيب”، على أيدي التشكيلات المسلحة المدعومة من الإمارات التي تشمل (قوات الحزام الأمني، وقوات النخب الحضرمية والشبوانية، وحراس الجمهورية، وألوية العمالقة، وكتائب أبو العباس) موردة 55 حالة، و7 حالات ارتكبها تنظيم القاعدة 7، ونسبت 4 حالات قتل تحت التعذيب للقوات الحكومية (تابعة لحكومة هادي).
ولم تتوقف جرائم الإمارات عند الغرف المغلقة والسجون المحكمة، بل خرجت لتطال كل صوت رفعه الحقوقيون والمدنيون والمغتربون اليمنيون العائدون إلى مناطقهم الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان أو التابعة لحكومة الإنقاذ في صنعاء، فمنهم من أخفي قسرا لسنوات وبعضهم لم يظهر، ومنهم قتل على ملأ من العابرين والكاميرات الموثقة بأيدي قوات الأحزمة الأمنية المدعومة من الإمارات، فيما تقول منظمات حقوقية إن العشرات ما زالوا مختفين قسرا في عدن، وحضرموت وشبوة ولحج وغيرها من مناطق سيطرة التحالف التي تشهد سجوناً سرية يديرها نظام أبو ظبي في اليمن..
أما الحديث عن جرائم الإبادة التي يرتكبها طيران الإمارات إلى جانب الطيران السعودي والأمريكي والإسرائيلي، فمن الواضح أن الإمارات ساهمت بهمجية وبربرية في العدوان والحصار على اليمن، وارتكبت مجازر بربرية ضد المدنيين في كل مدن وقرى اليمن، وطالت غاراتها العدوانية المصانع والمعامل والمدارس والمساجد والمآتم والأفراح، وحتى السجون التي أبشعها استهداف سجن صعدة الاحتياطي، الذي تمت تسوية مبناه بالأرض بمن فيه من السجناء على ذمة قضايا ومخالفات قانونية مدنية.
نهب الثروات
اتجهت قوات الإمارات على الصعد الميدانية إلى السيطرة عسكريا على الموارد الاقتصادية والمقدرات الخدمية ذات الريع الإيرادي، الكهرباء والمياه والتجارة، وغيرها، بالإضافة على عسكرة المنشآت النفطية والغازية، ففي شبوة سعت أبو ظبي إلى عسكرة منشأة بلحاف وسلبت حق اليمن السيادي في تصدير الغاز الطبيعي المسال المنتج في واحدة من أهم مصانع الشرق الأوسط للغاز الطبيعي، كما يعد أكبر مشروع اقتصادي يمني، بلغت تكلفة إنشائه نحو 5.4 مليار دولار عام 2006م، ويبلغ إجمالي طاقته الإنتاجية 6.7 مليون طن متري سنوياً، في حين تشير تقارير رسمية إلى أن عائدات صادرات الغاز ساهمت بنحو 5.1% إلى 6.9% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة اليمنية خلال عامَي 2014 – 2015م، لكن القوات الإماراتية أحكمت السيطرة عليها، كسيطرة استعمارية بغية شل واردات الخزينة اليمنية من العملة الصعبة من ناحية ومن ناحية أخرى إرضاء لتل أبيب وفرنسا في المقام الأول، باعتبار الإمارات صارت قفازا لقوى الاستعمار.
وفي جزيرة سقطرى واصلت أبو ظبي استهداف الهوية اليمنية، محاولة سلخ الأرخبيل عن خارطة الجمهورية اليمنية اجتماعيا وجغرافيا وسياديا وهوية رسمية، فركزت في البدء على ضخ كتل نقدية هائلة من العملة الإماراتية في أسواق ومدن الأرخبيل، بهدف تكريس حملها وتداولها في التعاملات التجارية، وصولا إلى جعلها عملة رسمية، وساهم انهيار قيمة الريال اليمني، أمام العملات الأجنبية وتدهور مدخرات المواطنين..
وأفادت مصادر مصرفية وبنكية في محافظة الأرخبيل، أن أبو ظبي، صرفت لكل فرد من منتسبي المجلس الانتقالي 500 درهم إماراتي، ثم تبعا لذلك بدأت مؤسسة خليفة الإماراتية بالعمل في تجارة الغاز المنزلي في الجزيرة ملزمة المواطنين بشراء الغاز بالعملة الإماراتية بواقع 105 دراهم إماراتية.. فيما تؤكد التقارير أن الإمارات استحوذت على موارد الارخبيل الاقتصادية ابتداء من اقتلاع الأشجار لإقامة مشاريع استثمارية تابعة لها، والعمل على نقل الأشجار النادرة والكائنات البرية إلى الإمارات والمتاجرة بها في مزادات عالمية.
وتشير التقارير إلى أن الإمارات قامت بالعمل لمدة 9 أشهر في محيط الجزيرة، بسفن تجارية عملاقة جرفت أكثر من 900 ألف طن من الأسماك، ودمرت البيئة والشعاب المرجانية ولوثت البيئة البحرية ما تسبب في نفوق عدد كبير من الأسماك واختفائها، ولم تكتف الإمارات بذلك، بل احتكرت شراء ما يجلبه الصيادون من الأسماك، بعد أن منعتهم من الاصطياد في مناطق واسعة من المياه الإقليمية، وأنشأت مصنعاً لتعليب الأسماك ونقلها إلى الأسواق الخارجية، ما رفع الأسعار في الأسواق المحلية، إلى حدود حرمان مواطني الأرخبيل من خيراته البحرية.
أما قطاع الكهرباء فلم يسلم من السيطرة الإماراتية، فمنذ 2018م عمدت إلى خصخصة فرع مؤسسة الكهرباء بجزيرة سقطرى، الذي كان يتبع قانونياً كهرباء ساحل محافظة حضرموت، باسم شركة “ديكسم باور جينيريتورز” الإماراتية، استولت كلياً على أصول ومولدات مؤسسة الكهرباء الحكومية، واستبدلت عداداتها، ورفعت الاستهلاك بنسبة 500% للسكان و800% للقطاع التجاري، كما سيطرت على قطاع التجارة، وحركة الصادرات والواردات، واحتكرت استيراد وتوزيع المشتقات النفطية عبر شركة أدنوك الإماراتية.
العدوان الإماراتي والرد اليمني
إن هناك مسلسلاً طويلاً من مفارقات الدور العدواني المفاجئ للإمارات وكذلك الأساسي في تكوين التحالف العربي بقيادة السعودية حيث تأتي أبو ظبي في المرتبة الثانية بعد الرياض من حيث الإعداد العملي والقصف المشترك، والنفقات المهولة المشار إليها سابقا، لكن السؤال الأهم الذي ظل شاغلا لسائل الإعلام الدولية والمراقبين، هو: لماذا تحاشتها صواريخ القوة الصاروخية والجيش واللجان الشعبية اليمنية، طوال سنوات الحرب حتى العام 2022م.. ؟
الإجابة واضحة جدا، فالإمارات لا تملك أي حدود جغرافية مع اليمن، ولا ماض من الحروب والعداوات بينهما، أو مشكلة أزلية تستند لسجل تاريخي من الحروب، كما هو حال اليمن مع جارتها السعودية، بسبب طبيعة نظام آل سعود التوسعي الذي أقصى وألغى وأباد دولاً كثيرة ومتعددة في نجد والحجاز والتهم نصف إقليم الأدارسة اليمني (عسير وجيزان ونجران)، وهو ما يشكل ثأراً منطقياً لأن تشتعل الحرب الضروس في أي زمن، كما أن دويلة الإمارات -التي تلتقي مع السعودية في مرجعية واضحة صنعتها بريطانيا- كانت في غنى كبير عن حربها على الشعب اليمني الذي كان بجهل عن مرجعيات التأسيس وبعاطفة قومية عربية، ينظر بإبكار لمواقف الشيخ زايد رحمه الله، الذي رسم ملامح مشروع دولة اتحادية لا تنطبق عليها المعايير التوسعية والإلغائية والعدوانية السابقة.
الأهم في تعليل تأخر الرد اليماني، أن القيادة الثورية والسياسية والحكومية في صنعاء، والجيش واللجان الشعبية اليمنية، رغم إدراكها لتبعية الإمارات لإسرائيل منذ وقت مبكر، لم تكن تنوي توجيه صواريخها المزلزلة إلى الأراضي الإماراتية، ولكن طبيعة الدور الخبيث الذي تلعبه الإمارات لخدمة أمريكا وإسرائيل جعل حكومة الإنقاذ في صنعاء أمام ضرورة تاريخية تقتضي الرد الرادع، ولكن بعد إلزام أبو ظبي الحجة الواضحة التي لا مواربة فيها.
وقد تجلت تلك الحكمة اليمانية في أن قائد ثورة الـ21 من سبتمبر سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، لم يلمح بأي ردٍ ضد أبو ظبي في بادئ الأمر، خلال العامين الأولين من الحرب، إذ كانت المعركة من وجهة نظره الحكيمة محسومة مع القوات العسكرية الإماراتية الموجودة على الأراضي اليمنية كقوات غازية تلقت أولى الضربات القاسية لها على أرض مارب في معسكر صافر مرديا قرابة 54 ضابطاً وفرداً إماراتياً حكموا على انفسهم بالموت مسبقا بدخولهم مقبرة الغزاة.
وفي عام 2017م توعد سماحته صراحة الإمارات بالقَصف الصّاروخي إلى عقر دارها في حال استمرت في مخططاتها الخبيثة لتمزيق البلاد، مطالبا رِجال الأعمال بالرّحيل، بعد أن ازدادت الممارسات الإماراتية بحق اليمنيين في سقطرى وشبوة والساحل الغربي، وحضرموت، وغيرها.. وهو ما جعل المراقبين يتفاجأون بذلك الوعيد المقرون باللهجة الشديدة وغير المسبوقة، مُؤكّدًا أن الإمارات في مَرمى الصّواريخ اليمنية.
الأهم أن تلك التهديدات لم تكن استثنائية من منطلق كونها الأولى في معركة مواجهة العدوان والحصار فحسب بل ومن منطلق معرفة التحالف والعالم أن السيد عبد الملك الحوثي، ليس رجل سياسة وخطابات دينية وعظية، بل رجل فعل، يعني ما يقول، وفي هذا السياق قال المحلل والمراقب الإعلامي العربي الكبير عبد الباري عطوان، مشيرا إلى التهديدات الصريحة في خطاب السيد: عُنصر المُفاجأة يَكمن في كَونها المرّة الأولى التي يُوجّه زعيم “أنصار الله” مِثل هذهِ التهديدات إلى دولة الإمارات، وعاصمتها أبو ظبي بالذّات، مُنذ بِدء الأزمة اليمنيّة قبل عامين ونصف العام، والأهم من ذلك تَحذيره للشّركات الغربيّة بأنّ عليها أن تَنظر لدولة الإمارات كبلدٍ غير آمنٍ بَعد اليوم”.
ويرى عطوان إلى تلك التهديدات والطّريقة التي صيغت بها، منبعه إدراك زعيم أنصار الله من أن خُطط دولة الإمارات وخُطواتها المُقبلة التي باتت تُشكّل خَطرًا استراتيجيًّا، على وحدة النسيج اليمني، خصوصا مع استمرار التحشيد العَسكري المُتنامي الذي تقوده دولة الإمارات، وقيادتها العسكريّة في اليمن، استعدادًا لشَن هُجومٍ بريٍّ وبحريٍّ وجويٍّ وشيكٍ للاستيلاء على ميناء الحديدة الذي يُعتبر المَنفذ البحري الوحيد والأهم للحوثيين إلى العالم الخارجي، وتَمر عَبره جميع الاحتياجات الغذائيّة والتجاريّة والعسكريّة”.
ورغم الصبر والتريث الذي انتهجته اليمن ممثلة بقيادتها الثورية، على أمل أن ترجع الإمارات عن غيها، وجرائمها في اليمن التي لا تربطها معها حدود جغرافية ولا مشاكل وثأرات وحروب تاريخية، إذ لا تاريخ للإمارات كدويلة إلى من العقود الأربعة الماضية، لكن الإمارات ظلت تقابل أي نصائح أو تهديدات أو وعيد بسخرية واستهتار، فكان لا بد من إيقاظها من سباتها، فطالت صواريخ صنعاء أبو ظبي، أكثر من ثلاث مرات، وإذا استمرت في جرائمها في اليمن، وفرض سلطة الأمر الواقع كقوة استعمارية خادمة لإسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، فإن خسائرها مرشحة للزيادة بأضعاف ما فقدته من جندها، وسمعتها التي بنتها على هالة من التدليس والمغالطات الإعلامية، كما ستظل خسائرها المادة مرشحة للزيادة، في ظل استنزافها لمواردها المالية إنفاقا على الحرب في اليمن وغيرها من بلدان المنطقة التي تتدخل الإمارات في شؤونها، حيث تؤكد التقارير الدولية، أن الإمارات خسرت – في تدخلاتها العسكرية خارج حدودها منذ عام 2015 – قرابة 111 فرداً من قواتها العسكرية أغلبهم في اليمن، وفقاً لورقة بحثية أصدرها مركز “إيماسك” للدراسات مؤخرا.
انكشاف حقيقة النموذج الاتحادي
الأهم في الحديث عن انكشاف حقيقة الإمارات كدويلة ربيبة لإسرائيل لا كدولة ذات نظام اتحادي نموذجي، كما يتصور بعض الناس، أن الدراسات الجيوسياسية أكدت بما لا يدع مجالا للشك والغموض، أن الإمارات ليست سوى دويلة بالونة بصرية وظاهرة صوتية نفخها الاستعمار، في الوقت الذي ليست فيه سوى قفازات إقليمية استعمارية بيد بريطانيا وأمريكا وفرنسا، والأهم من هذه الدول إسرائيل التي تسعى عبر تحركات الإمارات وعسكرتها للجزر والموانئ اليمنية على البحر العربي وجنوب البحر الأحمر، إلى السيطرة على طرق التجارة العالمية، مؤكدة أن دخول الإمارات اليمن لم يكشف هشاشتها وفقدانها للبعد الحضاري الذي كانت تدعيه أبو ظبي، بل أنهى مكانتها كنموذج اتحادي لم يتجاوز العقد الرابع من عمره، ولا زال عاريا من الروح والقيم والأصالة، ولم تستر عورته سوى عائدات النفط.
وفيما ذهبت الدراسات إلى أن الإمارات فقدت دورها الريادي بتدخلها في اليمن بتلك الطريقة وخلقت لها الأعداء والخصوم ليس في اليمن فقط بل وفي بقية دول المنطقة.. ذكرت دورية “إنتليجينس” الاستخباراتية الأمريكية، أن “الإمارات استأجرت ضباطاً أمريكيين سابقين حاربوا في العراق وأفغانستان لتحسين أداء قواتها في اليمن”.. لكن لم يجد في مسار تحسين صورتها أمام إسرائيل والغرب، والدليل الوضع الداخلي الحقوقي وما يعتوره من انتهاكات ومظالم كبيرة، بالإضافة إلى تراجع مستوى الرضا الشعبي بممارسات دويلة الإمارات وتطبيعها مع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية والمقدسات الدينية في فلسطين.. وهو ما سنناقشه في الحلقة القادمة.