حُلم الزول بزوال حكم العسكر!
يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي
من البديهي أن كل شيء له ثمنه المتناسب مع قيمته وأن الحرية عند الإنسان أغلى القيم ، فهل ينجح الشعب السوداني بهذا الصبر والإصرار والمثابرة في الوصول إلى العمل الموحد لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه حتى الآن ما أسميت ثورات الربيع العربي في انتزاع حريته وامتلاك زمام أمره ، وإزاحة عصابة عسكرية تمكنت من اختلاس والمتاجرة بأرواح مجاميع من أبناء الشعب السوداني المحب لليمن الذي تجمعه بالسودان كثير من المعاناة والحُلم المشترك بدولة مدنية حقيقية لا تقتات بالشعارات ولا تدار بالآلاعيب والتكتيكات السياسية وبيع الأوهام تتأسس على العلم واحترام مبدأ سيادة القانون والعمل الجاد والسريع على دراسة واستئصال أسباب الصراع التاريخي العتيق على السلطة ، وسببه الرئيس استيلاء عصابة العسكر على السلطة وتحويل الشعب إلى رهينة لبقائها في الحكم ، وحولت عددا من أبنائه إلى قرابين في محرقة العدوان على اليمن ، إنها عصابة مصابة بمرض عسكرة الحياة السياسية ، بدلاً من الالتزام بمهام المؤسسة العسكرية القانونية في الدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه وفق ما يمليه القَسَم الذي يَستهل به خريجو الكليات والمعاهد العسكرية والأمنية حياتهم العملية ليبقى الشعب مصدر الشرعية ومالكها.
هل ينجح هذا الشعب صاحب الأرض التي كثيراً ما وصفت بأنها سلة الوطن العربي الغذائية المؤثرة على الاقتصاد الزراعي العالمي ومع ذلك كثيراً ما نراه يعاني من المجاعة لا لكونه شعبا كسولا كما يصفه البعض فهو من أنشط وأقوى الشعوب وأكثرها وعياً بالسياسة وألاعيبها وإنما لحجم تأثير قوى الفساد المتحالفة ضد حريته، فهل ينجح في جعل الثورة ضد الظلم والتغيير نحو الأفضل منتجا وطنيا هو وحده صانعها دون أي وصاية.
وهل يتمكن من منع استغلال واستخدام الدين مطية للوصول إلى الحكم وتجريم التكفير والعمالة للخارج ليصبح نموذجاً حياً في الخروج من كل هذا التصحر في الفكر والوعي وتجاوز العجز عن تهجي الحروف الأولى من أبجدية تلمس الطريق نحو تأسيس دولة مدنية مملوكة لكل أبناء الوطن ومعبرة عن طموحاتهم تكون فيها السلطة وسيلة للبناء والخير والتنمية وتحقيق العدالة بالفعل لا بالشعار، سلطة لا يحكمها أو يديرها اللصوص والانتهازيون، ولا فرق بين من يمارس التسلط باسم الدين أو العلمانية؛
التسلط مرض والسلطة الطبيعية وظيفة قائمة على المسؤولية.
فهل ينجح الشعب السوداني في وضع حد لمرض التسلط وشهوة الاستيلاء على السلطة بالقوة وعسكرة السياسة ؟، والمقصود بالعسكرة السلوك وليس الزي أو الرتب سواءً وصل إليها من يرتديها بالحق أو بالتزوير واستغلال الظروف التي تجعل للتزوير صولة وجولة يمارسها سلاطين الفساد باستغلال المؤسسة العسكرية أو أي قوة دون حرج ، وواضح أن من يفعل هذا ليس بالضرورة خريجا من كلية عسكرية أو أمنية أو معاهدهما أو منتسبيهما ، فهناك من يمتلك الجرأة على ارتداء زي وشارات أعلى الرتب العسكرية ولو لم يكن له علاقة بالثقافة العسكرية والأمنية بل ويذهب ليحاضر عسكريين في أدق تخصصاتهم وربما كان من بينهم محترفون ولا مانع لدى هذا الشريك الأجير من الاحتفاظ بدرجة مدنية عليا إلى جانب العسكرية لأن في أعماقه قدرة فريدة واستعداد لممارسة الهمجية بأعلى مستوى وبأي صورة من صور الانتهازية والنفاق ، وأقذر الانتهازيين من يستخدم الطائفية السياسية ولا يتردد عن إظهار الموالاة وإبطان البغض لمن بيده القوة والمكنة ، وما أكثر سلاطين ورموز الانتهازية والفساد المتلونين بألوان الطيف في كل الظروف ، وأعتقد أن من هؤلاء البائسين من هم في موقع المجني عليهم وإن بَدَوا في موقع الجناة لاعتمادهم على سلوك متوارث اختلط فيه الحق بالباطل أو بالأصح اختلط عليهم هم.
خيبات ما يسمى ثورات الربيع العربي تحولت إلى رافعة لمثل هذا السلوك وغذاء للتصحر العقلي والفكري والوجداني أعاد إنتاج وتدوير وتحوير أنظمة أكثر عتواً وفساداً وأشد فتكاً بالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان من الأنظمة التي قيل أن هناك ثورات قامت ضدها.
نعم لقد تحولت الأحلام الثورجية إلى أدوات بائسة لتدوير وإعادة إنتاج هياكل الاستبداد ووجوه المستبدين وإلى أوراق خريفية تناثرت في الطرقات المختلفة المتشابهة والمتسلقين إلى قادة سياسيين يرتدون البزات العسكرية ليخفوا بها خوفهم وضعفهم وما بداخلهم من عُقَد نقص تاريخية متداخلة ومتعددة ومتحورة بحاجة إلى ثورة على النفس تكون منطلقاً للوئام والسلام مع الذات أولاً ثم مع الآخر وما أحوجنا لهذا النوع من الوئام.
العصافير تبشرنا بالربيع
ربيع القلوب لا ربيع السراب
ثورةُ الحق علمٌ يُنير الطريق
إلى وطنٍ لا يباعُ ولا يشترى
يزرع القمح والحبُّ في كلِّ واد