الأسماك .. الثروة الوطنية المهدرة (2 – 4)

عبدالفتاح البنوس

 

 

في سياق حديثنا عن الثروة السمكية اليمنية المهدرة، نقف اليوم للحديث عن دور السلطات والحكومات السابقة في إهدار هذه الثروة الوطنية ، وتحويلها إلى ما يشبه الغنيمة والفيد في ظل سياسة التقاسم والمحاصصة بين قوى النفوذ ، حيث نهجت السلطة ما يشبه سياسة التشفير لهذه الثروة وباتت مصائد الأسماك الممتدة على طول السواحل والمياه الإقليمية اليمنية موزعة على هوامير الفساد وقوى النفوذ والتسلط الذين جعلوا منها ثروة خاصة بهم يستحوذون عليها وعلى خيراتها لحساباتهم الشخصية .
فتحولت الثروة السمكية في اليمن إلى قطاعات تماماً، كما هو حال الثروة النفطية ، هذا القطاع للمسؤول الفلاني وذاك للمسؤول العلاني، تحت مسميات شركات تابعة للقطاع الخاص ضمن ما يسمى بالمشاريع الاستثمارية يصطادون الأسماك ويقومون بتعليبها وتصديرها للخارج على متن سفن عملاقة مزودة بأحدث الآلات والمعدات المستخدمة في تعليب وتصدير الأسماك ، وفوق استحواذهم على الثروة السمكية فلا ضرائب ولا رسوم إنتاج ولا يحزنون يدفعونها كعائدات للدولة والشعب نظير ذلك ، علاوة على تورطهم في تلويث البيئة البحرية بمخلفات وعوادم هذه المصانع العائمة ، فالبلاد كانت بلادهم والدولة دولتهم والقرار قرارهم والثروات كلها ملكهم ، ومن تكلم ناقدا عملوا على قمعه وتأديبه، لأنه (تجاوز الخطوط الحمراء) وتطاول على (الدولة ورموزها) وكالوا في حقه التهم الكفيلة بجعله عبرة للآخرين.
كل مسؤول من العيار الثقيل أنشأ له مصنعاً لتعليب الأسماك، وسخر كل نفوذه وإمكانياته من أجل الحصول على ما يغطي طلب واحتياج المصنع من الأسماك، بحثاً عن الأرباح والمكاسب التي ترفع من أرصدتهم البنكية، حتى صندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي سخروه لحساباتهم وخدمة مشاريعهم ومصالحهم الخاصة بخلاف الأهداف التي أُنشئ هذا الصندوق من أجلها ، ولو قمنا بمراجعة قائمة الأسماء التي حصلت على قروض من الصندوق لوجدنا عجب العجاب ، أسماء لنافذين وذويهم وأقاربهم على حساب المزارعين والصيادين البسطاء، الأكثر استحقاقاً للدعم والتشجيع ، ولكن السياسة الحمقاء حولت اليمن إلى إقطاعية، خيراته وثرواته للهوامير والأباطرة والعتاولة الكبار ، غير آبهين بتداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني والحالة المعيشية للعاملين في القطاع السمكي وحق المواطنين في الاستفادة من هذه الثروة التي صار الحصول عليها بمثابة الحلم الذي يراودهم وأولادهم .
غياب الدور الرسمي الداعم للصيادين زاد أوضاعهم تفاقماً وجعل من الأسماك التي يتم اصطيادها من قبلهم غير كافية للطلب المحلي ومع ازدياد الطلب عليها من الطبيعي أن ترتفع أسعارها إلى مستويات قياسية ، فالنسبة الأكبر من هذه الثروة تذهب للتصدير والتصنيع والتعليب الذي تذهب فوائده وأرباحه لجيوب الهوامير والحيتان الكبار الذين لا هم لهم بالوطن ولا بالمواطن ، وفي ظل غياب الشفافية الحكومية المتعلقة بالكميات التي يتم اصطيادها من الأسماك يومياً وحجم الإسهام في دعم الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى دخل الفرد ، ظلت الثروة السمكية اليمنية مهدرة لحساب هوامير النفوذ والتسلط .
بالمختصر المفيد لا سياسة تسويقية محلياً ، ولا شفافية تتعلق بما يصدر للخارج، كل ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره ؛ جعل من امتلاك بلادنا اللثروة السمكية مثل عدمه ، فلا الاقتصاد الوطني استفاد منها ، ولا المواطن وصله خيرها .
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، ووالدينا ووالديكم ، وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

قد يعجبك ايضا