ما الذي يحدث في المنطقة ؟
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
الذي يحدث في المنطقة العربية ؟
سؤال لابد أن يُحفَر في الذاكرة، وهو يبحث عن إجابة منذ اندلعت ثورات الربيع العربي، وثمة ما يماثله من علامات الاستفهام .
هل الثورات حققت للشعوب ما كانت تنشده من أمن وحرية وعدل ورخاء ؟
هل الشعوب هي من يتحكم في المسار الثوري، ومسار الأحداث ؟
إلى أين تتجه سفن المنطقة ؟
أصبح الواقع مسؤولا عن هذه الأسئلة وعن الإجابة عليها، وهو في كل تفاصيله يتحدث عن انحراف في المسارات العامة الثقافية والاجتماعية والسياسية، ويتحدث عن غبن الشعوب، وعن استغفالها، فهي خارج سياق الأحداث وفي السياق هي الوقود للحدث، دون أن تصل إلى غاية، أو تبلغ هدفا، وكل حركة الواقع من حولنا تتحدث عن حركة مضطربة في اليمن، وفي ليبيا، وفي سوريا، وفي العراق، ومعاناة في مصر، وقلق في تونس، ومسار الأحداث يتجه إلى السيطرة على طرق الملاحة، فالقواعد الأمريكية تحط رحالها في البحر الأحمر والبحر العربي، وتسيطر على الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية، وتم انتزاع جزيرة صنافير وجزيرة تيران من السلطة المصرية، والسيطرة على جزيرة ميُّون وسقطرة، وحنيش الصغرى وحنيش الكبرى، واكتمل المشهد بإحكام السيطرة على خط الملاحة البحري في البحر الأحمر والعربي، ويبدو في المشهد الظاهر أمريكا وأدواتها من العرب، لكن كل هذا المهاد العسكري تديره المؤسسة اليهودية التي تحلم بالدولة الموعودة الممتدة من النيل إلى الفرات .
الصراع الإقليمي- الذي نلحظ كل يوم تفاصيله بين السعودية وإيران في النشاط العسكري والسياسي- هو في جوهره صراع على الدولة الإقليمية ومركز الدولة الإقليمية، لكن الصورة الباطنة لهذا الصراع هو بين إسرائيل وإيران في التنافس وليس بين السعودية وإيران، كما يبدو في ظاهره، فحركة التبدلات تقول إن السعودية التي تمعن في العداوات لدول الطوق المحيطة بها، لن تكون هي الدولة القادرة على التنافس على مركز الدولة الإقليمية، لعدم قدرتها على التأثير في المسارات بحكم نمو المشاعر السلبية نحوها، عند شعوب دول الطوق الجغرافي، بالإضافة إلى حالة التوحش التي بدت عليها في حربها على اليمن، وغضب الكثير من الفرق والجماعات الدينية منها، وبذلك فهي تزرع لغيرها، وتمهد لفنائها من حيث تظن أنها تحسن صنعا.
فحالة الانتقال في نظام الحكم السعودي من الأسرية والعشائرية، إلى الجماهيرية- بالتركيز على الجيل الجديد- محكوم عليها بالفشل، فالمستبد الذي يحاول أن يكون شعوبيا في الغالب يكون مصيره الفشل ويفقد سلطته، فالمملكة منذ التأسيس تقوم على حالة تناقض وهذا التناقض في التركيب كانت تنظم عقده المؤسسة الدينية، فالتحول من العصبية العشائرية إلى العصبية الدينية كان سببا في استقرار المملكة طوال كل العقود التي مضت، وإعلان الخروج على سلطة المؤسسة الدينية والحد من دورها وفاعليتها بالانتقال إلى الشعوبية، يفسح المجال لعودة العصبيات العشائرية، وخاصة بعد حركة التوقيف والاعتقالات، وإعلان الإصلاحات الاقتصادية، وتحرير الحياة الاجتماعية، واعتماد سياسة خارجية جديدة في المواجهة، والقيام بتغيير الرؤية الإسلامية في البلاد، وتحجيم دور رجال الدين، وتغيير منظومة الحكم التقليدية، بروح المستبد الذي يريد تجميع خيوط اللعبة السياسية بيده فيفقد كل شيء بعد ذلك .
تلك المؤشرات تدل على استحالة بقاء المملكة كدولة موحدة وقوية، بل تدل على مؤشرات التفكك والضعف والتلاشي، ومن هنا يصبح الحديث عن مركزية السعودية ضرباً من العبث الذي لا طائل منه، فتفكيك الدول على أسس عرقية وطائفية وثقافية سيجعل من إسرائيل هي الدولة التي تنافس إيران على موقع الدولة الإقليمية وليس السعودية التي تذهب اليوم إلى فناء مؤجل بسبب غباء قادتها .
فالسعودية- كما تبدو- ليست أكثر من أداة أو آلة تعمل لغيرها، فجزيرتا صنافير وتيران لا مصلحة للسعودية فيهما ولكن لإسرائيل مصلحة استراتيجية كبرى فيهما، وإقلاق أمن لبنان ومناصبة حزب الله العداء لا مصلحة مباشرة للسعودية في ذلك بل مصلحة مباشرة لإسرائيل، والاستغراق في استهداف اليمن أرضا وإنسانا ودولة لا مصلحة للسعودية فيه، بل لحركة الهيمنة على المنافذ لإسرائيل.
وأمام حركة التبدلات التي تجري على قدم وساق في المنطقة يجدر بنا الوقوف أمام الظاهرة ليس باعتبارها ثباتا لا يمكن تحويله، بل باعتبار ما يحدث حركة تاريخية تحولية، لا بد من التحكم بمسارها حتى نحقق المصالح المرسلة لشعوبنا، فتفكيك السعودية وتحويلها إلى ثلاث دول، أثره على نهضة اليمن إيجابي، بالقياس على الحال الذي كنا عليه، وبالقياس يمكن التفاعل مع حركة التبدل التي سوف تحدث بوعي المصلحة المرسلة، فحاجتنا إلى الاستقرار تفرض علينا التعامل مع الملفات كلها حتى نتمكن من السيطرة على مقاليد المستقبل .