
افتكار أحمد القاضي –
> المرأة اليمنية أذهلت العالم بشجاعتها وتصدرها للصفوف الأولى في ثورة التغيير فهي لم تبرح مكانها في الساحات مثلها مثل الرجل بل إنها كانت من تحميه وتؤازره وتنقذه في اللحظات الحرجة جاءت الى الساحات متحدية كل التقاليد والعادات لترسم بصمة واضحة على صفحات التاريخ بأن الثورة هي ثورة المرأة قبل الرجل واتضح ذلك من خلال عملها كطبيبة وممرضة لم تتهاون لحظة واحدة في إنقاذ الجرحى والمصابين في الساحات ولم تتراجع رغم المخاطر والعنف الذي اتسمت بها الثورة لم تكل ولم تمل عن أداء واجبها الإنساني ….. ومنذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة التغيير كانت تلك الطبيبة والممرضة وكل فتاة لديها خبرة في التمريض تتسارع خطاها نحو إنقاذ وإسعاف الجرحى بل إن هناك نساء كن يقدمن خدمات جليلة رغم عدم خبرتهن في التمريض لكن حبهن للوطن دفعهن لتقديم أي شيء للجرحى تمثل ذلك في تضميد جراحات الثوار وإعطائهم الدواء والاعتناء بهم والتردد عليهم باستمرار الى أن يتماثلون للشفاء.. نجلاء يحيى أبو اصبع كانت من الطبيبات اللاتي سجلن حضوراٍ فعالاٍ منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة. وغيرها من الطبيبات والممرضات التي وصل عددهن الى أكثر من 200طبيبة وممرضة … نجلاء كغيرها من الطبيبات كان الدافع لانضمامها للثورة و وزميلاتها هو تعطشهن للتغيير ورسم يمن جديد ودولة مدنية وكان هدف تلك الطبيبات والممرضات هو مداواة الجرحى وإسعاف المصابين لتستمر الثورة وتحقق أهدافها.
أدوار رائعة
الطبيبات إيمان العميسي ونسيم الوافي ولميس طاهر وهيام القدسي كن جميعهن “مصرات على الوصول إلى ساحة التغيير مهما كلف الامر حيث كن يقدمن الى الساحة منذ ساعات الصباح الباكر بوتيرة عالية وهمة لاتلين لتقديم الإسعافات الأولية للجرحى والمصابين وكان كل همهن أن يجدن وطناٍ يحتضن الجميع تحت مظلة المواطنة والعدالة المتساوية واستمرين على هذا الحال من النضال يوم بعد آخر وكن مع موعد مع قصة تتوج ذلك النضال فإلى جانب دورهن الرائع في معالجة وإنقاذ الجرحى تم خطفهن وأسرهن لعدة ساعات في الأمن المركزي وهن صامدات رغم المعاناة والضغوط التي مورست ضدهن ….
شجاعة
الطبيبة إيمان العميسي تروي (للثورة ) لأول مرة تفاصيل تلك القصة والمعاناة التي خلقت داخلهن شجاعة واصراراٍ على المواصلة في صفوف الثورة
تقول إيمان …(تحمست كثيرا مع قيام الثورة وسارعت مع زميلاتي للانضمام لصفوف الثورة منذ الشهر أول لاندلاعها وبدأنا العمل في خيمة قريبة من المستشفى الميداني وسط الساحة واقتصر عملنا في بداية الأمر على الاسعافات الأولية للجرحى وكنا نحضر منذ الصباح الباكر ونغادر الساحة عند المغرب والى جانب تقديمنا للإسعافات الأولية كنا نقوم بعمل ندوات ومحاضرات توعية للثوار حول أهمية الاسعافات الأولية كما كنا نقوم بتدريبهم على طرق الاسعافات الأولية وكيفية إسعاف المصاب وإيقاف نزيف الدم ومعالجات الكسور وغير ذلك من الاسعافات البسيطة التي يمكن أن يقوم بها الشباب لإسعاف المصابين وهكذا حتى جاءت مأساة جمعة الكرامة كنت أنا ومعي مجموعة من الزميلات في شارع العدل نستقبل الجرحى هناك وفي ذلك اليوم واجهنا مصاعب كثيرة وعنفاٍ من قبل العساكر وسبحان الله نجوت ذلك اليوم بأعجوبة من رصاصة صوبت نحوي من فوهة بندقية أحد الضباط ولولا لطف الله وكرم احد المواطنين الذي فتح لنا دكانه ليس لإيوائنا فحسب بل لإنقاذ الجرحى واستمرينا في ممارسة عملنا في ذلك الدكان لمدة ثلاثة أيام.
حكاية أول طبيبة أسيرة
وتواصل ..د إيمان ..ازددت اصرارا بعد مأساة جمعة الكرامة وارتقى عملنا كملائكة للرحمة لنواصل المشوار لتقديم المساعدة وإنقاذ الجرحى ولم نتراجع نحن كطبيبات عما أقدمنا عليه ومرت الأيام ونحن ثابتات في اماكننا وفي يوم 2011/4/2م كانت هناك مسيرة اتجهت نحو الستين خرجن بعض من الطبييات لمرافقة تلك المسيرة لتقديم الاسعافات للمصابين وكنت أنا وبشرى غالب ونسيم الوافي وهيام القدسي في جولة عصر نقوم بإسعاف الجرحى وفجئة تم إطلاق غاز مسيل للدموع باتجاهنا بعدها ومن كثرة الغازات المنهالة علينا تشتتنا وذهبت البعض منا في اتجاه وأنا والدكتورة وهيام ولميس سلكنا طريقاٍ آخر وفي تلك اللحظة كانت هناك سيارة سنتافي يقودها شخص ممن كانوا يعملون في المختبر الطبي في الساحة ومعه مجموعة من الشباب ومعهم جندي قيل لنا بأنه مصاب وطلب منا أن نسعفه كان هناك من يحذرنا من إسعافه لكن مهنتنا الإنسانية تحتم علينا أن نؤدي واجبنا مع أي شخص كان في الثورة أو مناوئ لها صحيح اننا في تلك اللحظة لم نرى عليه آثار دماء لكننا قلنا ربما أنه اصيب بحالة اختناق بسبب الغاز المسيل للدموع لأنه كان غايب عن الوعي قمت أنا بإعطائه بخاخ للأنف وإبرة للتنفس
وتواصل الطبيبة إيمان حديثها قائلة بعدها طلب منا أن نصعد الى السيارة أنا وصديقاتي بحجة انقاذنا وإيصالنا الى المستشفى الميداني رفضنا في البداية لكننا بعد ذلك استجبنا لأنه ليس هناك مخرج من الجنود الذين كانوا يحوطون بنا من كل جانب وهنا كانت النقطة الفاصلة في تاريخ حياتنا بعد صعودنا الى السيارة وجدنا انفسنا انه يسار بنا الى طريق آخر غير الطريق المؤدي إلى الساحة ورغم مناداتنا للسائق بأن يتوقف ويرجعنا إلى الساحة أو يتركنا في حال سبيلنا الا أنه لم يعرنا أي اهتمام وتم اقتيادنا الى مبنى كلية الطيران وهناك وعند أحد البيوت المقابلة للكلية خرجت منه أمرأتان عجوز وشابه كانتا تريدن منا ان ندخل الى ذلك البيت بالقوة لكننا رفضنا أن ننزل من على السيارة رغم انهن كن يحاولن شدن بالقوة الى الخارج ويتفوهن بألفاظ بذيئة ..
لم تتوقف الحكاية هنا بل ان الموقف ازداد سوءاٍ وأصبحت أنا وزميلاتي على أعصابنا خاصة بعد أن وجدنا أنفسنا محاطات بأشخاص اشكالهم مقززة ومرعبة في نفس الوقت لكننا كنا صامدات ولم نستسلم رغم انهم هددونا بأننا كنا نريد خطف ذلك العسكري المصاب حسب زعمهم وقتله بعدها جاءت الشرطيات وحققن معنا ومن ثم تم أخذنا الى الأمن المركزي وتم التحقيق معنا مرة أخرى وتصويرنا تصوير فوتوغرافي وفيديو وتم اخذ كل ما بحوزتنا من أدوية خاصة بالإسعافات الأولية والحقائب الخاصة بنا المهم أن التحقيق معنا أخذ اشكالاٍ مختلفة مرة يحقق معنا جميعا ومرة اخرى حقق معنا كل واحدة منا على حدة وكانت اجابتنا في كل مرة واحدة و لم تتغير وعند تمام الساعة الحادية عشرة مساء وجدنا انفسنا بحق إننا لن ننفذ خاصة بعد أن دخل احد المحققين وهو ملثم ويقول لنا باللهجة العامية ( ارحبوا إلى عندنا ماعدفيش خرجه ) بمعنى اهلا وسهلا بكن لا سبيل لخروجكن من هذا المكان رغم انهم اخبرونا انه سيتم اخلاء سبيلنا بعد الانتهاء من التحقيق معنا هنا فقدنا اعصابنا وماهي إلا لحظات وطرق الشخص الذي حقق معنا الباب بالقوة قائلا هي اخرجوا من هنا بسرعة وتم اخراجنا وعند خروجنا من ذلك المكان نكتشف أن ذلك الجندي الذي اتهمنا بخطفه وقتله يجلس على الكرسي متكئاٍ يشرب العصير كان شيئاٍ لم يكن صرخنا هذا هو الجندي الذي اتهمتمونا بقتله ردوا علينا اذهبنا من هنا هذا ليس من اختصاصكن
بعد ذلك كانوا يريدون أن نصل الى منازلنا بواسطة الباص الخاص بنقل العساكر رفضنا أن نصعد اليه لنفاجأ من جديد بتلك السيارة السنتافي وعليها نفس الشخص الذي اقتادتنا تين شارع الستين استغربنا كثيرا كيف نجا هو ولم ننج نحن وبقية الشباب الذي تم أخذهم بعدها صعدنا الى نفس السيارة مضطرات لنصل بعد أن فقدن الأمل في العودة الى الساحة .
شجاعة يفتقدها الكثير رستمتها تلك الطبيبات بعزيمة وإصرار وتفان حبا في هذا الوطن وارتقاء بمهنتهن السامية التي تحلين بها بحق انهن ملائكة للرحمة هذه الرحمة التي لم تمنعهن من تقديم العلاج لذلك الجندي الذي للأسف وهب نفسه لأشخاص ليكون ذلك الطعم الذي اقتيدت به تلك الطبيات ولكن السؤال هل قدر المجتمع ذلك الدور العظيم لهؤلاء الطبيات
وبنبرات يطغى عليها الأسف تجيب إيمان بأن ما حدث لهن من اختطاف أصبح للاسف لعنة تلاحقهن من الكثيرين وليس ذلك فحسب بل إن القائمين على الثورة حينها رغم تثمينهم لشجاعتهن الاان ذلك كان مجرد كلام ولم يفوا بوعود كانوا قد قطعوها على انفسهم نحو ماقدمناه ولم يكلفوا انفسهم ان يطالبوا بإقفال الملف الذي فتح في الأمن المركزي بتهمة باطلة فضلا على أنه كانت هناك قنوات ومنظمات خارجية أرادت أن تتواصل معنا لتسلط الضوء على ما حدث لنا لكنه تم التعتيم على قصتنا من قبل القائمين أيضا في الثورة لكن هذا لم يجعلنا نتراجع عن مواصلة المسير حتى آخر يوم في الثورة وأنا لست نادمة على ماقدمته في سبيل اليمن لأني لم اضحي من أجل شخص فالتضحية كانت لمن يستحق منا أعظم من ذلك وهو الوطن الغالي الذي مهما وهبناه سيظل رخيصا أمام ترابه الطاهر
وتختتم حديثها بالقول .. الثورة منحتني الثقة بنفسي وخلقت فيني روح الإصرار والتضحية وإذا انطلقت الثورة من جديد سأكون في الصفوف الأولى ولن اتراجع
وأنا أشد على كل أمرأة أن تكون قوية و تسكت عن حقوقها لأنها لم تعد تلك المخلوق الضعيف الذي ينظر اليه من قبل ..