(التسويق الزراعي ودوره. في التنمية و الاكتفاء الذاتي”1

د. يحيى علي السقاف

 

 

تُعد الزراعة من النشاطات الاقتصادية الرئيسية التي تسهم في الاقتصاد الوطني ويرتبط الأمن الغذائي بالأمن الوطني، وتحقيق الأمن الغذائي يعتمد بالدرجة الأساسية على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، وللقطاع الزراعي الدور الرئيسي في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو يسهم في تطور وتنمية القطاع الزراعي وفي مكافحة البطالة وتقليص حجم الاستيراد وتطور ونهوض المجتمع وتعزيز الاقتصاد الوطني، وبالتالي الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي فضلاً عن أن المنتج المحلي يكون أكثر أماناً واطمئنانا على السلامة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد، إذ أن أغلب أمراض العصر مرتبطة بالغذاء والاستهلاك الغذائي، ناهيك عن تحسين الواقع البيئي .
ولما كان البنيان الاقتصادي العربي يعتمد أساسا على الزراعة فثلثا السكان العرب يعتمدون في معيشتهم على الزراعة مباشرة والثلث الباقي يشتغل معظمة في أعمال اقتصادية ترتبط بالبنيان الزراعي لذلك فان رخاء السكان ورفع مستوى معيشتهم لا يمكن أن يتم إلا على أساس تنمية اقتصادية تعتمد على الزراعة ومقوماتها والتسويق الزراعي الذي يعتبر من أهم الأركان الأساسية لقيام القطاع الزراعي، فالتسويق هو ذلك النظام المرن الهادف إلى تسهيل تدفق السلع الزراعية والغذائية، والخدمات المرتبطة بها من أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها بالأوضاع والأسعار والنوعيات المناسبة والمقبولة من كافة أطراف العملية الزراعية، وهو ضرورة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، لأن المنتجات الزراعية هي منتجات يتناولها كل أفراد المجتمع دون استثناء، أي يقصد به تنظيم عمليتي الاستهلاك والإنتاج من خلال التوازن في سوق هذه المنتجات بين العرض والطلب بما يضمن ثبات نسبي للأسعار.
فدور الاقتصاد الزراعي بهذه النقطة، هو دور ترشيدي، يحافظ على ثبات الدخول الحقيقية للأفراد، وذلك من خلال تدعيم السياسة المالية والنقدية في الأساس وأهداف التسويق الزراعي تتمثل في تحقيق وفرة في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وكذلك له دور كبير في التصنيع الزراعي وتحقيق فائض في الإنتاج الزراعي يسمح بالتصدير لتوفير عملة أجنبية، ويعمل على تحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ويقلص الفاقد في الإنتاج الزراعي وانخفاضها إلى اقل قدر ممكن .
ومن خلال عوائد المزارعين يتحقق دور التسويق الزراعي في تحقيق التنمية التي تعتمد على مدى وصول السلع والمنتجات الزراعية إلى المستهلكين عبر الأسواق المختلفة، فمعلومات وأخبار السوق، جزء أساسي من التسويق لتوجيه المزارعين حول أين ومتى وكم من السلع يمكن أن ينتجها ويبيعها المزارعون، وكذلك فإن وظائف التسويق المطورة والخدمات التسهيلية المتطورة تتيح الفرص للمزارعين لزيادة وتنويع وتحسين إنتاجهم الزراعي، حيث إن إنشاء مؤسسات تسويقية جديدة قد تحفز على إقامة أو تطوير مشاريع خدمية تساعد على تحديد وإصلاح وسائط النقل المختلفة وغيرها من الأجهزة والمعدات المساندة، وأيضا ضرورة وجود نظام فعال لبيع وتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي والمتطلبات الاستهلاكية الضرورية لمعيشة المزارعين .
كما أن دور التسويق الزراعي لا يقتصر فقط على خفض التكاليف، بل يتعدى ذلك لتسهيل انسيابية فائض الإنتاج من الحقول إلى الأسواق ومن ثم المستهلكين بشكل يربط القطاع الزراعي مع القطاعات الأخرى في الاقتصاد الوطني ولا بد أن تكون الجهود والسياسات المبذولة لزيادة حجم الإنتاج الزراعي موازية لسياسة تطور التسويق الزراعي بل يجب ان تسبقها فأي زيادة في الإنتاج قد تصبح ضرراً على المزارعين وعبئاً عل الاقتصاد الوطني إن لم تستطع المشاريع التسويقية استيعاب هذه الزيادة.
حيث تلجاً معظم الدول لتطبيق برامج لحماية المزارعين، ولا يفضل تدخل الدولة بشكل مباشر في قوى السوق وتثبيت أسعار إلزامية للمنتجات الزراعية، وإنما بتطبيق سياسات غير مباشرة، مثل سياسة شراء الفائض الإنتاجي أو سياسة تعويض المزارعين لفروقات الأسعار أو تمويل المزارعين لبناء المخازن أو أي سياسة أو برنامجا أخر بحسب الممكن والمتاح والظروف السياسية والاقتصادية للدولة فذلك من شأنه حماية عوائد المزارعين من التدهور المفاجئ بسبب هبوط الأسعار، وبالتالي تطمينهم وتحفيزهم لمزيد من الزيادات في الإنتاج .
وبدراسة عمليات التسويق الزراعي القائمة حالياً في الدول العربية، توجد أمامنا العديد من المشاكل التسويقية، منها: ظآلة الإنتاج الزراعي وتشتته مما يؤدي إلى وجود عدد كبير من الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين فترتفع تكاليف التسويق أو التوزيع، وكذلك مشاكل أخرى تتمثل في ضعف التمويل الميسر الذي يحتاج إليه المزارع ما يدفعه إلى بيع محصوله بعد الحصاد مباشرة بأسعار تقل غالباً عن الأسعار السائدة في السوق ويضاف إليه مشاكل تتعلق بالعمليات التسويقية كالتوظيب والتعبئة والنقل والتخزين ..الخ.
ومن عمليات التسويق يأتي التسويق الالكتروني الزراعي، وذلك من خلال بناء الأنظمة والقوانين المساعدة على تطوير القطاع الزراعي وتسهيل إجراءات تأسيس مراكز الخدمات التسويقية الزراعية من قبل القطاع الخاص، وتتمثل الأهداف التي سوف يحققها التسويق الالكتروني الزراعي في تأمين خدمات تجارية إلكترونية لجميع أطراف العلاقة المهتمة بتسويق المنتجات والخدمات الزراعية والعمل على رفع الكفاءة في الأداء وتحقيق الفاعلية في التعامل وتعدي الحدود الزمنية المقيدة لحركة التعاملات التجارية وتحقيق استجابة سريعة لطلبات السوق من خلال التفاعل مع العملاء .
والاكتفاء الذاتي هو القدرة على إنتاج جميع الاحتياجات الأساسية محليا من خلال الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانيات الذاتية والاستغناء كليا عن الاستيراد لتلبية هذه الاحتياجات، وأهميته انه يحمي الدولة في حال تعرضها للحصار، أي أن الاكتفاء الذاتي يعد حماية وطنية ويخفف من حاجات الدولة في توفير العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية، إذ انه يخفف الضغط على ميزان المدفوعات وينتهي العجز في الموازنة العامة ويحافظ على سعر قيمة العملة الوطنية بالإضافة إلى انه يحقق شعورا بالعزة والكرامة للدولة واستقلالية في قرارها ويخلق فرص عمل ويحل العديد المشكلات ومنها مشكلة البطالة.
كما أن الاكتفاء الذاتي والتوجه الجاد للاهتمام بالزراعة يعد من الأولويات لبناء الاقتصاد اليمني ومواجهة العدوان والحرب الاقتصادية حيث تُعد الأرض من أهم محددات التوسع في القطاع الزراعي وأن حجم الإنتاج يتحدد بالمساحات المزروعة خلال موسم معين من العام الزراعي وأن أهم محددات النمو في الإنتاج الزراعي هو عناصر الإنتاج الرئيسية التي تتمثل في الأرض والعمل ورأس المال إضافةً إلى الموارد المائية ومستوى التطور في استخدام الأساليب الفنية الحديثة في الإنتاج، وعلى الدولة أن تتحرك لتطوير هذا الجانب، والمساحات القابلة للزراعة في اليمن تقدر بملايين الهكتارات وتتوزع في السهول والأودية والمدرجات الجبلية، وبناء على توجيهات قائد الثورة على ضرورة التوجه نحو الزراعة والإنتاج المحلي من الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى لتقليل الاستيراد الخارجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ولاسيما في هذه الظروف التي يعاني فيها الشعب اليمني جراء العدوان والحصار الاقتصادي .
وكيل وزارة المالية

قد يعجبك ايضا