أنيسة محمد سالم
نظرت بنظرتين مثقلتنين إحداهما نظرة أمل لأمها المتعافية من نفس المرض، والأخرى نظرة بؤس لثديها المبتور..
زهور (اسم مستعار) ذات الـ 35خريفاً عاشت طيلة السنين الماضية من عمرها ولم يحل عليها الربيع قط، بل إنها عاشت تساقطاً دائماً لجسدها النحيل، وشعرها الأسود الطويل بطول الوجع وسواد الليالي.
عانت طويلاً منذ طفولتها من أمراض عدة كمرض الثلاسيميا وحصوات المرارة، عاشت خريفها في البحث عن متبرع يحمل نفس فصيلة دمها ما بين حين وآخر.
ليأتي سرطان الثدي يرغم ما تبقى منها وأوشك على السقوط، سقوط يصعب النهوض منه مجدداً.
قالت أنظر لأمي وأعض أصابعي ندماً لأني لم أتدارك نفسي مثلها، مر على أمي 19عاماً منذ أن أجرت عملية استئصال الثدي، وحالياً تعيش حياتها الطبيعية.
أما أنا فقد ضعت ما بين جهلي بالمرض، وخجلي من أن اطلب المزيد من الفحوصات والأدوية فأنا حمل ثقيل على أسرتي منذ أن جئت إلى الحياة.
ظلت مطوقة على نفسها حتى تفاقم الأمر وانتشر الورم إلى ساعدها، حينها أدركت عائلتها الأمر، وبما أن وضعها المادي لا يسمح بتحمل تكاليف العملية وتأخر الفحوصات ظلت تصارع الموت بمساعدة المهدئات وبعض كلمات الزوار وأمها الناجية.
ليأتي موعد إجراء العملية بعد عدة مواعيد مؤجلة بسبب سفر طبيب المستشفى الوحيد في أحد أرياف محافظة تعز.
أثناء العملية كان كابوس الأطباء المزعج هو أن يجف الدم في عروق الزهور، فطول فترة العلاج ما إن يتم إمدادها بالدماء الدخيلة على جسدها حتى تجف من فورها.
وبلطف الله وعناينه تكللت العملية بالنجاح، لتخرج زهور بنصف إشراقة حتى تزول مرحلة الخطر.
يقول الدكتور عبدالله ثوابة -رئيس قسم مركز الأورام في المستشفى الجمهوري -إن السرطان لم يعد شبح العصر وإنه أصبح من الأمراض المزمنة التي يمكن التعايش معها إن لم يكن النجاة منها تماماً.، ويضيف إن إمكانيات المركز تفوق سرطان الثدي ولا ينصح بالسفر إلى الخارج فالأمر أصبح مقدوراً عليه بفضل الله ثم بفضل الجهات الداعمة للمركز.
ويشدد على أن الشرط الأساسي للقضاء على الورم هو الكشف المبكر عبر عدة وسائل منها الذاتية “المنزلية”، ومنها الطبية التي لا تكلف الكثير.
تمر أيام مرحلة الخطر وزهور ما بين تفتح وذبول تصوب نظراتها باتجاه أمها متجاهلة فراش المرض والعقاقير الطبية حولها، علها تستمد منها بعض الأمل والقوة.