خليل المعلمي
العمارة اليمنية متميزة في مجملها ولها خصائص تحدد هذا التميز، لكنها مرت بمراحل متعددة تبعاً للمراحل الثقافية التي مر بها المجتمع اليمني عبر المراحل التاريخية المختلفة، اكتسبت خلالها قيما معمارية جديدة حققت الشخصية المعمارية المتميزة للعمارة اليمنية.
والطابع المعماري على مر العصور هو دائما انعكاس صادق للبيئة الحضارية التي كانت سائدة في مختلف المراحل التاريخية، والعمارة سجل شامل لتاريخ الإنسانية في جميع مراحلها وكل نوع من أنواع المباني سواء كانت دينية أو اجتماعية عامة أو خاصة تعبِّر كل منها عن ناحية من نواحي نشاط الإنسان.
ومع التطور الحضاري والمتسارع خلال العقود الماضية فقد فرض الانسان اليمني شخصيته وبصماته على العمارة اليمنية، ولهذا فمن الضروري وجود دراسة تحليلية للعمارة اليمنية واستخلاص قيمها المعمارية ليتمكن العاملون في هذا الحقل من توظيفها التوظيف المناسب الذي يتلاءم مع متطلبات عصرنا الحديث ويحفظ هوية عمارتنا.
يأتي كتاب “خصائص العمارة اليمنية” للدكتور محمد العلفي لدراسة وتحليل خصائص العمارة اليمنية وتأثرها بمعطيات العمارة الإسلامية،، والتغيرات التي طرأت عليها في العصر الحديث حتى أصبحت مزيجاً غير متجانس من العمران الناتج عن المدارس المختلفة التي تثقف بها المعمار اليمني.
يتناول الكتاب في ثلاثة أبواب (المرحلة التاريخية للعمارة اليمنية وعلاقاتها بالحضارات القديمة الأخرى ومدى تبادل المعارف بينها وبين تلك الحضارات، وخصائص أشكال العمارة اليمنية التقليدية وعوامل تكوينها، وتطورها وآفاقها المستقبلية).
ويعتبر الكتاب خطوة جادة لدراسة العناصر المعمارية في اليمن والمؤثرات الموضوعية والذاتية ومحاولة لفهم المسببات الكامنة وراء تلك المؤثرات وما أفرزت من مؤثرات سلبية أو ايجابية نتيجة الإنجازات المعمارية لمختلف المراحل ومدى صلتها بالتي سبقتها.
والكتاب عبارة عن بحث لعرض الخصائص المعمارية المميزة في العمارة اليمنية في الماضي وما وصلت إليه العمارة الآن ومدى تأثيره على العمارة المحلية والاتجاهات المستقبلية.
مراحل تاريخية
لا شك أن العمارة اليمنية قد مرت بمراحل تاريخية متعددة وتأثرت بالحضارات القديمة، يأخذنا المؤلف في الفصل الأول إلى المراحل التاريخية للعمارة اليمنية وتأثرها بالحضارات القديمة مثل حضارات بلاد الرافدين وحضارة وادي النيل وسوريا وغيرها من الحضارات الأخرى.
فالعمارة على مر العصور هي ناتج من نتائج النشاط الإنساني حيث ترتبط بحياة الفرد والمجتمع، فتأتي مفرداتها ومكوناتها الكلية معبِّرة عن المناشط المختلفة للفرد والمجتمع وترتبط بثقافة الفرد والمجتمع وبتصوراته ومعتقداته وبيئته وبإمكانياته العلمية والتقنية.
وقد استعرض المؤلف المراحل التي مرت بها العمارة اليمنية منذ ما قبل الإسلام، وفي عصر الإسلام حيث تطورت العمارة اليمنية بشكل ملحوظ وكان للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية دور في تطور العمارة وتنوعها، وقد عكست القيم الاجتماعية والسلوكية خصوصيتها من خلال الفراغ ومسارات الحركة والمتطلبات والاحتياجات الوظيفية وأصبحت للمجتمع صلة بالعمل المعماري عن طريق مشاركته في بناء المسكن وذلك للوصول إلى فراغات مناسبة تلبي المتطلبات المعيشية كما هو الحال مثلاً في عمارة المساكن ذات الفناء الداخلية في مختلف المدن الإسلامي كدمشق والقاهرة والرباط.
ويؤكد المؤلف أنه منذ استقرار الإسلام في اليمن شهدت اليمن تحولات حضارية في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وقد جاء الإسلام بروح جديدة أثرت بشكل مباشر وغير مباشر في طبيعة العمران سواء على مستوى المدن التي كانت قائمة أو المستحدثة، حيث أضاف كثيراً من العناصر المعمارية إلى المدن مثل المسجد ودور الحكم والسوق والمباني العامة وكذلك نظام البناء وخاصة في الحرص التام على تحقيق الخصوصية المطلقة للفرد والأسرة، كما أضاف بعداً جديداً في نظام الزخرفة حيث ابتعد عن تجسيد الحيوان والإنسان واتجه إلى الزخرفة المستوحاة من الأشكال الهندسية والنباتية، مشيراً إلى أن نمط المسجد أصبح هو قطب الرحى الذي تتجمع حوله دور الحكم والاسوق والمباني الإدارية الأخرى وشكل نقطة التقاء لمحاور الحركة داخل المدينة وقد انتشرت بشكل واسع سواء على أيدي المبعوثين من قبل الرسول صلى الله عليه وآله سلم أو من قبل أبناء اليمن، وبالتالي تعددت الأنماط من منطقة إلى أخرى إلا أنها في مضمونها لا تختلف كثيرا.
وفي نهاية الباب الأول استعرض المؤلف المكانة التاريخية للعمارة اليمنية التقليدية وتاريخها.
خصائص العمارة اليمنية
وفي الباب الثاني قام المؤلف بدراسة خصائص أشكال العمارة اليمنية التقليدية وعوامل تكوينها باستخدام اللغة النمطية، حيث جاء نمط العمارة كوحدة معمارية لها ارتباط بواقع الحياة المعيشية وطرقها وأوضح أن ظهور العناصر المعمارية التي ارتبطت بالوحدة كخصائص مختلفة كان لها دور في رفع المستوى المعماري الذي وصلت إليه العمارة اليمنية، فقد عملت بشكل عام على إعطاء إحساس روحي ونفسي للمستعملين الذين كان لهم دور في إخراجها بأطرها المختلفة، حيث تعددت الخصائص التخطيطية والمعمارية بما يتفق مع المتطلبات والاحتياجات حتى وصل الناتج المعماري إلى تلبية تلك المتطلبات والاحتياجات البيئية ،كما أن المعالجات المعمارية والتخطيطية جاءت بأساليب لها معناها ولها هويتها تلك الهوية التي جعلتها تصل إلى مستوى اللغة المعمارية التي كان لها القدرة على استيعاب الظروف المناخي ووصلت إلى مستوى التكيف البيئي وعملت على التعديل الحراري والراحة الحرارية ، أما اختلاف المناطق فقد جعل الخصائص المعمارية تعمل على تلبية ما يناسب ظروف كل منطقة بما يكفل لها وحدتها التشكيلية ولذا ظهرت جميعها متفقة في مجملها ابتداءً بعملية التوزيع الداخلي للوحدة وارتباطها بطرق الحياة وأسلوب المعيشة والنمط الاجتماعي والسلوك الإنساني إلى وضعية الوحدة وارتباطها في شكل مجموعات من خلال الساحات والبساتين والشوارع إلى عملية الوضع الكلي للمدينة أو القرية والتي اتخذت أساليب فئوية أو شريطية.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ارتبط هذا التخطيط بعملية ارتباط مداخل المدن ومداخل المساكن للحياة الاجتماعية والأوضاع المختلفة للمباني وارتباطها بطبيعة الأرض وما رافقه من ارتباط على مستوى المبنى الواحد أو المجموعة، حيث كان لهذا الارتباط مرجعية للحصول على فراغات عفوية سواء على مستوى الساحات أو البساتين أو الفراغ المرفوع أو المنخفض والعلوي وهذه الفراغات جميعها لكل منها خصائصها فمنها ما هو هي مرتبط بالنواحي الاجتماعية والاحتياجات ومنها ما هو مرتبط بطبيعة التشكيل والتكوين ومنها ما ارتبط بمتطلبات طرق الحياة كالفراغ العلوي الذي ارتبط بمتطلبات معيشية وساعد على الرؤية والاستكشاف.
ويعتبر المؤلف أن هذه التعددات والأشكال تعتبر كلغة معمارية ظهرت في مختلف المناطق وما جعلها تخرج بالأسلوب نفسه وتظهر بالنمط نفسه هو طبيعة الحياة الاجتماعية المتمثلة بالترابط الاجتماعي إذ كان للفكر الإسلامي دور في عملية النسق المعماري والتخطيطي ،وأما التجانس الذي ظهر في شكل العناصر فكان ناتجاً عن تعدد أنواع المواد والزخارف وتغير أنماط الفتحات وأساليب معالجتها تبعاً لبيئتها وجميعها ظهرت كلغة معمارية واحدة اتفقت مع اللغة النمطية التي جاءت مؤخراً في وقت كانت فيه العمارة اليمنية قد سبقت هذا المفهوم منذ وقت يرجع تاريخه إلى مئات السنين.
تطور العمارة اليمنية
وتناول المؤلف في الباب الثالث تطور العمارة اليمنية وآفاقها المستقبلية، ووجد من خلال دراسته أن التأثير قد جاء من خلال دخول الأنماط التي صاحبت الفترات السابقة وكذا مع دخول المشاريع التي جاءت كهيئة مساعدات ولم يتدخل فيها المعماري اليمني وخلال فترات زمنية ولم تعط البيئة المعمارية أهمية ولا حتى الهوية إضافة إلى ذلك التأثير من خلال الهجرات المتبادلة وكذا ظهور النظريات المعمارية والاتجاهات التي جاءت نتيجة التطور الصناعي والاقتصادي وزيادة الإنتاج الأمر الذي أدى إلى احتياجات ومتطلبات لمشارع جديدة وهذا ما ظهر بشكل واضح بعد تطور اقتصاد الدول العربية والذي كان له أثر واضح على البيئة العمرانية للعمارة اليمنية التي واجهت العديد من المشاكل منها تطور شكل الحياة وظهور وظائف جديدة تلبي متطلبات التنمية.
ويستنتج المؤلف من خلال البحث حول العناصر والخصائص المعماري والتخطيطية أن العمارة الحديثة قد فقدت الكثير من الخصائص التي ترتبط بطرق الحياة والسلوك الإنساني وأصبحت مادية أكثر منها ارتباطاً بالبيئة والعلاقة بالبيئة العمرانية الموجودة والتي لها صلة بالإنسان والسلوك والروح والهوية،وقد وضعت الأسس التخطيطية بطرق متقاربة للتخطيط في الدول الأخرى دونما الرجوع إلى الأسس التخطيطية الموجودة والتي كان لها ارتباط بالنواحي الاجتماعية ومراعاة الترابط بين المجموعات من خلال خصائص وعناصر لها علاقة بالاحتياجات سواء كانت فراغات اجتماعية تتطلبها التهوية والإضاءة والتشمس أو فراغات تطلبها التظليل المتبادل واتضاح الفراغات للاتصال والحركة بين المجموعات مثل الشوارع والطرقات أو جميعها كانت ترتبط بعناصر أساسية مثل المساجد والأسواق.