في البداية ،وليس بعيداً من وعما يجري في شمال غرب سوريا ،وهذا الزخم العسكري الكبير الذي يقوده الجيش العربي السوري بهدف تحرير محيط محافظة ادلب وإطباق فكي كماشة على عمقها الحيوي ، وهنا لا يمكن للدول الداعمة للمجاميع المُسلّحة الإرهابية إنكار حقيقة خسارة الرهان على المجاميع المُسلّحة الإرهابية لتحقيق مشاريعها في سوريا ، فاليوم الجيش العربي السوري ، حرر ما يزيد على 70 % من مساحة سوريا ويتواجد بما يزيد على 80 % من مساحة سوريا ،و أصبح يُطلُ بشكلٍ واضح على المواقع المتقدمة للمجاميع المُسلّحة الإرهابية في عمق ما تبقى للمجاميع المسلحة الإرهابية من بؤر جغرافية شمال غرب سوريا “ادلب ومحيطها” ،وشرق وشمال شرق سوريا “شرق الفرات”، وهذا بدورهِ ُشكّل بمجموعهِ عبئاً ثقيلاً على الدول والكيانات الداعمة للمجاميع المُسلّحة بشقيها الإرهابية والمعتدلة حسب تصنيف محور العدوان على سوريا في محافظة إدلب ومحيطها وبمناطق شرق الفرات ، فمعركة إدلب اليوم وبقوة زخمها العسكري تُشكّل أهمية استراتيجية “كبرى” ،ليس لأنها آخر البؤر الإرهابية المتبقية بشمال سوريا ،بل لأن المحافظة “إدلب ” وبموقعها الاستراتيجي بالشمال الغربي لسوريا، تُشكّلُ أهمية استراتيجية بخريطة الجغرافيا “السياسية والاقتصادية والتجارية” السورية، وتحتلُ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق، تمتدُ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطةُ وصل بين مناطق شمال سوريا ووسطها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب التركي، إضافة إلى كونها تشكلُ نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية، المرتبطة بإدلب شمالاً وجنوباً، وهذا ما يعكسُ حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة إدلب في خريطة المعارك المُقبلة والنهائية والحاسمة في الشمال والوسط السوري بشكلٍ عام.
وهنا يمكن الجزم أن الجيش العربي السوري، قد استطاع تسديد الضربة القاصمة فعلياً لبنية المجاميع السلحة الإرهابية في مختلف بقاع الجغرافيا السورية ، وبدأ فعلياً برسم ملامح وطبيعة المعركة الحاسمة والنهائية في عموم مناطق محافظة إدلب ومحيطها ومناطق شرق الفرات، وقد بدا واضحاً لجميع المتابعين أن سلسلة المعارك الأخيرة للجيش العربي السوري، والتي جرت في الآونة الأخيرة «منتصف العام الماضي «2018م» في مناطق جنوب وجنوب شرق سوريا» حسم معارك درعا والقنيطرة وشرق السويداء وصولاً لمحاصرة وتطويق التنف بما فيها القاعدة الأمريكية «،ما كانت إلّا هدف من سلسلة أهداف استراتيجية، كجزءٍ من خطة ورؤية أكبر، لمسار الحسم العسكري التي عمل ويعملُ عليها الجيش العربي السوري وحلفاؤه ، والتي أسقطت بالمحصلة رِهان بعض القوى الشريكة بالحرب على الدولة السورية، والتي حاولت طيلة عمر الحرب على سوريا ،اتخاذ المجاميع الإرهابية المسلحة كنقطة ارتكازٍ.. في محاولة لإخضاع الدولة السورية لشروطٍ وإملاءات، كانت تحاولُ بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو- أمريكي بالمنطقة، فرضها على الدولة السورية.
وهنا، وبالعودة إلى الأساس وصلب ما يجري اليوم بإدلب ومحيطها ،لا يمكن انكار حقيقة هامة ومفصلية تخص محافظة إدلب بالتحديد ،فالمحافظة بمجموعها بالإضافة إلى محيطها الحيوي والاستراتيجي ،سعى محور العدوان على سوريا لتحويلها بمجموعها إلى قاعدة استنزاف لسوريا الدولة بكيانها الجغرافي والسيادي، واليوم ،هناك تقارير موثقة تقول إنّ إدلب ومحيطها من أرياف حماه الشمالية الغربية واللاذقية الشمالية الشرقية وحلب الجنوبية الغربية ،تحوي على الأقل مائة الف مسلح سوري وغير سوري بين إرهابي “ومعتدل” حسب التصنيف – الأمريكي – التركي «وتشير إلى أنّ هناك من أصل المائة الف ما بين 11 و15 ألف إرهابي عابر للقارات موجودون في ادلب “داعش” و”النصرة”، أو في صفوف ما يُسمّى تركياً بـ «قوات المعارضة السورية»، وتفيد المعلومات عينها بأنّ هناك حوالي 40 ألف مسلح سوري كانوا يقاتلون الجيش العربي السوري في مناطق سورية عدة ،ورفضوا مشاريع المصالحات وقرروا الذهاب لإدلب ، وهؤلاء عبارة عن أدوات في أيدي أجهزة استخبارات الدول الشريكة في المؤامرة على سوريا، وهنا يعلم الكثير من المتابعين أن هناك حوالي 12 جهازاً استخباراتياً غربياً وعربياً وإقليمياً يعمل اليوم داخل “ادلب”.
وهنا ، نقرأ بوضوح مدى ارتباط المجاميع المسلحة “الإرهابية” في ادلب ومحيطها مع الجانب التركي الذي أصبح ممراً ومقراً لهذه المجاميع، وهذا ما يظهر في شكل واضح ارتباط الأجندات التركية بالمنطقة مع أجندات هذه المنظمات المسلحة المدعومة هي الأخرى من دول وكيانات ومنظمات هدفها الأول والأخير هو ضرب وحدة سوريا الجغرافية والديمغرافية خدمة للمشروع المستقبلي الصهيو- أمريكي بالمنطقة، وهو ما يظهر حقيقة التفاهم المشترك لكل هذه المنظمات وبين هذه الدول والكيانات لرؤية كل طرف منها للواقع المستقبلي لسوريا ، وبالأخص للحرب «الغامضة» التي تدعي أمريكا وبعض حلفائها بالمنطقة أنهم يقومون بها لضرب تمدد الفكر الإرهابي في العالم والمنطقة العربية على الخصوص .
وهنا بالتحديد يعلم اغلب المطلعين على ما يدور بإدلب اليوم ،ان معركة الجيش العربي السوري في ادلب ،لن تكون فقط معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما ستكون ، معركة مع نظام عالمي جديد يُرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته في سوريا ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الإمبريالية العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية، وهذه المؤامرة تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سوريا، وهي الأهداف المرسومة التي تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود، إلا أنّ الجيش العربي السوري وذهابه نحو الصدام المباشر مع هذا المشروع ، كسر كلّ الرهانات الغربية والإقليمية وبعض العربية، فالجيش العربي السوري حقق إنجازات كبيرة وهائلة في الميدان أذهلت العالم وغيّرت سياسات ورسمت معادلات جديدة، لا يستطيع أحد القفز فوقها، والأهمّ من ذلك كله هو تلاحم الشعب والجيش والقيادة السياسية في معركة ضارية قادتها وموّلتها ورعتها تسعون دولة في العالم، لكنّ إرادة الشعب السوري المتمسّك بأرضه والمؤمن بقضيته والمتفهّم حقيقة وطبيعة المؤامرة، أبعاداً وخلفيات، أفشل خطط الأعداء وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام.
ختاماً، يبدو أنّ الأكثر وضوحاً اليوم، أنّ منظومة الحرب على سوريا بدأت بالتهاوي بالتزامن مع تهاوي بقايا المجاميع المسلحة الإرهابية ، واليوم نرى أنّ هذه المنظومة تعيش فترة ترنح ما قبل السقوط النهائي مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرّض لها المجاميع المسلحة الإرهابية من الشمال إلى الشرق السوري وتخلي داعميها عنها، وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، فاليوم القيادة السياسية والعسكرية السورية تدير المعركة بحنكة وبحرفية عالية، والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات “شرقاً وشمالاً” وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة حسم المعارك بعموم خرائط المعارك الميدانية في “شمال وشرق “سوريا، واليوم الجيش العربي السوري بداً المبادرة بعد أن انتقل من مرحلة التموضع والاستعداد إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض “شمالاً وشرقاً”، ومن هنا سننتظر نتائج المعارك العسكرية المقبلة ، والتي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية السورية بشكل عام..
*كاتب وناشط سياسي – الأردن .