حين يلفت مفتي الديار اليمنية العلامة شمس الدين شرف الدين أثناء مشاركته في الفعالية التي أقامتها وزارة الصحة بالمولد النبوي الشرف إلى الفجوة القائمة بين الأمة والنبي الخاتم، فهو يستند في ذلك إلى ما صارت اليه الأمة من ضعف وهوان، فالابتعاد عن الارتباط بالرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، يضعف بلا شك تمسك المسلمين بتلك القيم التي جاء بها مبعوثا ومرسلا من الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي يعني مخالفته في ما جاء به.
ويكفي المؤمن في تمسكه بالرسول الكريم الاقتداء بأخلاقه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وبشجاعته في مواجهة قوى الطاغوت.. وفي التعبير عن حبه تعظيماً له بصورة فعلية كما أمر الله سبحانه، على ان ذلك ينبغي ان يترجمه أيضا التأسي بشمائله التي تمثل علاجاً لأي انحرافات.
من هنا، فإن العودة إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، عودة إلى الثوابت التي تمنح المسلمين أسباب النصر والعزة.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
وإذا تأمل الإنسان غثاء السيل فإنه يلاحظ فيه جملةً من أسباب الضعف والخور، فغثاء السيل ليس له قبلة ولا وجهة ولا هوية، وغثاء السيل يفتقر إلى النظام، وفيه معنى الخلاف، فليس بين أجزائه رابط، وغثاء السيل تبعٌ لحركة الماء، وهل أضاعنا إلا الدخول في حجر الضب خلف أمم الغرب مع شدة ظلام حجر الضب وشدة ضيقه ونتن رائحته.
وإذا أراد الإنسان أن يختصر أسباب النصر فإنه يستطيع أن يقول: إن الله أعزنا بالإسلام، فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وإذا تركت الأمة الجهاد كتب الله عليها ذلاً لا ينزعه حتى يراجعوا دينهم، فالعودة إلى الله سببٌ لكل خير، والبعد عن الله سببٌ لكل شرٍ وهوان.
ولا بد من تربية جيل النصر المنشود على كتاب الله وحب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وإعادة النظر في مناهجنا، وخاصةً الجوانب الحضارية المشرقة التي تعمد الأعداء إخفاءها وتشويهها، والخير باقٍ في أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن أمتنا لا تموت..
لهذا رفض النبي أعمال الجاهلية
رفض الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أعمال الجاهلية لأنَّه جاء بشريعة الإسلام التي يُحَلِّل الله -تعالى- فيها الحلال، ويُحَّرِّم الحرام وحده -سبحانه-، قال -سبحانه- في كتابه الكريم: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، بينما كانت أحكام الجاهلية مبنيةً على الرأي والهوى والاصطلاحات الموضوعة من عند البشر أنفسهم، ويعتمد كثيرٌ منها على الظلم والجور، وقد اعتبرت الآية الكريمة أنّ أيّ حكمٍ يُخالف ما أنزله الله -تعالى- على رسوله هو حكمٌ من أحكام الجاهلية والهوى، وليس من أحكام العقل والعلم والهدى.
احتفالات تعم بلاد المسلمين
يحتفل المسلمون مع دخول شهر ربيع الأول من كل سنة بذكرى مولد سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فرحا وابتهاجا بهذه النعمة المسداة، والعطية المهداة، الذي أشرقت بأنواره كل المخلوقات، وتنسمت هدايته كل الموجودات. إنه الرحمة التي عاش في كنفها كل الناس، والعظيم الذي أرشد الناس، والنبي الذي دل الثقلين على النجاة، والهادي الذي أخرج الناس من ظلمات الجهل والشرك إلى أنوار الطاعة والايمان، وأخرجهم من عالم الظلم والغاب إلى عمران الأخوة والأمان، فكان حقا رحمة على كل المخلوقات بشرا وحجرا وشجرا، قال الله تعالى عن نبيه ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ “.
إنها ذكرى غالية على القلوب، تستلزم الوقوف معها وقفة تُجدد الصلة والارتباط به صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وهي كذلك مناسبة للفرح والاحتفال بهذا التفضيل والتشريف الذي شرَّفنا به الله سبحانه وتعالى بجعلنا من أمة محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
احتفال وفرح يكون المقصد منه تجديد الصلة به عليه وعلى آله الصلاة والسلام محبة واتباعا، ووسيلة للتقرب إلى المنعم وهو الله سبحانه وتعالى طاعة وشكرا، قال الله تعالى: ” قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ “، ولا يجب أن يكون المقصد من هذا الفرح والاحتفال عادة ألفها الناس وشبوا عليها فلا يبعث على عمل ولا يحشد همة نحو محبة الله ورسوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام.