
عظمة الشعوب من عظمة جيوشها, وقوة الأمم من قوة وإيمان أبنائها, فلا يمكن لأي بلد أن ينهض ويتقدم ويزدهر اقتصادياٍ وثقافياٍ وسياحياٍ وسياسياٍ.. إلا في ظل الأمن والاستقرار اللذين يرتبط وجودهما وتحقيقهما على الواقع, بوجود جيش وأمن وطني قوي يحفظ للبلد أمنه وأستقراره ويتصدى للعابثين والحاقدين والمخربين ممن يسعون لإقلاق وتدمير الوطن والعبث بممتلكاته وثرواته سواء كان من الداخل أو الخارج.. فالجيش يعتبر العمود الفقري للشعوب وبدون هذا العمود تكون الدولة منكسرة ومهانة.
اليمنيون كانوا ـ ولا زالواـ أحد تلك الشعوب التي تحلم وتتأمل بأن يكون لديها جيش عظيم كسائر جيوش العالم… ومن اجل تحقيق ذلك الحلم الذي يراودنا منذ سنوات طويلة حرص مؤتمر الحوار الوطني على إعطاء أولوية لهذا الجانب, لأهميته وضرورته.. إذ شكل فريق أسس بناء الجيش والأمن من ضمن التسع الفرق التي كونها.
وحرصاٍ على أن يكون عمل فريق بناء الجيش والأمن منظم ودقيق ومبني على أولويات ومعلومات سابقة وملم بالأوضاع والمشاكل التي يواجهها ـ ولا يزال ـ الجيش والأمن خلال الأعوام الماضية والراهنة, كان من أهداف عمله التفصيلية هو تقييم الوضع الراهن للجيش والأمن والمخابرات والهيكلة التي تمت موخراٍ, ووضع أسس مستقبلية حديثة لبناء الجيش والأمن والمخابرات مع تحديد أهدافها ومهامها, بالإضافة إلى وضع أسس لضمان إخراج الجيش من المدن عند تحديد مسرح العمليات الجديدة, وتحويل المؤسستين العسكرية والأمنية إلى مؤسسات وطنية مهنية, وغيرها من الصور والبنود الفرعية التي جاءت تحت عنواين عريضة للأهداف العامة للفريق والمقسمة إلى أربعة محاور أولها أسس بناء الجيش وطنياٍ ومهنياٍ, ثانياٍ: مدى توافق مخرجات إعادة هيكلة الجيش مع تلك الأسس, ثالثاٍ: دور الجيش في الحياة السياسية, وأخيراٍ مؤسسة الأمن كهيئة مدنية.
هذا وقد باشر فريق الجيش والأمن عمله للفترة الأولى بتاريخ 13 ابريل من العام الماضي’ واستمع خلال هذه الفترة لجملة من الآراء والرؤى والأفكار, ودرس وناقش العديد من الدراسات المتخصصة بجانب الجيش والأمن, كل ذلك كان عبر استماعهم لمحاضرين متخصصين وكذا من خلال الزيارات الميدانية التي قام بها الفريق لمعظم فروع ودوائر وزارتي الدفاع والداخلية بالإضافة إلى زيارة بعض منظمات المجتمع المدني ممثلة بأساتذة وطلبة الجامعات لاستيعاب الكثير من الأطروحات ووجهات النظر والهموم والمشاكل التي يواجهونها وتعيق العمل العسكري والأمني في حقيق وأداء مهامه وكذا تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة وممتلكات الوطن.
ونظراٍ لضيق الوقت في الفترة الثانية والتي انطلقت في الـ 13 من يوليو العام المنصرم لم يتمكن أعضاء الفريق من زيارة بقية المرافق والمنشآت العسكرية والأمنية.. لكنهم اكتفوا خلال الفترة الثانية بزيارة جهازي الأمن السياسي والقومي والمخابرات العسكرية وباشروا بإعداد المخرجات النهائية للفريق والمقترحات والتوصيات التي سنذكرها في السطور القادمة, والتي توافق عليها الفريق وتنسجم مع مخرجات فريقي القضية الجنوبية وبناء الدولة.
ومن أهم القرارات التي أتفق عليها أعضاء الفريق وأوردها التقرير النهائي لهم تتلخص في أربعة محاور كأن أولها قرارات كمبادئ دستورية أو مشاريع ومقترحات دستورية, تضمن هذا المحور أكثر من (19) مشروعاٍ ومقترحاٍ دستورياٍ تضمن تحقيق جيش وطني ملك للشعب ومهمته الأساسية والرئيسية حماية البلاد والحفاظ على أمنها واستقرارها وحماية وسلامة أراضيها وسيادتها ونظامها من أي عدوان أو معتدي سوى كان محلي أو خارجي.
وقال فريق بناء الجيش والأمن في احد القرارات المقترحة كمبادئ دستورية بأن الدولة وحدها من تنشئ قوات الجيش والأمن, ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة أو تنظيم أو قبيلة إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية تحت أي مسمى..وهذا ما يأمل ويطمح إليه أبناء هذا الشعب اليمني خاصة بعد أن ضعفت وتراجعت هيبة مؤسساته العسكرية والأمنية أمام بعض القوى القبلية والجماعات التنظيمية الدينية.
كما أكد الفريق في القرارات المقترحة أن تصبح مواد دستورية والتي توافق عليها أعضاؤه وذكرها التقرير النهائي, على ضرورة أن يتم التمثيل في القوات المسلحة والأمن والمخابرات في المرحلة التأسيسية %50 شمال و%50 جنوب على مستوى المرتبات القيادية والجيش والأمن والمخابرات ماعدا ذلك %50 سكان و%50 جغرافيا, وكذلك أن يكون الأمن هيئة مدنية نظامية تؤدي واجباتها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة وحماية حقوقهم وحرياتهم.
بالإضافة إلى إنشاء مجلس أعلى للدفاع الوطني والأمن القومي متخصص بوسائل تأمين البلاد وسلامتها وإعداد الاستراتيجيات والسياسات لمواجهة التهديدات الخارجية, والتحديات الداخلية, ورسم الخطط والاستراتيجيات الداخلية والخارجية للبلاد والتي من خلالها يتحقق الأمن والاستقرار للوطن والمواطن.
وكانت مشكلة الإرهاب وكيفية مواجهته ضمن القرارات والمشاريع الدستورية, كونها إحدى أكثر المشاكل التي يعاني منها اليمن وتكلفه الكثير من الخسائر البشرية والمادية, لذلك أكد الفريق على ضرورة ” محاربتها وفقاٍ لاستراتيجية وطنية واضحة يعرِف فيها الإرهاب بالتعاون مع المجتمع الدولي في ذلك بما لا يمس السيادة الوطنية ما عدا التعاون في تدريب وتأهيل الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية المختصة بمحاربة الإرهاب وتطوير قدراتها وتسليحها القتالي وعدم التدخل المباشر” وهذا ما تطالب به كل منظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط العام أن لا يكون هناك تدخل مباشر من الدول الأخرى للقضاء على الإرهاب لأن ذلك ينتهك سيادة الوطن.
ولا يخفى على أحد المشاكل التي عانى ـ ولا يزال يعاني منها الجيش والأمن منذ سنوات طويلة, وتراجعت قوته وهيبته وفقد ثقة الشعب فيه, كل ذلك بسبب تدخل العمل السياسي والحزبي بين أوساط المؤسستين العسكرية والأمنية وتم تقسيها واحتسابها لعدة أحزاب وتنظيمات وجماعات, مما جعله جيشاٍ لا يعي لمصلحة الوطن والحفاظ على ممتلكات ومكوناته.. لذلك لم يتغيب هذا الأمر عن المشاريع المقترحة للدستور, والتي تنص على تحييد الجيش والأمن والمخابرات عن أي عمل سياسي ولا يجوز مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاء سواء بالاقتراع أو الترشح أو القيام بحملات انتخابية لصالح أي من المرشحين فيهاحمايةٍ لها من أي اختراق سياسي, وكذا تجريم الاتجار بالأسلحة والمتفجرات بمختلف أنواعها وأحجامها من قبل أي قوة.. وغيرها من المشاريع الدستورية التي بلغت إلى تسعة عشر مشروعاٍ.
و تضمن البند الثاني (قرارات وموجهات القانون) من قرارات الفريق المقدمة للجلسة العامة الختامية على (51) محوراٍ تشير إلى تحديد الحجم الأنسب للقوات المسلحة طبقاٍ للنسب المعمول بها عالمياٍ ومراجعة التشريعات الحالية للقوات المسلحة والأمن والمخابرات وإصدار تشريعات تواكب الدستور الجديد بالإضافة إلى إصدار قوانين لتوحيد مراكز القيادة والسيطرة والتوحيد في مؤسسة الأمن والشرطة, وكذا إخضاع عملية شراء الأسلحة والآليات الخاصة بالقوات المسلحة والأمن للجنة مناقصات ورفع مدة الدراسة في الكليات العسكرية إلى أربع سنوات بدلاٍ عن ثلاث سنوات مع إضافة مواد في الدراسات المدنية والعسكرية إلى المناهج الخاصة بالكلية, بالإضافة إلى العديد من المحاور والبنود التي تصب في صالح أفراد الجيش والأمن وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية, وتساهم على تحسين وإصلاح المؤسستين العسكرية والأمنية مما ينتج عن ذلك رضاء المواطنين عن الخدمات التي يقوم بها هذا الجيش أبرزها الحفاظ على الأمن والسكينة العامة.
بينما ذكر المحور الثالث (قرارات تنفيذية لمعالجات آنية) في التقرير النهائي للفريق (42) قرار تنفيذي لمعالجة مشاكل آنية وقائمة بين أوساط الجيش والأمن, أهمها إلزام بسرعة إعداد خطة أمنية شاملة وكاملة لتعزيز وتفعيل دور الأمن بكافة المحافظات, وإعادة جميع المتقاعدين المقصيين من الجنوبيين والشماليين وكذا إعادة توزيع القوى البشرية بعد إجراء فحص دقيق للأوضاع وتحديد حجم القوة العاملة وإعادة التوزيع يشمل كافة الوحدات العسكرية والأمنية سوى البرية أو البحرية أو الجوية, بالإضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين والمحتجزين في سجون المخابرات خلافاٍ للقانون وغيرها من البنود التي ستساهم في حل اغلب المشاكل والصعوبات والتحديات التي يواجها رجال الأمن والجيش في القضاء على كل ما يعيق تقدم وازدهار الوطن.
وبعد الجهود الكثيفة التي بذلها فريق بناء أسس الجيش والأمن خرج بعدد من التوصيات التي تصب في صالح كافة الإدارات والفروع العسكرية والأمنية, وليس هناك مجالاٍ كافياٍ لذكرها.. إلا أنها ثمار حسنة ونتائج طيبة قدمها هذا الفريق للوطن من خلال مؤتمر الحوار الوطني.
إلا أن هناك مخاوف عديدة تنتاب الشارع اليمني بين الحين والآخر من عدم تطبيق كل تلك المشاريع الدستورية وتنفيذ القرارات المعالجة الآنية وقرارات المحددات القانونية وكذا التوصيات التي خرج بها الفريق خصوصاٍ والحوار عموماٍ.. كون الحديث عن مستقبل وغد أفضل وآمن بدون السعي إلى تحقيق المخرجات, كالظمآن في الصحراء كل ما رأى بأنه اقترب من الماء لم يجده.. لذلك يجب إلا ترمى هذه المخرجات في سلة المهملات, كون إهمالها يعتبر إهمالاٍ لحاضر ومستقبل اليمن.
