(1)
في العرف الإنساني يتفق الفكر بتنوعه في اتساع هذا العالم على تعريف الثورة بأنها وسيلة شعبية أو فكرية أو أثنية أو قومية أو نظام حكم في استبدال الواقع وتغييره بواقع يناسب أدبيات الثورة وتوجهها ومقوماتها العضوية، كما يناسب تطلعات الثوري ومدى جموح طموحه الذي يعد تقدير الطموح ومدى جموحه معياراً في إثبات أو نفي جدية وحقيقة الثورة وصدق اجتراحها وتمييز كونية وجودها من عدمها .
ومن هذا المنطلق الجامع لكل الأشربة والمناهل، جرى العرف الإنساني في تقييم ووصف الثورة وتعريفها وتحديد ماهيتها وطبيعتها وأسسها .
كما وضع لكل تلك المصطلحات مفهوماً وتعبيراً دقيقاً مكتملاً وأصبح المصطلح نهجاً متفقاً عليه كأسس وثوابت باختلاف الفكر والهويات والوعي ؛ كما أصبح التعبير والمفهوم محط التكييف النسبي كمعطى مما يخضع للتنوع الفكري كنتيجة. وهناك حدث هو الأهم لدى المهتم سواءً المؤيد أو المناهض وهو ذكرى ثورة الواحد والعشرين من أيلول ..
وعودة لقولي ” حدث هو الأهم ” فإن قوليه لم يكن عبثا بل عن دراية لما تحمله هذه الثورة من اختلاف ظلت فيه بين شد وجذب طيلة سبع سنوات ولما تحمله من أسرار ومعان تتناول حبلها الفكري رشقات نظر وجذبات يد برجماتية الذات من قبل طرفين لا ثالث لهما فظلت تتأرجح إما في منظور المغايرة للطابع الكونيالي المألوف وبين اجتراح الخلق المتجدد كضرورة التنوع وبديهية الحق في اختلاق مقابل مواز يبعث للاطمئنان بالعدالة الخلاقة أمل استقامة الواقع وتقويمه من خلال ثورة كموجهات مضادة تهد وتهدم أطر الواقع المثار عليه نتيجة الاعوجاج الذي يحسبه الثاثر ألا سبيل لإعادته إلى جادة استقامته وجادة القبول بتنوع الهويات واحترام تموضعها الإرادي مما لزم استبداله.
وبالتالي في هذا التنازع الثنائي عدت عند الأول خروجا عن النص المعد في مسرح السياسة الأحادية الدولية حسب أهواء واستراتيجية الهيمنة الغربية المتعالية . واعتبرتها تهديدا وجوديا لها قد يحدث ما يحدثه حال غلبته من إعدام حركي للسكون المنساب في تفاصيل الواقع المفروض سلفا من أصنام تلك الهيمنة .
كما عدت هذه الثورة عند الثاني وجودا حتمياً مفروضا لاستمرار الحياة وديمومة التفاعل الإيجابي بدلا من السلبية الجوفاء الساكنة في أقنان الأحادية المتألهة على آخرها والتي تمارس عليه سلطة الربوبية، باعتباره لا يملك إرادته أو نضجه لإثبات وجوده كهوية تكفلها الفطرة الإنسانية ونسبية الأشياء والتفكير المترامي.. وبالتالي التبرير الأجدى لهذا الوجود الحتمي يستظل تحت عريشة مقاومة الهوية الشعبية المشروعة – حسب تصوره – لشعاع الأنظمة الكونيالية، فكان رفضه الواقع المتعالي حين يعتبر غيره رقما في يده سلطوية المال والإعلام .
هذا الطرح مهما ظهر في مجمله مؤيداً وغير مناهض أو معاد فإن المعيارية والانضباط تقتضي الإنصاف في التعاطي مع الوجود وحيزاته كضرورة تعدد وتنوع وكسبيل قويم يؤدي إلى العدالة الإنسانية المرجوة كما هو احترام للأشياء والكينونات كفكر وسلوك سوي يقوم على أساس أن احترم الذات يعني احترام الذوات الأخرى بالمقابل . وهنا تتجلى الأهمية في شقيها المتصارعين وليس شقيها المتحاورين – وفق المعطيات المتجسدة في تعامل كل منهما مع الآخر ووقوفه على حيزه المترنح وعيا في إثبات اتجاهه – .
إذاً وبعد التبرير المنطقي والعرض الفلسفي حول حقيقة أهمية حدث الواحد والعشرين من أيلول أقول إن هذا الحدث مهما وصفه بالانقلاب من يتوهم ضرره على وجود بنائه الحيزي والزمني كفاعل ومتفاعل وإصراره على نفي ثورية كونيته فمن الأدب كأخلاق عناية في تعاطيه مع اعتقاد القائلين – وأنا أحدهم – أن هذا الحدث هو ثورة ومع قناعة مؤيدي هذا القول، فمن الأدب أن يترك مساحة للفكرة دون تعصب في تفنيد حجج وجهة نظر المناهض لفكرته قبل أن يلغي الآخر بأدوات عدمية تمنح المطلع والمتابع بحيادية الانضمام إلى صف القائلين بمشروعية ثورة الواحد والعشرين على همجية تعاطي المناهض وأدواته العدمية الملغية دون اتكاء إلى وعي أو فهم سليم في إبداء رأيه، ككلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض .. واعتداد حدث الاجتثاث هو ثورة لها مبرراتها ومقوماتها وضرورتها كما لها تناسبية اتصافها من خلال إعمال كل المعايير والمقاييس عليها وكذلك وفق مفهوم فكرة وأدبيات انتماء المناهض الهمجي لمصطلح الثورة .
(2)
حين نتكلم عن ثورة الواحد والعشرين من أيلول فإن من اللازم تناولها على أساس أوسع، ومن ذلك وضع موقف الآخر حول ثورة الواحد والعشرين في الاعتبار وطرحه في مائدة التحليل حتى نكون معياريين كمقاربة تطوي تحت إبطها الرأي المناهض وطيه بناء على حجج دامغة ونعي منطقي … مما يحسبه المعني كافيا ..كوننا في حدث مهيل جداً فيه من الهيبة ما يلحظه المتأمل أن تعقبه من أحداث أسطورية في الدفاع عن كونيته. .
حدث تاريخي من طرافة تبعاته تناقض المشهد الدولي مع ذاته وأدبياته وما كان يسوق له في التعاطي مع هذا الحدث الشعبي مبديا عدم احترامه للإرادة الثورية. .
فعلا .. غرابة التعاطي هذه ندركها من تناقضه وعدم منطقية موقفه حيال الثورة الواضح من خلال وضع مقارنة بين موقفه هذا وموقفه من أحداث مشابهة بل أقل اكتمالا في معطياتها وأثرها من الواحد والعشرين من أيلول كمدعاة للدهشة والاستغراب .
انطباعات توصف وفق العرف والفكر الإنساني السوي السليم أنها لا تخلو من تسويق الهمجية ولا تعدو عن كونها تنطعات حيوانية باختلافها وتعددها حال وصف الثورة الأيلولية انقلاب لنقول بكل ثقة عدم استقامة هذا الانطباع عند كافة تلك التوجهات وعدم صوابيته في المنطق المتواتر.
فالموقف الدولي من ثورة الواحد والعشرين من أيلول الذي لم يلتزم الحياد المعروف على أقل تصور بدلا من الإشادة والعون للإرادة الثورية الوطنية وفق المبادئ الحاكمة للتعاون الإنساني والإلزامية القانونية التي توجب احترام الإرادة الوطنية فقد تجاوز ذلك وقام بانتهاك القانون الدولي واعتبر نفسه وصيا دوليا على سيادة وطن وإرادة شعب له الحق في تقرير مصيره وقام بالتدخل والعدوان على تلك الإرادة الوطنية والسيادة الدولية. .فأبدت من التناقض في اتفاقها وتهور عدوانها الفج الذي يقرأه المتتبع والمستقرئ للمشهد من خلال اختلاف تلك الدول في بينها سواء في نظام الحكم أو العقيدة أو الهوية أو المصلحة.
إذ نلاحظ أن الدول التي قامت بالعدوان على ثورة الواحد والعشرين من أيلول البعض منها نظام حكمها ملكي (المملكة العربية السعودية ، والمملكة المتحدة ، والمملكة المغربية) (الإمارات ) وأخرى نظام جمهوري ( أمريكا ، إسرائيل ، مصر ، السودان ).
وغيرها من الدول لا يوجد أي صلة أو مبرر في الاتفاق أولا. . لمنع الخطر الذي يهدد أنظمتها حسب ألوهية مشيئتها غير الخاضع لأي قانون غير أطماعها ومصالحها في التدخل والعدوان على سيادة الدول .
بل إن من الدهشة والاستغراب أن بعض تلك الدول قد مارست نفس الحدث ونفس الثورة ضد ما يسمى شرعية الثورة – مصر مثلاً …
وكيف أنظمة ملكية تدافع – حسب مبررها – عن مسمى شرعية جمهورية الحادي عشر من فبراير ..
ليس هذا فحسب بل إن تلك الدول الجوفاء لا تتفق مع بعضها البعض في الأثنية العرقية حتى تتفق لمواجهة تهديد قد يعرض هويتها للخطر .
كذلك تختلف تلك الدول دينيا بل وجود عداء ديني بينها إلا أنها تتفق على العدوان على اليمن، نجد أن التقاء المصالح غير متوفر بين تلك الدول على عدم اعترافها بثورة الواحد والعشرين من أيلول ومن ثم اجتماعها بالعدوان على يمن الواحد والعشرين من أيلول، فبأي تقاطع أو منطقة معينة قد تلتقي مصلحة مصر والمغرب مع مصلحة أمريكا وإسرائيل هذا بالنسبة للجانب الرسمي لتلك الدول الخاضعة في إنشائها ومسمياتها إلى عرف قانوني وفكر إنساني ينبغي التزامها به واتخاذ نهجه واتباع آليته وتفاصيله كوجود مشروع لا يناقضه تصرف تلك الدول.
أما بالنسبة للجانب الأممي فإن تلك المنظمات الأممية ( الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ) قد وقفت بكل اعتباطية بوجه النظام الأساسي لإنشائها من خلال عدم احترامها للسيادة الدولية والإرادة الشعبية وأيدت العدوان على يمن الواحد والعشرين من أيلول ولم تعترف بكينونة الثورة ، كما لم تمارس دورها المناط بها في الدفاع عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ومبدأ احترام السيادة الدولية الذي تجسد وتجلى الاعتداء عليهما في اليمن. وسمحت وأيدت التدخل الدولي في اليمن بالإضافة إلى ما سبق من مبررات تتمثل بعدم النظر بتجرد مع حدث الثورة الأيلولية والتعامل معه كواقع مشابه لأحداث أخرى ( الربيع العربي ) إن لم يكن أنصع وأكمل ..
أخيرا نلاحظ أن القوى اليمنية المعادية غير المعترفة بثورة الواحد وعشرين من أيلول، لا يستقيم موقفها ذلك من خلال عدم احترامها للإرادة الشعبية في التغيير التي سبق منها أن احترمت إرادتها في التغيير وافتقرت للأطر الفكري في توافقها واجتماعها وخيانتها للوطن بإبداء عدائها ليمن الواحد والعشرين من أيلول، تبعث للتساؤل في موقفها المشين فكيف أدبيات خطابها التي تتبعه تلك القوى لا يتفق مع بعضه البعض في النظر إلى الحدث الثوري على سبيل العموم ومن ثم استدعاء الخارج للاعتداء على وطنها واحتلالها حيث تتجرع ويلات فعلتها بممارسته العدوانية معها وها هي تلعنه وتلعن موقفها الخياني في الكثير من والوقائع الصادرة عنها. .
كل ذلك التناقض لكل تلك المسميات والقوى في تبرير مصادرة الحق الشعبي كإرادة ثورية وانتهاك سيادة اليمن يجعلنا أمام حقيقة زيف السيادة الدولية بين تلك الدول وأدواتها ومرتزقتها من المكونات التي دعت وأيدت وانساقت مع العدوان على اليمن وكذلك حقيقة زيف احترام القانون الدولي وأنها ما تزال تحت وطأة الاستعمار وأننا ما زلنا في مواجهة عصر ما بعد الكونيالية ، الذي اتضح من خلال موقفه من ثورة الواحد والعشرين من أيلول مهما حاول التضليل عبر إعلامه، حقيقة صورية السيادة والإرادة الوطنية وأنها جميعا تتماهى وتذوب في تبعيتها مخلصة لولائها للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ، يقتضي معها من الشعوب الحرة التنبه وإشعال فتيل الكفاح التحرري الذي أشعلته ثورة الواحد والعشرين من أيلول.
(3)
من الموضوعية استعراض بعض التفاصيل المتناسقة مع أهمية حدث الواحد والعشرين من أيلول كحدث ثوري منقطع النظير على الامتداد الزماني والمكاني تنجلى تلك التفاصيل للمطلع من خلال حقائق لا تحصى، لعل من أهمها رد النظام الأحادي الهيمنة الأمريكي وتابعيه أمام الفعل الثوري الذي هو بالحقيقة رد على النظام الهمجي الأمريكي وما تفرخ عنه من أنظمة تخضع بالتبعية والوصاية لإدارته، فكان الرد الأمريكي وأدواته أن ارتكب جريمة العدوان على سيادة يمن الواحد والعشرين من أيلول.
حدث غير بسيط فعلا.. بل معادل مواز وولادة متجددة لنظام مقاوم لأحادية الهيمنة الاستعمارية الليبرالية المقيتة التي على رأس هرمها الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل.
أقل وصف لهذه الولادة أنها انبعاث فكري آخر وحراك ثوري إنساني مقابل تختلف أدبياته وتوجهاته مع الفكر السياسي البراجماتي النفعي السائد وراعيه وأدواته ، جسده ثبات وصمود شعب الواحد والعشرين من أيلول الأسطوريين المتكاملين مع الانتصار الميداني على العدوان الأمريكي الإسرائيلي وأدواته، وهو ما يؤكد عجز نظام العدو السائد عن الحد من انتشار الثورة فكريا فاتخذ طريق الحرب والعدوان سبيلاً مهزوماً كهزيمته السياسية والفكرية، بمعنى أوضح وأدق أن الثورة الأيلولية المجيدة لم تأت حسبما قُدِّر وخُطِّط لسابقاتها سلفاً من دور إضعاف الدولة بكسر عماد نموها وتمزيق نسيج تكافلها وتماسكها الاجتماعي وتدمير بناها التحتية وتحطيم قوتها العسكرية وطمس هويتها وترويض عبوديتها وترسيخ التبعية والوصاية في الوعي الوطني ، بل جاءت من رحم المعاناة اليمنية على نقيض كل ذلك التقدير والتخطيط ، خالصة السحنة، أصيلة الهوية، مستقلة مكتفية بالذات الشعبية الوطنية، مفشلة للأطماع الاستعمارية في شرذمة وتفكيك الأوطان والدول، كحقيقة هوية لنتيجة منطقية في وجه ذلك المخطط الاستعماري تولد لدى الشعب اليمني خطر انهيار وجوده الواحد وتماسكه الاجتماعي والمناطقي والقبلي تحت يافطة الحوار الموفمبيكي ..
هوية يمنية جامعة لها امتدادها العريق الأصيل من منهلين يتموضعان في النسق التأملي الأول حضارتها التاريخية الضاربة عروقها في عمق التاريخ عظيمة الأثر دلالتها نبوءة الرسول الأعظم – صلوات ربي عليه وعلى آله – في غزوة الأحزاب أثناء حفر الخندق ( أرى أبواب صنعاء تفتح ) ، في اعتداد صنعاء اليمن محور ومركز الهوية العربية والإسلامية الجامعة من ثم قوله ( الإيمان يمان والحكمة يمانية ).
والتموضع الآخر الامتداد الحضاري الإسلامي كأنموذج إنساني التمظهر بآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشف من قول الإمام على بن أبي طالب – عليه السلام: ( الناس نوعان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ).
ولهذا الامتداد الأصيل لثورة الواحد والعشرين من أيلول من الأهمية ما يجعله محل تذمر عالمي غير مقبول في تغييره لملامح وتوجه السياسة الدولية التي تفرض هيمنتها ووصايتها في كل شيء … ليقف هذا النظام العالمي البغيض أمام إعصار الرجال عاجزا لا حول له ولا قوة سوى إبداء فشله من تحقيق انتصار سياسي في سحب الإرادة الشعبية الوطنية من مساره الثوري المقاوم إلى المسار الذي كان يأمل ويسعى لتحقيقه، ووجد في ذلك هزيمة تقتضي ممارسة الهزيمة بإعلان حرب وعدوان ظالم ضد شعب آمن بإرادته الأيلولية وفوض قيادته يدرك أنها ستصبح محورا مركزيا شعبيا داخليا لثورة عالمية إنسانية ستمتد مياه جداولها إلى أنهار أخرى وجغرافيا أخرى تشرب من معين تموضعها الأصيل بعد تغلب صدقها الإنساني على ماكينة الإعلام العالمي وأدواته وتغلب تحررها وتجردها على الخضوع للهيمنة الاستخبارية الاستكبارية، وبالتالي فإن حدث الثورة ليس حدثا فائضا عن الحاجة وإنما ضرورة إنسانية للتغيير مضت قدما نحو إعادة المقومات السوية للإنسان ، وصياغة الأطر الوجودية كثورة على الهمجية الاستهجانية التي فرضها ورسمها ورسخها النظام الاستعماري الاستكباري في المجتمعات الأدنى – حسب توهمه – كأدوات وأرقام عاجزة عن تقرير مصيرها غائبة عن إدراك ذوتها وهويتها منبهرة أمام الترويج والبهرج الإعلامي المضلل ، كسولة عن الفاعلية ، مستهلكة غير منتجة ، منتفية الأهلية لزم رعايتها والإشراف على حياتها وثروتها وحقوقها واعتبارها بعد ذلك عبئاً على المجتمعات المنتجة وجعلها مسرحا للصراع الزائف العدمي ، وسوقا رابحا لبيع الأسلحة من ثم وضع حولها دائرة يقرأ قاطنوها على جدرانها ممنوع الابتعاد أو تجاوز هذا الجدار. .
هنا كانت الثورة وكانت أهميتها كحدث كوني.
(4)
قد يتساءل البعض حول تأثير الفكر الاشتراكي ونظامه في الوعي الجمعي الشعبي كمؤدى متداخل مع معطيات أخرى مباشرة وغير مباشرة ساهمت في وهج ثورة الواحد والعشرين من أيلول ، باعتباره بديلاً مغايراً للنظام العالمي الرأسمالي، كما يتساءل هل للثورة الإسلامية الإيرانية كذلك أي أثر تحضيري يذكر في وهج الثورة ، أم ما هو الامتداد الفكري والشعبي الذي ارتكزت عليه ثورة الواحد والعشرين من أيلول ..؟
لتكن الإجابة على ذلك بتساؤل توليدي عما هي امتدادات الفكر للثورة الاشتراكية في الحكم وكذلك ماهي امتدادات الثورة الإسلامية الإيرانية في الحكم أولاً ، وهل هنالك أي مركزية في الشرق العربي انطلقت منه الثورتان وكذلك الثورة الرأسمالية ..
من ثم نجد أن نقطة النور المحورية الإنسانية هي الثورة الإسلامية ( فكرا وسلوكا – حكما واحتكاما – سياسة وإدارة – عدالة وعناية) وكافة مجالات الحياة التي أشعل وهجها خير البشرية والرحمة المهداة فأضاءت ظلمة العالم والإنسانية جمعاء بدون حدود أو قيود أو تمايز أو انتقائية كقيم أخلاقية ومعايير انضباطية، فكانت وفق الاستقراء للامتداد التاريخي والمجتمعي والفكري النهج المكتمل الجامع المتواتر الأثر الذي اشتق منه وجود المسميات: الفكري والفلسفي والسياسي كمحطات استمرارية تلاقحية تعضت منه الاشتراكية والرأسمالية والثورة الإيرانية، .وبالتالي فإن وجود الأثر لا يعدو عن كونه استمرارية واتصالاً كنسق هيجلي لا يغدو مشكلة بقدر ما يكون ذاكرة المأتى دون سجال تجايلي ‘ تخليدا لحقيقة واحدية الوجود الإنساني وواحدية الحضارة مهما تعددت الأنساق الثقافية. أو تفاوت عرض الفعل والقول كنسبية التعاطي والإدراك والفهم جراء تفاوت الملكات الإنسانية وتفاوت المناخ البيئي والثقافي وأثره في السلوك والعرض لماهية العقل واحدية المعنى في الحكم على المسميات .
إن العودة إلى الوراء في الاستقراء لمحطات التاريخ يؤكد ذلك ‘ ويجعلنا ندرك أن ثورة الواحد والعشرين من أيلول هي امتداد أصيل لثورة الرسول الأعظم كوجود إنساني لا حدود له سوى القيم العظيمة في عملية منطقية أكثر تناسقا واتساقا وتماسكا وانسجاما بين الواقع المطروح والأثر التاريخي المشروح تذوب فيه المسميات والاشتقاقات تغليبا للروح التأملية في العلم والعزيمة المادية في الامتهار (بسطة في العلم والجسم ) كديمومة بقاء وجدوى رقي التطلع والطموح وفق المتاح والمسموح تلزمنا أن نضع الفكر الرأسمالي والاشتراكي في حسبان الفكر الثوري الإيلولي ( الهوية الإيمانية ) كفكر مقاوم لعجزهما عن استيعاب مقتضيات الوجود الخلاق وعدم اكتمالهما وشموليتهما فرض شرعية المقاومة كنسق مركزي محوري مشرق الأنوار على كل الوجود جسده الشهيد القائد المفكر الإنساني السيد حسين بدر الدين الحوثي وأزال عنه الترهل والتجاعيد، قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين نسقا أكثر جاذبية لألباب تلبستها الحيرة في ظلمة الهيمنة الأمريكية الاستكبارية وأدواتها فغدت إثبات حياة للحياة واستحقاق للاستحقاق وحق للحق ووجود للوجود تتناغم معه سائر أعضاء جسد البشرية الواحد كحضارة تقوم على الأس المعرفي للواجد والموجود والبناء التفاعلي والهدى والقيم إيمانا بمشروعية الاصطفاء والاستخلاف وأثره المستمر الإيجابي ‘ كطريق نسير عليه وقوده التعاون على الخير كامتهار مقابل لحتمية الحساب بالأخير كمبرر منطقي لاحترام الكينونة الوجودية المصطفاة المستخلفة التخييرية في الأداء الناجع عن حرية الإرادة في إدارة البشرية لما سواها من الكائنات‘ فضلا على التكريم الإلهي الأسمى لأمشاج قذرة جعل لها صفات إلهية التكليف والاستخلاف في تحديد الأطر والمسار إلى أي الوجهة وكيفية المسير تعاملا فيما بينها ومع مستخلفيها كهوية إيمانية إنسانية جامعة تُظهر سمو أهمية الحدث الغائي لثورة الواحد والعشرين من أيلول .