الزراعة التعاقدية والتنمية المستدامة

المهندس/ هلال محمد الجشاري

 

 

القطاع الزراعي في اليمن يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية، ولا يخفى على أحد دوره المهم والبار في تجاوز اليمن للحصار والعدوان والأزمات بما فيها ازمة جائحة كورونا.
غير أن القطاع الزراعي تمكن من توفير الاحتياجات الغذائية المحلية للمواطنين وخصوصاً منذ انطلاق الثورة والجبهة الزراعية -العام الماضي برعاية اللجنة الزراعية والسمكية العليا ومؤسسة بنبان التنموية- تحقق انتصارات عظيمة وبمشاركة مجتمعية.
واطلاق منظومة الزراعة التعاقدية كانت ضمن أولويات الجبهة الزراعية وحتى يتفعل ذلك أكثر يتطلب إصدار قانون ولائحة خاصة بالزراعات التعاقدية ضمن التوجه العام للدولة، وذلك بتشجيع المنتج المحلي والتوسع في المساحة الزراعية وتخفيض فاتورة الاستيراد، تلبية لمطالبات المزارعين والتعاونيين، لتفعيل منظومة الزراعات التعاقدية بحيث يكون هناك دور فاعل للقطاع التعاوني الزراعي لضمان تسويق المحاصيل الزراعية بأسعار عادلة وحماية المزارعين من جشع واحتكار التجار وللحد من المعاناة السنوية التي يواجهها المزارعون في تسويق محاصيلهم الزراعية وسط غياب منظومة موحدة للتسويق تضمن حقوق المزارعين في أسعار عادلة وتحقق هامشا ربحيا مناسبا، فضلاً عن التوسع في الرقعة الزراعية أفقيًا ورأسيًا.
وتعتبر الزراعة التعاقدية الحل الأفضل، لحل مشكلات تسويق المحاصيل الزراعية، ولابد أن يكون ذلك التسويق من خلال الجمعيات التعاونية الزراعية المنتشرة بالمحافظات، بحيث يتم صياغة عقود ثلاثية بين (المزارع _الجمعية التعاونية الزراعية_ والجهة التي ترغب في شراء المحصول) بحيث تشتري الجمعية المحصول من المزارعين وتقوم ببيعه للشركات لصالح المزارعين، وأي زيادة لاحقة في سعر المحصول تكون للمزارعين، مع ضرورة وضع سعر ضمان لاستلام المحاصيل الزراعية قبل الزراعة، بحيث يعرف المزارع سعر التسويق المحتمل وبالتالي يأخذ قرار الزراعة والتعاقد؛ فيما يتم التعامل مع السعر وفقًا لمعطيات السوق ، وتطبيق آلية الزراعة التعاقدية.
فضلاً عن أهميتها في حل المشكلات التسويقية للمحاصيل والتي يعانى منها المزارعون، كونها تشجع شريحة كبيرة من المزارعين على زراعة المحاصيل التي عزفوا عن التوسع فيها من قبل ، ومنها محاصيل الحبوب والبقوليات ، والتي يتم استيراد كميات كبيرة منها سنويًا تقدر بالمليارات، هذا بالإضافة إلى البهارات ومنتجات الأعلاف وغيرها .
حيث أن إشراك الجمعيات التعاونية في التسويق من خلال العقد الثلاثي سيقطع الطريق على التجار في استغلال المزارعين عند بداية كل موسم حصاد ، حيث يقوم التجار في بعض المناطق الزراعية بالمحافظات بشراء المحصول من أصحاب الحيازات الصغيرة بأسعار تقل عن الأسعار الفعلية ويتم تخزين المحصول تمهيدًا لبيعه بأسعار أعلى بعد استقرار السوق وزيادة الطلب على المحصول وهو ما يجعل التاجر هو المستفيد الأول من الزراعة التعاقدية وليس المزارع .
وهنا يأتي أهمية تطبيق منظومة الزراعات التعاقدية لتسويق المحاصيل الزراعية محليًا، فعلى الرغم من إنتاج كميات كبيرة من محاصيل الحبوب والبقوليات مثلاً إلا أنه يتم استيرادها من الخارج بآلاف الأطنان سنويًا ، لعدم وجود تنسيق بين المنتجين والمستهلكين وفي المقابل الزام كل المستوردين بالمساهمة بنسب معينة من قيمة الشحنات المستوردة لدعم نفس الصنف محليا ضمن الزراعة التعاقدية خفض فاتورة الاستيراد تدريجيا حتى نصل إلى الاكتفاء الذاتي .
كما أن تطبيق منظومة الزراعة التعاقدية، سيكون سببًا جوهريًا في حل المشكلات التي يتعرض لها المزارعون بشكل موسمي، والتي تتمثل في الزيادة الكبيرة في إنتاج بعض السلع والتي تزيد عن حاجة السوق المحلي، مما يترتب عليه الانخفاض الحاد في الأسعار وتعرضهم للخسائر ، كما أنه في حالة النقص الشديد في إنتاج بعض المحاصيل يتسبب ذلك في الارتفاع الكبير في أسعارها مما يحمل المواطنين (المستهلكين) أكثر من طاقتهم ، وإلى ذلك مناسب أن يتم إنشاء صندوق تعويضات للمحاصيل الزراعية بالتزامن مع تطبيق الزراعة التعاقدية، بحيث يتم تعويض المزارعين عن الخسائر في حالة الأمطار الشديدة أو السيول أو الكوارث الطبيعية ، حيث تتضمن عقود الزراعة التعاقدية شروطاً جزائية تطبق على الطرف غير الملتزم ببنود العقد سواء المزارع أو الجهة التي ترغب في شراء المحصول.
يضاف لذلك أهمية نشر الوعي المجتمعي وتوجيه المزارعين بالمحاصيل الأنسب لزراعتها ضمن آلية ومنظومة الزراعة التعاقدية، وتفعيل الإرشاد الزراعي وإجراء دراسات واقعية للسوق للتعرف على متطلبات السوق المحلية والخارجية حيث يؤدى ذلك إلى ضمان تسويق المحاصيل وعدم إغراق السوق بمحاصيل معينة ، يترتب عليها انخفاض حاد في الأسعار، مما يعرض المزارعين للخسارة وبالمقابل سيتجه المزارعون إلى التوسع في زراعة المحاصيل المطلوبة في السوق المحلي وتوفيرها كبديل عن المحاصيل المستوردة من الخارج التي تستورد بمليارات الدولارات .
ومن كل ما سبق نستنتج أن استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة تستوجب تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية ومشاركة التعاونيات في تسويق المحاصيل لتحمى صغار المزارعين من استغلال وجشع التجار، وكذلك التحرك الجاد والمكثف لتوعية المجتمع الزراعي والاستهلاكي والتجار المستوردين حول أهمية منظومة الزراعة التعاقدية سعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنمية زراعية مستدامة.
* مدير الإدارة العامة لوقاية النبات

قد يعجبك ايضا