رعاية الإبداع ..

محمد أحمد المؤيد

 

 

أبدع معناه خرج عن المألوف أو فاق المتوقع في الجانب الإيجابي، وليس في الجانب السلبي، ففلان مبدع في أسلوب الإقناع للآخرين بأفكاره النيرة، وفلان ماكر في استدراج الآخرين للاستجابة لأفكاره المغرضة وغير الأخلاقية، فيلاحظ الفرق بين الجملتين، ولذا، فالإبداع يمكن تلخيصه في أنه يولد مع الإنسان على وجه العموم، أي أن كل إنسان مبدع ولديه سر في داخله يتفرد به عن غيره من البشر يدعى إبداع، غير أن هذا الإبداع في ذات النفس البشرية لا يمكن له أن يظهر في كل حركة وسكنة يجريها الشخص، بل إن الإبداع الذي يتفرد به ذلك الشخص عن غيره لا يمكن ظهوره ومعرفته حتى من ذات الشخص إلا عند اكتشافه كعلامة تميزه عن غيره، فيلاحظه الشخص أو قرناؤه وأقرباؤه من خلال تصرف تميّز فيه عنهم وتكرر ذلك لمرات عدة فعندها إما أن يتم صقله وتنميته والاعتناء به حتى ينال خيره هو ومن حوله أو إهماله فلا يظهر إلا وقت دخول الشخص المبدع في ظرف يستدعى إخراج ذلك الإبداع كضرورة ثم لا يلبث حتى يتوارى إلى أن يأتي موقف آخر وهكذا.
فالمبدع شخص نادر الوجود، لندرة المهتمين بإبداعاتهم والصاقلين لها، – رغم أن كل إنسان مبدع في ما حباه الله وميّزه فيه وعرفه به -، وخاصة عند العرب، فلو فكرنا قليلاً في ما الذي جعل العرب من أكثر الشعوب تأخراً في كل مجالات التنمية والتحضر والرقي، رغم الثروة النفطية والظروف الاجتماعية المواتية والحاثة على العلم والأخذ بالأسباب، وكذا الكثافة السكانية التي تعتبر ثروة بشرية يمكن استغلالها في شتى مجالات التنمية، ومع ذلك يزالون في مؤخرة سلّم التنمية العالمية، لوجدنا أن الفرق بيننا وبين العالم أجمع هو أنهم يرعون ويهتمون بالإبداع وصقل المواهب للمبدعين، فاكتشفوا المبدعين وتبنوا إبداعاتهم، فحدثت طفرة علمية وعمرانية وتنموية وصناعية وتجارية وماركات وعلامات لصناعات ومقتنيات والكثير الكثير من كل ما هو ملموس ومشاهد في هذه النهضة العالمية في كل شيء، حتى غدا أنه لا أحد بإمكانه أن يستوعب كل شيء في كل شيء ولو حتى معلوماتياً، فالموديلات والمواصفات والماركات والجودة وووووو لها أنواع لا تعد ولا تحصى في عالم السيارات وكذا عالم الطائرات والتلفونات والتعاملات المالية والتجارية وسهولتها وصعوبتها وغيرها لا يسع المجال للحديث عنها، حتى على مستوى تعدد البرامج التي تستحدث كل يوم في وسائل التواصل الاجتماعية التي لم يعد لأحد القدرة على استيعاب أو الدخول ضمن تلك البرامج التي كثرت وكثرت طرق وأساليب التواصل بها ومستوى تميز كلٍ منهم عن الآخر، وكلها نقولها ويقولها لنا غيرنا إن الفضل بعد الله هو للإبداع والمبدعين والمبتكرين من علماء ومثقفين ومبتكرين ومنتجين، الذين أو جدوا الفكرة وتلاقحت الأفكار والرؤى فصارت مصوغات وقوانين ودروس تعلمها الصانع فصنع واشتراها التاجر فباعها، واشتراها المواطن فنفع واستنفع، وهكذا كل شيء له أسبابه ومسبباته.
لطالما سمعنا نحن العرب عن مبدعين ومبتكرين في أوساطنا ومجتمعاتنا في شتى المجالات على مستوى التدريس والتثقيف والتصنيع والابتكار، غير أن الحال ضاق بهم ذرعاً بسبب ظروف العيش فذهبوا خلف الحدود، إما بالهجرة الشخصية أو عبر استقطاب دول الغرب المهتمين بالعقول المبدعة، فنجد أن أعظم أطباء وبرفسورات وعلماء ومخترعين ومنتجين ومتخصصين في شتى المجالات التي أبدع فيها الغرب والشرق كان للمبدع العربي فيها بصمة وحضور قوي، ولكن من الذي قدّمه وتحت ظل أي جهة قُدموا كمبدعين ومتميزين على مستوى عالمي !!؟، لاشك أنه على يد من تبنى صقل إبداعاتهم، حتى على مستوى الرياضة، زين الدين زيدان كان عربياً ولكن أين سطع نجمه؟.. في فرنسا، ونسيم حميد كشميم كان ملاكماً يمنياً بارعاً ولكن أين سطع نجمه؟.. في بريطانيا، والكثيرون في مجالات كثيرة لا يمكن أن نحصيها في هذه السطور، إلا أن الذي يهمنا أن نذكر كل عربي غيور على عروبته أن يحث كل من حوله على الاهتمام بالإبداع والمبدعين وصقلها داخل البلدان العربية حتى يستعيد العرب مجدهم عبر أبنائه المبدعين، وإلا فعلينا ألاّ ننتظر الريادة في أي تحضر عالمي وفي أي عصر.

قد يعجبك ايضا