من صناعة الأكاذيب التي روجتها امريكا لاحتلال العراق إلى تبرير المذابح البشعة
الحروب الأمريكية على الأمة…العراق نموذجا (الحلقة الخامسة والأخيرة)
دراسات:
تملص أمريكا من العقاب على جرائمها في العراق يرفع ضحايا حروبها في العالم لقرابة 30 مليون إنسان منذ الحرب العالمية الثانية
ترامب عاقب أعضاء المحكمة الجنائية الدولية لمساعيهم محاكمة جورج بوش وفريقه لجرائمهم في العراق، وبايدن ألغى العقوبات
محور المقاومة غيّر معادلة الحرب وأفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد وحطم أسطورة القطب العالمي الأقوى المتمثل في أمريكا
حيثيات التهرب الأمريكية والتملص الواضح للإدارة الأمريكية والمسؤولية الجنائية والقانونية إزاء جرائمها في العراق أخلاقيا وبات سقوطها حقيقة حتمية، وما مستقبل الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في ظل الانتصارات التي حققها محور المقاومة في غزة واليمن والعراق ولبنان وإيران؟ بالإضافة إلى أهم الدروس التي يجب على الشعوب العربية والإسلامية الأخذ بها، وإتقانها جيدا لمواجهة مكائد وسياسات قوة الاستكبار العالمية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر) حسب وصف، قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني – رضوان الله عليه.
كل تلك الزوايا الموضوعية هي ما سنتناوله في الحلقة الخامسة والأخيرة من القراءة العابرة والاستعادية لمحطات زمن واحدة من أهم الحروب الأمريكية على الأمة الإسلامية والمتمثلة في غزو واحتلال العراق: “من صراع المفاهيم إلى اغتيال العقول” جرائم أمريكا في العراق أثناء الحرب وما بعده.. لكن قبل الذهاب إلى تلك المحاور يجب العودة الخاطفة لمحورية مقدمات الحرب والهدف الاقتصادي المحوري الأول والأخير فإلى التفاصيل..الثورة / إعداد وقراءة/ محمد محمد إبراهيم
خارج سياق الحديث عن بشاعة جرائم حروب الإبادة البشرية التي حصلت في أفغانستان والعراق وسوريا ويجري حاليا في اليمن منذ سبع سنوات، لا يزال مراقبو ونخب العالم وخبراء اقتصاده، في حالة صدمة من تتابع انكشافات أهداف أمريكا الاقتصادية الضمنية من وراء تلك الحروب الأبشع في تاريخ البشرية، إذ تبين للعالم أن مساعي السياسة الأمريكية لتعزيز هيمنتها الاقتصادية عبر نهب ثروات الشعوب الطائلة، هي الهدف الأول والأخير من تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك..
ويؤكد المراقبون الدوليون أن البعد الاقتصادي لمركزية أحداث 11 سبتمبر المدبرة من قبل الصهيونية الأمريكية، لا يتمثل في مسار الحروب التي شنتها واشنطن على أفغانستان والعراق، وما كلفته تلك الحروب من تريليونات الدولارات، فحسب، بل تتمحور في الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي انتهجتها أمريكا في ما بعد سقوط البلدان التي غزتها قواتها، وبالذات في العراق الشقيق، وفي ما وراء شعاراتها المغلفة بمصالح الشعوب، ففي العراق على سبيل المثال لا الحصر أكدت التقارير الدولية أن إعادة إعمار العراق الذي حمل شعارا بنيويا يمس مصلحة الشعب العراقي الخارج من حرب مدمرة قادها المارينز الأمريكي، لم تكن سوى مجرد عملية إعادة تدمير بزي مختلف..
ما أكد تلك الحقيقة يتمثل في مجريات أحداث النهب والسلب والتدمير المتعمد للبنية التحتية، وحجم الإثراء الذي بلغته الخزانة الأمريكية من سياساتها الاقتصادية في العراق بعد تدمير مقوماته البشرية والسيطرة على ثرواته المالية والطبيعية والاقتصادية النفطية، واقتصرت عمليات إعادة الإعمار في مناطق النفط بما يضمن حماية المنشآت النفطية وعناصرها الأمنية وشركاتها الاستثمارية متعددة الجنسيات ومحاولات أمريكا إعادة إنتاج حيلها لإقناع الرأي العام العالمي وحتى الأمريكي بصوابية حربها، التي لم تمكنها من ديمومة الهيمنة الاقتصادية بزي قيمي بل انكشفت انكشافا أخلاقيا مخزيا وغير مسبوق في تاريخها، ولم يخزها وحدها بل أخزى معها العدالة الدولية كاشفا عورة شعاراتها المغلفة بالإنسان من أجل اللعب على عواطف الشعوب المتطلعة للحرية والانعتاق من حكم الديكتاتوريات، لتجد نفسها في جحيم الاستعمار، ما يجعل قوة الاستكبار في العالم في طريقها للزوال الحتمي، حسب مراقبي ومحللي السياسة الدولية.
تملص أمريكي غير مجد
في أواخر يونيو الماضي (2021م) وعلى طريقة أرواح العصاة الذين قال الله فيهم: ( لا تُفتَّحُ لَهَمْ أبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ في سمِّ الخِيَاطِ) انتزعت ملائكة غلاظ شداد، روح المجرم السفاح مهندس الغزو الأمريكي للعراق، دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، الملطخة صفحات حياته وأعماله بجرائمه الجسام في العراق، تاركًا خلفه ملفًا مليئاً بجرائم الحرب التي كشفت عورة العدالة الدولية، باعتبار أنّ جرائم الدول العظمى “ليست محل نظر”، بخلاف عدم توقيع أمريكا على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما جعلها محصّنة من المساءلة ضمن مبدأ الولاية القضائية.. ما يعني أن ملف جرائم أمريكا في العراق لا يزال مغلقًا على انتهاكات لا حصر لها، ويقف خلفها قادة الجمهوريين الأمريكيين. وعلى رأسهم الرئيس جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع الهالك دونالد رامسفيلد ومساعدوه بول وولفويتز ودوجلاس فيث وريتشارد نورمان بيرل، وغيرهم من شخصيات الإدارة الأمريكية صاحبة القرار النهائي في غزو العراق وتدميره ونهب ثرواته..
يقول أحد التقارير البحثية الحقوقية التي نشرت في موقع “مصر 360” في يوليو الماضي تحت عنوان: (كيف تملصت أمريكا من جرائمها في العراق؟): “نواب رامسفيلد الذين خططوا برفقته لغزو العراق، ليسوا بحاجة إلى تقارير سرية تكشف جرائمهم. باعتبار أن أفعالهم وتصريحاتهم وعداءهم واعترافاتهم كانت علنية، حتى للأمريكيين أنفسهم. فهذا “بول وولفويتز” الذي كُوفئ على هندسة حرب العراق بتعيينه رئيسًا للبنك الدولي عام 2005. وذلك قبل أن يُدفع للاستقالة بعد عامين بفضيحة فساد، دون أن يحاسبه أحد.. وأضاف التقرير: “أما النائب الثاني دوجلاس فيث بيرل فلم تُسفر ملاحقته من قبل الديمقراطيين عن أي نتيجة. ففي 2005 اتهم نواب ديمقراطيون مساعد رامسفيلد بالاشتراك في تضليل الشعب الأمريكي بشأن أسباب حرب العراق.. أما المساعد الثالث ريتشارد نورمان بيرل، وهو أحد أقطاب المحافظين الجدد الذين برزوا خلال إدارة بوش الابن، أصبح واحدًا من أكبر تجار السلاح عالميًا. وارتبط اسمه بالسعودي عدنان خاشقجي المعروف بتجارة السلاح”.
وفي 2006 رفع محامون دوليون دعوى أمام القضاء الألماني ضد قيادات أمريكية عليا في مقدمتهم رامسفلد بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وكان المحامون يمثلون معتقلين سابقين في سجني أبي غريب وغوانتانامو، اللذين جرت على خلفية جرائمهما محاكمة 11 جندياً أمريكياً متورطين بالفضيحة، هم بعض أفراد الشرطة العسكرية من الرتب الصغيرة، أمثال الرقيب مايكل سميث، في قضية المشرف على الكلب في التحقيق الذي حوكم بالسجن 8 سنوات، لكن حقوقيين أكدوا أن تلك المحاكمة لم تكن حقيقية بل صورية في سياق استمرار المغالطة الأمريكية للرأي العام الأمريكي والعالمي، بدليل أن المحكمة بعد أيام خففت الحكم إلى 8 شهور فقط، وبصورة غير علنية. وفيما تبنت منظمة حقوق الإنسان (CACI) المرافعة في دعوى سجناء عراقيين -وصلوا أمريكا- في قضية تعرضهم للتعذيب على أيدي ضباط أمريكيين، رفض القاضي الأمريكي “جيرالد بروس لي” القضية؛ لأنها حدثت خارج الحدود الأمريكية.
سجل تاريخي من الدماء
وفي محاولة علنية للتملص من المسؤولية الجنائية إزاء جرائم جنودها في العراق قدم تقرير أمريكي نشر في يونيو 2019 تحت عنوان “مجرمو حرب محترمون”، القناعات المتأصلة في المجتمع الأمريكي تجاه الحروب التي خاضها قاداتها لـ”محاربة الإرهاب”، وهي محاولة لمنح مجرمي حروب الإبادة الجماعية في القوات الأمريكية حصانة من المساءلة كون أمريكا القطب الأقوى في العالم، ما يعني ضياع الحق المشروع 1.9 مليون عراقي، تسببت بربرية حرب أمريكيا وهجماتها وحصارها على العراق خلال الفترة من 1991 إلى 2003م في وفاتهم.. وفق مجلة “لانسيت” الطبية البريطانية المرموقة، التي أوردت أيضًا أنه في الفترة اللاحقة قتل حوالي مليون شخص آخر. ما يعني أن حوالي 3 ملايين عراقي لقوا حتفهم خلال عقدين على يد الولايات المتحدة أو بسبب سياستها، حسب الدراسة..
وقدرت دراسة كندية قدّرت عدد ضحايا حروب الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بأكثر من 30 مليون إنسان حول العالم، ما يعني حسب الحقوقيين أن إفلات أمريكا من العدالة في جرائمها في العراق سيساعدها في الخلاص من تلك الجرائم الجسام التي لا تسقط بالتقادم.
هكذا طويت صفحة حرب العراق وجريمة “أبو غريب” دون جرس للعدالة الدولية، بل إن الأدهى من ذلك أن أمريكا فرضت عقوبات، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، بينهم المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة.. واتهم وزير الخارجية مايك بومبيو آنذاك المحكمة بـ “محاولات غير مشروعة لإخضاع الأمريكيين لولايتها القضائية”. وترجع القضية إلى تحقيق المحكمة في ما إذا كانت القوات الأمريكية قد ارتكبت جرائم حرب في العراق وأفغانستان.
لكن الرئيس الحالي جو بايدن رفع العقوبات التي فرضها سلفه على المدعية العامة للمحكمة. ووصفت “الجنائية الدولية” تلك الخطوة بـ”الحقبة الجديدة” من التعاون مع واشنطن. وأشارت إلى أن رفع العقوبات سيسهم في دعم أعمال المحكمة وتعزيز نظام دولي قائم على القانون، لكن مراقبي القانون الدولي الذي يجب أن يكون مستقلا، يعتبرون تصريحات المحكمة الجنائية بهذا الشأن تبعية واضحة ومساهمة علنية في طي صفحات جرائم أمريكا في العراق وبلا عقاب..
وفيما يفلت المسؤول الأمريكي من المساءلة، فإن شباك العدالة الدولية اصطادت رؤساء دول واستخباريين وعسكريين. خضعوا لمحاكمات بتهمة ارتكاب جرائم حرب سواء في بلدانهم أو في أماكن أخرى، كالرئيس العراقي صدام حسين، الذي اعتقلته القوات الأمريكية عام 2003. وجرى تسليمه مع 11 مسؤولًا بارزًا في حزب “البعث”، ومحاكمتهم في قضايا “جرائم حرب” و”انتهاك حقوق الإنسان” و”إبادة جماعية”. ونفذ فيه حكم بالإعدام شنقًا في عام 2006.
وعام 2007 قضت المحكمة الجنائية الدولية بالسجن المؤبد بحق الرئيس الإثيوبي الأسبق، منغستو هيلا مريام، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة خلال فترة حكمه، عقب انقلابه على الإمبراطور هيلاسلاسي عام 1974م، وانضم الرئيس السوداني عمر البشير إلى قائمة المتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمرين باعتقاله، بتهم ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” تشمل الإبادة والقتل والتهجير القسري، لكن موقفه المؤيد ومشاركة قواته في العدوان على اليمن ورضوخه للشروط الإسرائيلية جعلت أمريكا تتغاضى عنه، لكن ذلك لا يعني الحفاظ عليه في السلطة بل دعمت الثورة الشعبية التي أطاحت بنظامه في النصف الأول من العام 2019م.
محور المقاومة.. وزوال الهيمنة
لكن السؤال الأهم في هذا السياق، هل تلك الحيل والأحابيل السياسية والقانونية ستجعل أمريكا في منأىً عن الخزي والعار أمام شعوب العالم قبل الشعوب التي استبدت بها ونهبت ثوراتها ؟.. بالتأكيد لا.. والدليل الانسحاب المخزي من أفغانستان، صحيح أن حركة طالبان لا تلتقي في مناهجها المقاومة علنا للهيمنة الأمريكية، مع محور المقاومة التي تشكلت في العقود الزمنية الأخيرة، وازدادت قوة واتساعا خلال السنوات العشر الأخيرة إلى جانب المقاوم الأول للسياسة الشيطانية الأمريكية إيران، إلا هزيمة أمريكا في أفغانستان وغرقها المخزي في العراق، وفشل أدواتها وحلفائها في اخضاع الشعب اليمني رغم الحرب العدوانية الضروس التي تشن على الشعب اليمني، يشكل بداية حقيقية للعد التنازل لتحقق نبوءات خبراء السياسة الدولية وباحثيها الذين توقعوا بحتمية زوال الهيمنة الأمريكية بعدما أسقطت جرائمها وحروبها واستحواذها على ثروات الشعوب نهبا وسلبا وتحالفات ماكرة..
وبالإشارة إلى محور المقاومة، فيجدر بنا في هذا المقام التطرق إلى ما أوضحه الباحث السياسي السوري “محمّد نادر العمري” في مقاربة نشرة في موقع قناة الميادين تحت عنوان: “محور المقاومة.. النشأة والتطوّر ووحدة المصير”.. مؤكدا أن وجود محور المقاومة وثقله تبلور خلال العقود الثلاثة السابقة، من دون وجود اتفاق هيكلي أو اتحاد شكلي أو بنية تنظيمية مؤسَّساتية، لكن بات اليوم فارضا نفسه بقوة الأمر الواقع في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة التطورات والأحداث المتسارعة والمتراكمة خلال العقود السابقة، والتي شملت مساعي أميركية وإسرائيلية للاستفراد بالمنطقة والهيمنة عليها، بالقوة العسكرية أو بفرض عمليات “سلام” مختلَّة الموازين لمصلحة الكيان الإسرائيلي، وناقصة الحقوق بالنسبة إلى الشعوب العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً.
ووزع العمري محطات نشأة محور المقاومة على مراحل زمنية، الأولى مرحلة النشأة والوجود التي حصرها بين (1979-1990)، مؤكدا أنها تميزت بنواة الوجود لا التأسيس، لأن مكوناتها لم تكن على شكل تكتل مؤسساتي بقدر الحاجة الضرورية على الصعيدين الوجودي والمصيري. شهدت هذه الفترة خروج مصر – الثقل العربي – من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقيتي “السلام” و”كامب ديفيد” مع الكيان الإسرائيلي، وإقامة العلاقات الدبلوماسية معه في العامين 1978 و1979، ما جعل سوريا، الضلع الرئيس في المحور، وحيدة في ساحة الصراع مع الكيان، في ظلّ تزايد الخلافات البينية العربية وخروج مصر من الصراع والتفوّق العسكري للكيان الصهيوني بدعم أميركي.
ونتيجة للظّروف التي غلب عليها الكفاح والمقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً بعد اجتياحه بيروت في يونيو 1982 أثناء الحرب الأهلية، وبعد زيارة “مجموعة التسعة” لطهران ولقائهم المرشد، والاتفاق على تأسيس “حزب الله” الَّذي حمل تسمية “المقاومة الإسلامية” منذ ذلك الحين وحتى العام 1985.
وعنون الباحث العمري المرحلة الثانية بـ “مرحلة التّقارب والتكامل وتغيّر موازين القوى في المنطقة (1990 – 2006) وشهدت هذه المرحلة تحولات دراماتيكية تمثلت في انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وعزو العراق للكويت ومن ثم سقوط العراق بتلك السيناريوهات المشار إليها في الحلقات السابقة، لكن تلك التحولات المقرونة بمتغيرات دولية تمثلت في الاتفاقات بين السلطة الفلسطينية والكيان الغاصب، وبدت خادمة للاحتلال الإسرائيلي لكنها في نفس الوقت أسهمت في تبيان حقيقة المسعى الأميركي لتغذية النزاعات بين دول المنطقة، والتي تشكل تهديداً لأمن الكيان الإسرائيلي بما تملكه من قوة، وخلق صراعات جانبية، بالتوازي مع عدم حياد الوسيط الأميركي الذي كان يدعم التوجّه الصهيوني بإقامة “سلام” منفرد على صيغة فرض الأمر الواقع من القوي على الضعيف.
وفي المقابل لعبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامل دعم سياسي ولوجستي لحركات المقاومة، بينما مثّلت سوريا ساحات التدريب والغطاء السياسي والدعم العسكري لها، وهو ما انعكس بشكل جلي على أداء العمليات الفدائية لحركات المقاومة، والتي تمثلت بداية في إيقاع الخسائر بالعدو الإسرائيلي في عدوان تصفية الحسابات في يوليو 1993، ومن ثم “عناقيد الغضب” في أبريل 1996، وصولاً إلى تمكّن المقاومة اللبنانية في لبنان من إجباره على الانسحاب من معظم أراضي الجنوب المحتلّة والبقاع الغربي بصورة مهينة في 24 مايو 2000، بعد استنزافه بعمليات بطوليّة.
وفي مرحلة كسر العظم والنصر على الإرهاب منذ العام 2006م (المرحلة الثالثة)، وبعد تعسّر ولادة “الفوضى الخلاقة” التي كانت واشنطن وتل أبيب تسعيان لإحداثها في المنطقة بالقوة العسكرية المباشرة، لجآ إلى تضييق الخناق على إيران وسوريا و”حزب الله” واتهامهم بالإرهاب وتضييق الخيارات عليهم، إذ تمَّ توجيه الاتهامات السياسة بمقتل رفيق الحريري إلى كلّ من سوريا و”حزب الله”، ومن ثم مورست الضغوط لخروج سوريا من لبنان وإبعادها عن دعم الحزب، بالتوازي مع طرح ما سمي بقانون “محاسبة سوريا”، بالتزامن مع تشديد الخناق الاقتصادي والعقوبات الجائرة على إيران وزيادة الحصار المفروض على الفصائل الفلسطينية في فلسطين ودعم معارضتها في الخارج، وصولاً إلى ما سمي بـ”الربيع العربي” واندلاع الأزمة السورية والعدوان على اليمن.
تعزيز محور المقاومة
في اليمن صعدت من بين ركام ستة حروب ظالمة جماعة “أنصار الله” التي أسسها وقادها العلم المستنير بهدى القرآن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الذي أعاد بكتاب الله العزيز للمجتمع الإسلامي قوة الوعي الجهادي المقاوم لقوى الاستكبار العالمي، تبلور ذلك في النصف الثاني من العقد التسعيني للقرن العشرين، فحدث التفاف شعبي كبير حوله بدا متسلحا بثقافة قرآنية جهادية صادحة بالصرخة المعروفة : (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود) معلنة البراءة مما ترتكبه أمريكا وإسرائيل من جرائم وحروب ضد الأمة الإسلامية، ما دفع نظام صنعاء الموالي لواشنطن إلى خوض حروب مفتوحة مدججة بأفتك الأسلحة الأمريكية والأموال الخليجية، سقط على إثرها السيد حسين بدر الدين الحوثي شهيدا، ورغم استشهاده في الحرب الأولى عام 2004م، إلا أن مشروعه لم ينطفئ، بل خلفه أخوه السيد العلم عبدالملك بدر الحوثي قائد ثورة 21 سبتمبر 2014م التي خلّصت اليمن من التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي لواشنطن وأدواتها في الخليج، وعززت هذه الثورة التي صمدت أمام العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وللعام السابع على التوالي مغيرة بصمودها الأسطوري معادلة الحرب، معززة محور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط.
أخيـــــراً
إن الفساد الأمريكي بلا شك ذاهب إلى زوال وعلى أيدي محور المقاومة الذي اشتد عوده في منطقة الشرق الأوسط، مهددا مستقبل الهيمنة الأمريكية، في ظل الانتصارات التي حققها محور المقاومة في غزة واليمن والعراق ولبنان وإيران، كما أن هذه الفترة التي شهدت الشعوب المستكينة كيف تم تحطيم أسطورة القطب الأقوى في العالم، وفي معارك صمود حقيقية ومواجهات تاريخية غير مسبوقة، شكلت وتشكل أبلغ الدروس التي يجب على الشعوب العربية والإسلامية الأخذ بها، وإتقانها جيدا لمواجهة مكائد وسياسات قوة الاستكبار العالمية، وأدواتها الاستعمارية الهشة التي تمضي في طريق الزوال.