القيادة الحكيمة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر كانت العامل الأكبر والجوهري في انتصار الثورة من خلال الخطابات الثورية المستمرة وإدارة الخطوات التصعيدية بالتوازي مع المفاوضات والحكمة في حماية الثورة وتحصينها ومواجهة التحديات ورفض جميع الضغوطات والتهديدات الخارجية لإجهاض الثورة وكذلك حرص القيادة التعامل مع الإنجاز بالشكر وتأسيس شراكة حقيقة بدون إقصاء أو تصفية حسابات..
الثورة / أحمد السعيدي
مثلث خطابات قائد الثورة الإشارات التي تحرك على مسارها الثوار والتي كانت 6 خطابات بدأها في الثالث من أغسطس 2014 بدعوة كافة أبناء الشعب اليمني للخروج ليسمع صوته للعالم رافضاً هذه الجرعة، تلاه الخطاب الثاني في الثامن عشر من الشهر نفسه والذي دعا فيه كل فئات الشعب إلى المشاركة في الثورة وتوجه الحشود الثائرة إلى صنعاء بشكل سلمي، وبعد يومين فقط كان الخطاب الثالث للثوار وأعلن فيه عن بدء مرحلة التصعيد الثانية كما كشف عن رسالة التهديد التي تلقاها من الدول العشر مؤكدا عدم مبالاته لأي تهديد ولن يفرط بالمطالب الشعبية وان الهدف من التحرك الشعبي إسقاط الجرعة والحكومة وليس إسقاط صنعاء والجمهورية. أما خطابه الرابع فكان بتاريخ 31 أغسطس وخاطب فيه الثوار بأن يتحركوا إلى مرحلة التصعيد الثالثة بزخم واهتمام كبير وفي خطابه الخامس وقبل الأخير حذر القائمين على السلطة من مغبة الاعتداء على الثوار، وأما خطاب الانتصار بتاريخ 24 سبتمبر فقد اعتبر فيه أن انتصار الثورة انتصارا لكل الشعب وكل مكوناته، كما أرست أسس العدالة والشراكة وأسست لمرحلة جديدة قائمة على التعاون.
فكانت خطابات السيد القائد ومضامينها الحكيمة التي سار عليها في إدارة مجريات الثورة
إدارة الخطوات التصعيدية
كان ابرز ما يميز ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر هو إدارة الخطوات التصعيدية بحكمة من قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي ، إذ بدأت ارهاصات الثورة في منتصف العام 2014 وتحديدا شهر مايو ويونيو ويوليو عندما شهدت العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اختفاء المشتقات النفطية عن الأسواق واحتكارها من التجار وبعض الأطراف السياسية وكان الحديث يدور عن جرعة قادمة ، وحذر السيد عبد الملك في خطابه بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حكومة الوصاية من مغبة الإقدام على فرض هذه الجرعة السعرية وحذرهم أيضا من استرضاء حزب الإصلاح على حساب أبناء الشعب.
أصبحت الجرعة قرارا رسميا لحكومة الوصاية ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 2014م وبعدها بخمسة أيام دعا السيد عبد الملك مباشرة أبناء الشعب اليمني للخروج والتظاهر وإسقاط الجرعة.
اندلعت الثورة وتواصلت إدارة الثورة الحكيمة مع السيد قائد الثورة وطالب الخروج بشكل أكبر وتدشين المرحلة الأولى من التصعيد الثوري لإسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار، وهي الأهداف الثلاثة التي رفعها الثوار تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة.
وفي الثاني والعشرين من أغسطس أعلن قائد الثورة بدء المرحلة الثانية من التصعيد الثوري وأدى اليمنيون صلاة جمعة الإنذار بشارع المطار بالتوازي مع بدء أبناء محافظة صنعاء بنصب مخيمات الاعتصام السلمي في مداخل العاصمة.
كل ذلك جاء بالتوازي مع المفاوضات التي كانت تجري ، حينها بين قائد الثورة وبين الأطراف الأخرى، ففي بداية الثورة امهلت الحكومة خمسة أيام لتنفيذ المطالب الشعبية وشكَّلَ هادي وهو رأس السلطة آنذاك ، لجنة رئاسية وصلت إلى محافظة صعدة للقاء السيد القائد ، اللجنة كانت تبحث عن تهدئة الشارع ، وبعد مرور أربعة أيام غادرت اللجنة بطريقة مفاجئة دون استكمال المفاوضات ، وقال ناطق أنصار الله محمد عبد السلام حينها إن نقطة الخلاف الجوهرية مع اللجنة الحكومية أنها وصلت إلى صعدة وهي مجردة من أية صلاحيات حول القضايا الرئيسية وبالأخص قرار الجرعة السعرية وحتى دون أن تقدم مبادرات أو حلول.
حماية الثورة
واجهت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر الكثير من التحديات والعراقيل لمحاولة اجهاضها ومنها ما كان بقوة السلاح والترهيب لكن قيادة الثورة بحكمتها استطاعت مواجهة كل هذه القوة المفرطة التي استخدمها أعداء الثورة من الخارج والداخل ضدها ونستعرض في هذه السطور أبرزها وكيف تعاملت معها قيادة الثورة متمثلة بالسيد عبد الملك الحوثي حفظه الله.
واما من الخارج فذلك الموقف العدائي لمجلس الامن تجاه الثورة ودعوته لوقف المظاهرات وإخلاء الساحات، ورفع المخيمات والنقاط التي نصبها الثوار من أبناء اليمن قاطبة وعندها أكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن الاعتصام السلمي في صنعاء مستمر حتى تحقيق مطالبه وأيضا رسالة التهديد التي وصلته من الدول العشر وأعلنها للثوار قائلاً” “الدول العشر لا يمتلكون الحق في ان يحذروا، ولا أن يتدخلوا لأن شعبنا قرر وصمم وعزم ألا يركع الا لله، وأن يواصل المشوار في المطالبة بحقوقه المشروعة وبالوسائل المشروعة وتحذيركم لا نحسب له أي حساب”.
اما من الداخل فقد حاول أعداء الثورة في البداية نشر المخاوف من حرب أهلية جراء الشحن الطائفي الذي لازم يوميات التصعيد الثوري، وجرى الحديث كثيرا عن تشكيل لجان شعبية تتولى حفظ الأمن في العاصمة صنعاء ومواجهة أنصار الله والقبائل المسلحة المنضمة للثورة، وكان لافتا أن هادي خاطب قيادة الأحزاب محملا إياها مسؤولية حماية العاصمة مدعيا أن قوات الجيش والأمن ما تزال تدين بالولاء للرئيس السابق.
وعندما بدأ أبناء محافظة صنعاء بنصب مخيمات الاعتصام السلمي في مداخل العاصمة بدأت التهديدات المباشرة باستخدام القوة ففي نفس اليوم أقدم الطيران الحربي لنظام هادي على التحليق في ساحات الاعتصام للقبائل على مداخل العاصمة في منطقة الصباحة وشارع الرسول الأعظم ومديرية همدان حيث حلق الطيران على علو منخفض عدة مرات.
عندها حذر قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي الظالمين والمخططين للاعتداء على الثوار بأن قيادة الثورة لم تقف مكتوفة الايدي ولن تقبل بسفك دماء الثوار ومن حقنا ان ندافع عن ثورتنا ضد من يريد القتل سواء اعجبهم أو لا يعجبهم فالثوار لهم الحق المشروع في الحياة.
وعندما نصب الثوار المخيمات أمام وزارات الكهرباء والمواصلات والداخلية والبريد المركزي وتوافد الناس من كل المناطق إلى المخيمات ورافق ذلك عصيان مدني شل الحركة لأربع ساعات وتم خلالها إغلاق البنوك الرئيسة في شارع الزبيري، بدأت سلطة الوصاية والارتهان عصر الأحد 7 سبتمبر بإرسال قوات مكافحة الشغب إلى مخيمات المعتصمين في خط المطار متقدمين بعدد من العربات والجرّافات محاولين فض الاعتصام وإزالة الحواجز الأسمنتية ، غير أن الثوار واجهوها بصدورهم السلمية ، فأطلقت القوات النيران والقنابل الغازية صوب المتظاهرين فيما قامت عربات مكافحة الشغب بفتح المياه الساخنة على المعتصمين في محاولة لتفريقهم وفض الاعتصام ، سقط في هذا الاعتداء شهيد وعشرات الجرحى.
وفي التاسع من سبتمبر 2014م كان الاعتداء الغاشم والدموي على الثوار الذين توجهوا الى رئاسة الوزراء ومقر الحكومة من قبل الجنود التابعين للفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها المجرم علي محسن الأحمر والحصيلة 75 مصاباً بطلق ناري و144 بالغازات السامة و50 مفقوداً تم أسرهم، و7 شهداء، حمّلت الثورة رأس السلطة آنذاك هادي مسؤولية ما حدث، تحذيرات توالت على إثر المجزرة من مغبة ما ارتكبته تلك العناصر الإجرامية.
قيادة الثورة يومها حذرت من التمادي في ارتكاب الجرائم في حق المتظاهرين، ففي خطاب قائد الثورة ذاك اليوم حذر من تداعيات تلك المجزرة وحمّل السلطة مسؤولية ما سيترتب عليها، وأكد بأن قيادة الثورة لن تتوانى في إسناد الشعب وحمايته متعهدا بملاحقة المجرمين.
وما ان واصلت قوات الاجرام الاعتداء على المواطنين وإطلاق القذائف العشوائية في صنعاء، أدى إلى استشهاد عدد منهم وإصابة آخرين، أصدرت قيادة الثورة اوامرها الى اللجان الشعبية بالتحرك المسلح والتصدي لهذا الاجرام، ودخلت الثورة في مواجهة مسلحة، فأرسل علي محسن قواته إلى مناطق همدان ومذبح والكسارة والاستقبال وهناك تمكن الثوار من تشتيتها والتصدي لها ، ذلك الانكسار ترافق مع سيطرة الثوار على معسكر التلفزيون في 20 سبتمبر ثم الفرقة الأولى مدرع وجامعة الايمان ثم أعلنت وزارة الدفاع والأركان العامة ووزارة الداخلية تأييدها للثورة.
حسن التدبير والقيادة
من تدبير وحكمة القيادة في إدارة الثورة التواصل بشكل مستمر اثناء الثورة للاطلاع على كل جديد وليعرف الثوار ما يدور في أروقة السياسيين والدول الكبرى تجاه الثورة وأيضا لم تكن خطابات القائد للثوار فقط لتحديد المسارات الثورية والسياسية بل تضمنت جانب التوعية وتزكية النفوس فكان دائما يوصي الثائرين بتقوى الله والالتجاء إليه لتحقيق النصر فكانت جميع خطابات الثورة فيها جزء مخصص لتوجيه الثوار إلى التحلي والتمسك بدينهم ففي أول خطاب للثورة، بتاريخ 13 أغسطس 2014 دعا الثوار إلى الاعتماد على الله والاستعانة به فهم بالله اقوى وإنهم منتصرين بالله متحملين المشقات في سبيله ولإعلاء كلمة الحق فهو في موقف الحق والمظلومية.
واصل السيد القائد توجيه الرسائل الإيمانية للثوار بأن يخرجوا من باب المسؤولية من الله الذي لا يرضى له السكوت وان الإسلام بمبادئه وقيمه العظيمة لا يقبل لشعب أن يعيش مستذلاً مقهوراً مغلوباً على أمره لا كرامة له ولا عزة له وان يعتز بالله العزيز.
وتجلت حكمة قيادة الثورة في عدم القبول بالوصاية على الثورة كما حدث في ثورة فبراير، وعدم التراجع رغم التهديدات التي تعرضت لها قيادة الثورة والتي بدأت من الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية التي وقفت ضد الثورة وقيادتها.
التعامل مع الإنجاز
واخيراً عندما انتصرت الثورة تعامل قائد الثورة مع الإنجاز كما يتعامل العظماء فبدأ بالتوجه إلى الله واستشعار النصر ووجوب الحمد والشكر لله قائلاً” الحمد لله الذي له المنة والذي جل شانه والذي بكرمه وقوته أمد هذا الشعب بعونه ونصره وتأييده وكانت ارادته جل شأنه إلى جانب إرادة هذا الشعب” معتبرًا رأس الحكمة شكر الله.
وأعلن أيضا في خطاب النصر عن مرحلة جديدة من العدالة والشراكة القائمة على التعاون والتسامح والتكاتف لبناء يمن حر آمن مزدهر بإذن الله.
واستمراراً على طريق الحكمة في اتخاذ القرارات ذات الانعكاسات الايجابية على الوطن والمواطن جاء اتفاق السلم والشراكة الوطنية وتم التوقيع عليه من جميع الاطراف .